علي جمعة يشرح خطوات تجديد الإيمان
أوضح الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق؛ أن المسلم يستطيع أن يبدأ كل يوم عاماً جديداً، ولقد رأينا الشرع وهو يدعو دائما إلى التجديد فيقول رَسُولُ اللهِ ﷺ: «جَدِّدُوا إِيْمَانَكُمْ»، قِيل: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَال: «أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» (أحمد).
وأشار المفتي السابق عبر صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ أن الرغبة في التجديد نجدها دائماً في ثنايا الأوامر الإلهية في مثل قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ﴾،والشرع يقول لنا دائماً هيا نبدأ من جديد، وهو أمر يتناسب مع الضعف البشري، وفي الحديث: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (الترمذي)، فكثرة التوبة تتناسب مع كثرة الخطأ، وخُلِق الإنسان ضعيفاً.
ويساعد على فكرة التجديد هذه المحطات التي يغفر الله لنا ما بينها، ففي الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَقُول: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» (مسلم).
وأوضح أن أهل الله من المسلمين أرشدونا في طريق سلوكهم إلى رب العالمين إلى برنامج، ويتمثل ذلك في أربعة عناصر وهي: قلة الطعام، وقلة الكلام، وقلة المنام، وقلة الأنام.
أما قلة الطعام: فالنبي ﷺ يقول: «حسبُ ابن آدم لقيمات يُقِمْنَ صُلْبَه» (الترمذي)، وكان ﷺ يصوم يومي الاثنين والخميس، وكان يصوم ثلاثة أيام من وسط الشهر؛ الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وكان يصوم يوم عاشوراء وهو العاشر من المحرم، وكان يصوم الست من الشوال، ويصوم الأيام التسع الأوائل من ذي الحجة، وفي بعض الأحيان كان يصوم السبت والأحد، وفي بعض الأحيان كان يصوم شهر المحرم كله أو شهر شعبان كله كما ورد في الحديث، ومن جمع بين هذه الصوائم كلها وجد وكأنه يصوم نصف السنة خلا رمضان، وكان يقول: «أَعْدَلُ الصِّيَامِ عِنْدَ اللهِ هُوَ صِيَامُ دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» (البخاري).
وقلة الكلام، فقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن كثرة الكلام فنهانا عن اللغو، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ وقال: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾، وفي حديث معاذ وهو يسأل للنبي ﷺ: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِى النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ!» (الترمذي)، وكان يقول: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْدًا فِي الدُّنْيَا، وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ، فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلَقَّى الْحِكْمَةَ» (ابن ماجه)، ومدح الله سبحانه وتعالى هذا الصنف من الناس، فقال: ﴿وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ وكان ﷺ يقول: «مَنْ يَضْمَن لِي ما بين رجليه وما بين لَحْيَيه (أي فكَّيْه) أَضْمَن له الجنة» (البخاري).
وتابع ولو أن الناس وضعوا هذا في برنامجهم اليومي لتغير وجه الاجتماع البشري من الصدام إلى الوفاق ومن القسوة إلى الرحمة ومن العنف إلى الود.
أما قلة المنام: فهي علامة على كثرة العمل، ونراها في الإرشادات الإلهية، حيث يقول لنبيه: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ وفي مثل قوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُّحْمُودًا﴾ وفي مثل قوله ﷺ: «أفَلاَ أكُونُ عَبْداً شَكُوراً!» (البخاري)، وتدريب الجسد على قلة المنام أمر يحتاج إلى أناة وصبر ومعالجة بالحكمة حتى لا يصاب الإنسان بأي ضرر؛ فإن الْمُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
أما قلة الأنام: فنُظِّمَتْ في الدين بالاعتكاف، قال تعالى مخاطباً إبراهيم وإسماعيل: ﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ ، ثم أيد الإسلام ذلك فكان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وجاءه الوحي وهو معتكف في غار حراء حيث كان يتعبد الليالي ذواتِ العدد بعيداً عن الناس، وهذا يتيح للإنسان فرصة لمراجعة النفس والتأمل في كيفية الخروج من العيوب وأخذ قرارات لتعديل السلوك وتغييره.