الموجز
رئيس التحريرياسر بركات
السبت 6 يوليو 2024 01:49 مـ 30 ذو الحجة 1445 هـ
أهم الأخبار

عميد ”اللغة العربية” بأزهر المنوفية لـ ”الموجز”: تجديد الخطاب الديني لا يعني الابتعاد عن الثوابت

السيد سلام،
السيد سلام،

قال الدكتور السيد سلام، عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر فرع المنوفية، إنّ قراءة القرآن في شهر رمضان وهجره بعد انتهائه يضعف الإيمان ويسمح باستحواذ الشيطان على القلب ويغلق طرق الهداية ويكثر الأمراض ويفاقم المشكلات.
وأضاف في حواره لـ"الموجز" أنَّ تعديل مناهج الأزهر لم يكن لانحرافها وإنَّما لمواكبة العصر، مؤكدا أن هذه المناهج تعتمد على وسطية الإسلام بعيداً عن الغلو والتطرف؛ وإلى نص الحوار..
• ما تقييمك لدور المؤسسة الدينية في الوقت الحالي؟
- المؤسسة الدينية تعمل جاهدة على الارتقاء بفكر أبنائها لتصل رسالتهم إلى أنحاء العالم بما أمر الله به ولتوضيح رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم كما يريدها، فهي تدرس الفكر الوسطي الذي يرقى بالمجتمع إلى الابتعاد عن الفكر الهدام الذي يفهم ثوابت الدين بطريقة غير صحيحة فيخلق الجيل الذي حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "هلك المتنطعون" ثلاث مرات.
وحذّر النبي من إتباع طريقة الفهم غير الصحيح للدين اليسر الذي يحمل الخير للأمة والوطن ويأخذ بيد الشباب إلى الوقوف والتأني مع صحيح الدين ومعالجة الواقع بالأسس والثوابت الدينية من الكتاب والسنة ولا يكون ذلك إلّا بفهم لغة القرآن الكريم لأن الله أنزله بلسان عربي يبين أن الدين يسر.
• البعض يتهم مناهج الأزهر بأنها تحمل في طياتها أفكاراً متطرفة.. ما تعليقك؟
- جامعة الأزهر تقيم الدين بالفهم الدقيق لمناهجه والنظر الواعي لأصوله ومبادئه وليس في مناهجها ما يُخالف ذلك أو يدعو إلى إرهاب أو انحراف الفكر، بل تقوم على النهي عن ذلك وإقامة للدين كتابًا وسنة وفهمًا صحيحاً لها وإنارة العقل وجعله عقلًا مثاليًا لأنه يحمل بجانب عمله رسالة الدين.
وعلى ذلك فجامعة الأزهر بكل كلياتها الشرعية والعملية تبحث الحق وتدعمه بصحيح العلم والفكر وتحرص الدراسات فيها كل الحرص على بث روح التعاون الذي أمر الله به بين طلابها ومنتسبيها والابتعاد عن أي تعاون نهى الله عنه، امتثالًا لقوله تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".
هكذا جامعة الأزهر حريصة على وسطية الفكر والعلم لأنها ركيزة عليا بين جامعات العالم أجمع، بل هي العمود الذي يحمل العلم الشرعي والعملي والكليات العملية بها تتحلى بتدريس قطوف من العلوم الشرعية التي بها تستضيء العلوم العملية.
الخطاب الديني
• كُثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني.. فما المعنى الحقيقي له برأيك؟
• تجديد الخطاب الديني ليس معناه الابتعاد عن الثوابت بل تطبيقها على الواقع الذي تعيشه كل بلد ومعالجة مشاكلها بعيدًا عن التحريف والتأويل غير الصحيح فمنبع الشرع واحد ولكن التجديد معناه الابتعاد عن جمود العقل وتحجر الفكر فالخطاب الديني الصحيح يجمع بين صحيح الفكر وعلاج الواقع مؤيَّدًا بالكتاب والسنة.
والخطاب الديني الذي يُعالج الواقع ويُحارب الشر والدعوة إلى غير الحق إنما هو تجديد يعني أنَّ الوقائع تتجدد ولا بد من إفهام الناس أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مطابقان لكل زمان ومكان وأنَّهما علاجان لكل زمن وعصر بما يحدث فيه ولا يوجد اجتهاد فيما فيه نص صريح وإنما يكون القياس فيما ليس في النص صريحًا صحيحًا بعيدًا عن التحريف وإتباع الهوى فالدين يقوم على مقاصد صحيحة جلية واضحة وكذلك الأمور التي يعالجها تكون بكل صدق ووضوح بما ينفع ويرفع ويعالج الفكر السقيم الهدام وينهى عن الفوضى ويدعو إلى كل خير بعيدًا عن الشر مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "طوبى لعبد جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر".
وكل هذا ونحوه يحتاج إلى التعاون بين كل المؤسسات الدينية وغيرها فالكل يتعاون في توصيل الرسالة الصحيحة لترقى الأمم وتنهض الأوطان بفكر أبنائها وعقول شبابها وبذلك نكون كما قال سبحانه وتعالى "كنتم خير أمَّة".
• وهل الأزهر قادر على ذلك أم أنه يُعاني من الجمود كما يدَّعي البعض؟
• الفكر الأزهري في أساسه وصميم عمله قائم على صحيح الدين ووسطية الفكر والدعوة إلى الحق منذ أن نشأ، فنشأته صحيحة لا عوج فيها ولا خلل ولكن توجه إليه الاتهامات بالجمود ممن يحقدون على الدين أو يفهمون الأزهر بفكر ضعيف أو يُقيِّمونه على ضعيف فيه وكل مؤسسة بها القوي والضعيف فلا يكون الضعيف حجة على مؤسسة كاملة.
ومناهج الأزهر كلها قوية منذ نشأتها وما تم فيها ليس تعديلًا لانحراف ولا تقييمًا لمعوج وإنَّما هو عبارة عن تخفيف بعض المناهج لمواكبة العصر الذي انتشرت فيه وسائل الترف فشغلت الطلاب عن الانقطاع للعلم.
ومن يتهم الأزهر بالعقم وضيق الفكر عليه أنْ يعيد النظر ويتحرى الحق ولا يرمي جزافاً لأنها مناهج تحمل رسالة جديرة بالتقدير والإجلال؛ والفهم الضعيف للبعض لا يقلل من شأنها ولا يحط من قدرها فهي رسالة علم الدين والدنيا على السواء وهذا ارتقاء لها وسمو لمكانتها وعلو للقائمين عليها.
• من وجهة نظرك.. ما الطريقة الأمثل لمواجهة التطرف؟
- الطريقة الأمثل لعلاج ذلك هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والتي تبين الحق من الباطل أخذاً بأيدي الشباب وإبعادهم عن كل فكر يخالف شرع الله ويدعو إلى سوء كما قال الله "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، ولا بد أن نعلم أن التطرف هو التجاوز في حدود الله والتعدي عليه وأن الإسلام نهى عن كل تطرف حتى في المأكل والمشرب فقال الله "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"، فليس هذا مقصوراً على الفكر فقط ولكن علاج الفكر هو أساس الاعتدال في كل شيء.
ولا ريب أن الفكر المتطرف تفريق للدين والله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"، ووسطية الإسلام شعور بالعزة والكرامة وتحمل المسئولية أمام رب العالمين والله أمرنا بالاستقامة والبعد عن الغلو والتطرف فقال سبحانه "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" والطغيان هنا بمعنى مجاوزة الحد والانحراف والتطرف وهذا كله صد عن سبيل الله وتشويه لمعالم الشرع الحنيف وهناك حديث واضح جدا ينهى عن كل ذلك ويعالجه يقول فيه النبي " أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".
إهمال اللغة
• بصفتك عميداً لكلية اللغة العربية.. كيف ترى إهمالها وما مدى ضرر ذلك؟
- إهمال اللغة العربية يعود إلى انشغال أهلها عنها بغيرها من اللغات الأخرى وهذا تضييع لثقافاتهم وتقصير في حق هويتهم وعلاج ذلك لا يكون إلا بالتصدي لهذا الإهمال والدعوة إلى الإتقان والاهتمام بالدستور الأعظم وهو كتاب الله والبحث عن استقامة الفكر من ينبوعه الفياض ولا بأس من تعلم اللغات الأخرى شريطة الحفاظ على أم اللغات وقد جعل الله فيها جمال الكون بما فيه من علم وعمل.
واللغة العربية هي لغة القرآن الكريم الذي نزل على أعظم نبي في أعظم مكان "مكة المكرمة" فهي التي من حافظ عليها حافظ على الدين كله لأنه شعيرة من شعائر الدين وهي الهوية القومية التي يجب أن نعلو بها ونحميها من أي انحراف يهز كيانها لأنها رائدة بكل معانيها والسر في ذلك أن الله أنزل بها كتابه الذي تحدى به أهل الفصاحة والبيان وأعجزهم أن يأتوا بشيء من مثله فهي لغة العزة والشموخ لا يفهم بيان الله ولا يمكن تدبره إلا بها وهي وسيلة التواصل بين الناطقين بها والمعبرة عن دواخل عقولهم وما يدور في نفوسهم وبها تنشر الثقافات وتعالج الانحرافات وتقوى العقول وهي تميز أهلها.
• يلجأ البعض إلى قراءة القرآن الكريم في رمضان فقط.. كيف ترى ذلك؟
- القرآن هو دستور الحياة ونظام المجتمعات وأساس الخير كله وبه طرق الهداية ونزل في ليلة القدر التي جعلها الله خيرا من ألف شهر ولكنه نور الله المبين في سائر الليالي والأيام فلا يصلح الاهتمام به في شهر دون شهر وإنما شهر الصيام الذي نزل فيه القرآن هدى للناس بداية عام تشريعي وشهر شعبان قبله نهاية عام تشريعي وفرض الصوم في رمضان لتشحن كل نفس قوتها وطاقتها الشحنة الإلهية التي تكفيها العام كله ومن ثم يكرس الناس القراءة في رمضان.
ولكن لا يصح الإهمال بعد رمضان لأنه يضيع الخير الذي فعله وقد حذرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال " القرآن شافع مشفع ومصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهر ساقه إلى النار" وأمرنا بأن نعلمه ونتعلمه لنحظى بالخير والفلاح ومن ثم فهجره يؤدي إلى قطع العلاقة بالله عز وجل، فهنا يضعف الإيمان ويستحوذ الشيطان وتغلق طرق الهداية وتكثر الأمراض وتتفاقم المشكلات ولا سبيل لعلاج ذلك إلا بالتمسك بكتاب الله لأنه هو الهادي إلى الطريق المستقيم.
nawy