الموجز
رئيس التحريرياسر بركات
الثلاثاء 2 يوليو 2024 01:17 مـ 26 ذو الحجة 1445 هـ
أهم الأخبار

مستغلا تزايد ظاهرة النينو وجفاف المحاصيل.. مخطط ترامب لـ ” تركيع العالم”

ترامب
ترامب
يبدو أن العالم سيعيش أزمة غذائية كبرى بسبب ظاهرة النينو المناخية التي أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة ، ومن ثم تقلص المحاصيل الزراعية، وعلى الرغم من عدم تأثر الولايات المتحدة بهذه الظاهرة ، ومع وجود توقعات متزايدة بوجود وفرة في المحاصيل بها ،قد تسهم بشكل كبير في حل مشكلة الغذاء، إلا أن دونالد ترامب قرر أن يقف متفرجا على الجياع في العالم وحظر تصدير المحاصيل الأمريكية عملا بسياية أمريكا أولا.
أكد تقرير صادم لموقع بلومبرج أنه مع استعداد العالم لاستقبال عام جديد ، والذي يصادف موسم الحصاد في أمريكا ، فإن رئيس الولايات المتحدة يواجه أزمة لم يبت فيها قبل عام ، وهي نقص الغذاء في كل مكان آخر بالعالم.
وأشار التقرير إلى أنه تم زرع البذور في أمريكا بعد ظاهرة النينو المتمثلة في الارتفاع الشديد للحرارة، على نحو غير متوقع، الأمر الذي تسبب في الجفاف على نطاق واسع ، ومن ثم أصبح هناك تقلص في انتاج الغذاء حول العالم، مما أدى إلى تعكير أنماط التجارة التي انهارت بالفعل،بسبب حرب الرسوم الجمركية، وأصبح الجوع متفشيا في أماكن كثيرة، الأمر الذي تسبب في زيادة عدد اللاجئين بشكل ملحوظ.
كل هذه الأمور حولت الانتباه إلى أمريكا الشمالية ، حيث إن غلة المحاصيل وافرة ومتوفرة بكثرة، وفي نفس الوقت فإن أمريكا في وضع يمكنها من المساعدة، وتساءل التقرير ماذا سيقرر ترامب ؟
وأشار التقرير إلى أن ظاهرة النينو سوف تتسبب في ارتفاع شديد في درجات الحرارة في العالم ، مما سيجعل عام 2019 هو الأكثر سخونة على الإطلاق، كما ستؤدى الاضطرابات التي سببتها أنماط الطقس إلى زيادة الفيضانات وحالات الجفاف ، وكذلك ستعمل على اشتعال الحرائق في الغابات، وكل ذلك سيكون سببا في تشريد الناس ، وإحداث نقص في الأغذية ، ومن ثم بدأ البحث على أسواق جيدة للطاقة والسلع الغذائية الأساسية.
وقال التقرير إن الحرائق الكبيرة التي شهدتها أستراليا تسببت في خسارة محاصيل القمح، كما تسببت الأمطار الغزيرة في خفض إنتاج الأرز عبر المحيط الهادئ ، من الهند إلى اليابان، وفي نفس الوقت تسبب نقص الأمطار التي عادة ما تقع فوق المناطق الزراعية في البرازيل في إفساح المجال أمام الجفاف، وتوقف إنتاج فول الصويا والذرة.
ولفت التقرير إلى أن المخزونات العالمية بدأت في التقلص، ولذلك سيتوجه المشترون إلى دول أمريكا الشمالية متمثلة في الولايات المتحدة، وكندا، ومنطقة البحر الأسود في روسيا وأوكرانيا ،حيث الحصاد في سلالتي الخبز الرئيسيتين سيكون متوفرا، بسبب عدم تأثر هذه المناطق بظاهرة النينو.
وأوضح التقرير أن عام 2018 شهد بوادر هذه الأزمة التي تسببت في اضطرابات في عدد من مناطق العالم، ففي روسيا وعلى الرغم من عدم شمولها بظاهرة النينو، إلا أن حالة الجفاف أثرت عليها نسبيا ، الأمر الذي أدى إلى فرض قيود على أسواق الحبوب المحلية في روسيا وأوكرانيا، وتزايد القلق العالمي بشأن ما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين سيحتفظ بالقمح ويمنعه عن الأسواق العالمية ، وهو ما قام به بالفعل بحجة أن الانتاج كان كافيا فقط للاستهلاك المحلي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض سعر الخبز محليا في روسيا ،بينما ارتفع في بقية العالم.
وإلى جانب العوامل الجوية هناك عوامل سياسية أدت وستؤدي إلى نقص انتاج القمح ، حيث أرسل بوتين سرا مزيدا من القوات إلى دونباس بشرق أوكرانيا، الأمر الذي أذكى الصراع داخل هذا البلد الذي يعد منافسا رئيسيا في تجارة القمح العالمية، وفي نفس الوقت قامت موسكو ببيع أنظمة للصواريخ إلى تركيا ، الأمر الذي زاد قلق الولايات المتحدة، وبدأ يحدث صدع في تحالف حلف شمال الأطلسي، لاسيما مع قيام الرئيس رجب طيب أردوغان، بقطع المزيد من العلاقات مع الغرب، وبدأ عملية بناء أسطول بحري في المضائق التركية وحولها ، وهي القناة الرئيسية للحبوب الأوكرانية إلى الشرق الأوسط وأفريقيا.
ورغم كل هذه الأزمات التي سببتها روسيا لسوق القمح والخبز العالميين، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشاد بحظر بوتين للتصدير خلال قمة عقدت في واشنطن، قائلا :"إن هذا القرار يظهر كيف أن الرئيس الروسي وضع شعبه في المقام الأول" ، على الرغم من أن هذا القرار إضافة إلى تقلص الانتاج العالمي ،تسبب في زيادة أسعار القمح، وزيادة التضخم بشكل يفوق معدلات التضخم التي حدثت عام 1974 بسبب الحظر التفطي العربي .
وقال التقرير إن معاناة نقص الغذاء أوشكت على أن تكون ظاهرة عالمية ، فمع تضاؤل التجارة العالمية وانخفاض احتياطي المحاصيل بشكل كبير ، أصبحت هناك أزمات حقيقية في بعض الدول، ففي الفلبين ،أدى عدم القدرة على شراء الأرز في السوق العالمية إلى أعمال شغب في مانيلا، تعامل معها الرئيس رودريجو دوتيرا بوحشية.
و تسببت الأزمة أيضا في اندفاع ملايين اللاجئين الجياع للهجرة نحو دول الاتحاد الأوروبي ،وعلقت تركيا صفقتها مع الاتحاد الأوروبي لاستقبال لاجئين مقابل مليارات اليورو ،في قمة طارئة ، كما شدد القادة الأوروبيون الرقابة على حدودهم الخارجية.
وفي ظل هذه الظروف قررت المملكة المتحدة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي دون صفقة في مارس الماضي ، وأصبحت موضع حسد من دول القارة ،لان خروجها يعني عدم التزامها بقضية اللاجئين ، وفي نفس الوقت قرر الشعبويون من فرنسا إلى التشيك حشد قواتهم للقضاء على المنطقة التي يتم التنقل فيها دون جوازات للسفر للمواطنين التابعين للاتحاد، وتحدثت إيطاليا أيضا بجدية أكبر عن الخروج من نفس المنظمة، لاسيما بعد فوز القوميون بالانتخابات ، وكلهم يؤيدون حراسة حدود بلادهم على نحو أقوى.
كما صدت استراليا موجة كبيرة من الاشخاص اللاجئين إليها عبر قوارب قادمة من آسيا، وأبعدتهم إلى أوطانهم مع إنشاء مراكز للاحتجاز خارج حدودها، وتخوفت اليابان من أن تكون وجهة لهؤلاء اللاجئين ، فقررت الاستفادة من فوائض الأرز الكبيرة لديها ، وأمدت المناطق التي تتعرض للجوع بهذا المحصول، وكذلك أبقت على عمليات نقلها الجوي لآلاف اللاجئين بسبب الجوع دون السماح لدخولهم أي بلد ، خوفا من تشجيع اكتنازهم حول حدودها.
أما الصين التي اعتمدت على إمدادات فول الصويا البرازيلية منذ منتصف عام 2018، فكانت متورطة في حرب تجارية متصاعدة مع الولايات المتحدة.
وفي سنغافورة ازدادت التوترات مع الدول المجاورة الفقيرة متمثلة في ماليزيا وأندونيسيا، وبينما تستطيع الدولة الغنية بالجزر ،تحمل ارتفاع أسعار الغذاء ،فإنها تواجه خطر أن تتوقف شحناتها من إمدادات المياه من ماليزيا.
ومع كل هذه الأزمات التي يواجهها العالم بسبب ظاهرة النينو وعوامل أخرى، فإن نفس الظاهرة تسببت في أمطار أدت إلى وجود حصاد قياسي من الحبوب شمال الولايات المتحدة، وحزام الذرة الكندي المزدهر.
ويبدو أن الرئيس الأمريكي سيركز في القترة المقبلة على قضية الغذاء ، حيث أبدى اهتمامه بالزراعة حين صرخ بأعلى صوته في تجمع صاخب في دي موين بولاية أيوا قبل عام واحد من محاولة إعادة انتخابه قائلا :" إن مزارعي أمريكا هم الأعظم في العالم" .
كل هذه الأمور أعطت الأمل للمنتجين الأمريكيين الذين كانوا يجلسون بالفعل على مخزونات فول الصويا الضخمة ، ويتجهون إلى امتلاك فائض قياسي في الذرة، ويستعدون لموسم حصاد وفير ، حيث كانوا يستعدون لاستئناف دورهم المتوقع منذ فترة طويلة كبائعين ،يتوجه إليهم المحتاجون كملاذ أخير،لكن العديد من الدول المدمرة لم تستطع دفع الأسعار العالمية المرتفعة.
وفي نفس الوقت كان التضخم يأكل في الاقتصاد الأمريكي حيث تدفقت أسعار الغذاء العالمية المرتفعة إلى رفوف البقالة، واعتبر العديد من المستهلكين في الولايات المتحدة ، وخاصة أنصار ترامب أن محصولهم كنزا وطنيا مخصصا للمعدة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن المزاعين الأمريكيين كانو يتطلعون إلى عوائد التصدير، وإيراداته القياسية، إلا أن نداء ترامب للوطنية والدعوة إلى سياسة أمريكا أولا حتى في الغذاء أبعدتهم عن المجالبة بالكثير .
ورأى التقرير أن لدى ترامب القدرة على فتح الأسواق وإطعام العالم، أو على الأقل بإمكانه أن يساعد أمما بعينها، لكن قراره جاء بالالغاء النهائي لتصدير المحاصيل الأمريكية، من خلال تغريدة قال فيها :" إن أمننا الوطني على المحك، سوف أوقع على أمر تنفيذي ، وضع أمريكا في الغذاء يحتم الابقاء على الحصاد المحلي" .
لكن ما لم يغرد به ترامب حتى اليوم وفقا للتقرير، أن هذا الحظر للتصدير، صاحبه قرار بحزمة مساعدات للمزارعين الأمريكيين بقيمة 50 مليار دولار في العام الجديد ، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما حصلوا عليه في عام 2018، في وقت أصبح فيه العجز الفيدرالي يكسر الأرقام القياسية بالفعل، وهذا يعني أن المزارعين الأمريكيين هم الرابحون ودافعي الضرائب هم الخاسرون.
nawy