فتش عن «الكوكايين».. سر هجوم «العندليب» على سيد درويش ووصف ألحانه بـ”المتخلفة»
في ستينيات القرن الماضي، انتقد الفنان عبد الحليم حافظ فنان الشعب سيد درويش انتقادًا لاذعًا، ما تسبب في تعرض العندليب لهجوم كثيرين، خاصة أن «درويش» كان قد توفى تاركاً ورائه رصيداً كبيراً لدى المصريين.
وكان الكاتب أحمد حمروش قد وجه نقده إلى الفنان عبد الحليم حافظ، قائلاً: «الأسلوب الذي اختاره عبدالحليم كان بعيداً عن التوفيق، وهو يتنافى تماماً مع الصورة التي يرسمها الناس للمطرب الوديع الذي يستثير عواطفهم بشخصيته الهادئة، والتي لا تستطيع أن تجرح أو تسيل الدماء، إنه يطلق كلمات قاسية فيها هجوم شخصي بعيد عن الموضوعية على فنان كبير لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، لأنه توفى منذ عشرات السنين».
كتب حمروش نقده ضد عبد الحليم في 20 يونيو 1960 بجريدة الجمهورية، وكان ذلك رداً على مقال كتبه الناقد الفني راجي عنايت قبله بيومين بالجريدة نفسها في باب «أفكار» تحت عنوان «رأي غريب» جاء فيه نصاً: «قال عبد الحليم حافظ، اكتب على لساني، سيد درويش أسطورة كاذبة، موسيقاه كانت شيئاً في زمنه، أما الآن فموسيقانا التي نقدمها تفوق موسيقاه بمراحل عديدة».
كانت مناسبة هذا الكلام حسب ما يذكره الدكتور نبيل حنفي محمود في كتابه «معارك فنية» ما قيل من أن محمد البحر درويش، ابن سيد درويش، سيرفع قضية على الموسيقار محمد عبد الوهاب، لأنه صرح لأحد الصحفيين بأن الكوكايين قضى على سيد درويش فدخل عبد الحليم حديثه مدافعاً عن تصريح عبد الوهاب.
غير أن عبدالحليم قال لـ«عنايت» إنه درس هذه الحقيقة «الكوكايين» في معهد الموسيقى، وأن دفتر محاضراته يضم محاضرة عن سيد درويش ورد ضمنها أن المخدرات قضت عليه.
ثم استطرد فجأة قائلاً رأيه في موسيقى سيد درويش، مصراً على اعتبارها موسيقى متخلفة إلى ما نسمعه من أغاني هذه الأيام، وعلق «عنايت» قائلاً: «اختلف مع عبد الحليم اختلافاً تاماً فالذي أصبح عتيقاً عند سيد درويش قد يكون التوزيع الموسيقى أو حتى كلمات بعض الأغاني، أما موسيقاه فجوهرها ما زال متطوراً في معظم ما نسمعه هذه الأيام، وهمسة في أذن عبد الحليم: اسأل كمال الطويل على أي أرض تقف موسيقى حكاية شعب».
معركة كبيرة
أشعل مقال عنايت دوياً في الوسط الفني حسب تعبير نبيل حنفي محمود، وبدأت معركة كبيرة بسببه، وكان مقال حمروش أول الردود القوية، وطرح فيه تساؤلات عدة: ما الذي دفع عبد الحليم أإلى إلقاء هذه الكلمات الجارحة؟، وما الذي يستفيده من التشهير بالحياة الخاصة لفنان كبير راحل؟، هل ينكر عبد الحليم أن سيد درويش قد نبعت موسيقاه من حياة شعبنا، وأنه عبر بها عن العواطف والانفعالات التي تدور في القلوب؟.
وأضاف حمروش: كان أجدر بعبد الحليم أن يطالب بإعادة توزيع موسيقى سيد درويش لتناسب العصر، وتساير نهضتنا الموسيقية الحاضرة، وتكشف ما فيها من لمحات بارعة، وكان أجدر به أيضاً أن يحترم ذكرى الفنان الذي عاشت موسيقاه عشرات السنين لا يهيل عليها التراب، وإنما يحاول أن يظهر ما فيها من حسنات، حتى لا يبدو عبد الحليم بمظهر الفنان الذي لا يحترم غيره من الفنانين.
ردان متناقضان
تواصلت المعركة، مما دفع عبد الحليم على الرد، والمفارقة أنه حمل ردين متناقضين، أحدهما في «الجمهورية» في باب «أحاديث الأسبوع»، وقال فيه «كيف يتهمونني بالحقد على سيد درويش، وهل أنا ملحن حتى أحقد عليه؟، هل عشت في عصر سيد درويش ورفض أن يعترف بي؟، هل كانت حياته ناعمة سهلة تثير الحقد؟، عن حياته مأساة طويلة تستحق العطف والرثاء والبكاء».
وأضاف: «سيد درويش هو الذي وضع الأساس للموسيقى المصرية الصحيحة، بعد أن كانت مجرد موشحات تركية».
وجاء الرد الثاني في مقال لجليل البنداري في «أخبار اليوم»: «سيد درويش اخترع الشموع، وعبد الوهاب اخترع الكهرباء»، موضحاً أن موسيقاه أصبحت قديمة قدم المصباح الي يعمل بالزيت، إذا ما قورنت بموسيقى محمد عبد الوهبا التي تشبه مصباح الكهرباء، وعاد ليؤكد مسألة المخدرات التي تحدث عنها من قبل.
ظلت المعركة مشتعلة، ودخلت أطراف عديدة، حيث كتب فيها إحسان عبد القدوس، وتحدث الموسيقار بليغ حمدي، والموسيقار محمود الشريف، والشاعر عبدالمنعم السباعي، والإذاعي محمد حسن الشجاعي، حتى اختفت أخبارها في صيف 1960 وكأنها لم تكن.