الموجز
رئيس التحريرياسر بركات
السبت 6 يوليو 2024 01:31 صـ 29 ذو الحجة 1445 هـ
أهم الأخبار

دراسة علمية: الطاقة النووية مكون رئيسي من مزيج الطاقة الصديق للبيئة‏

 محمد السبكي، أستاذ هندسة تخطيط الطاقة بكلية الهندسة جامعة القاهرة
محمد السبكي، أستاذ هندسة تخطيط الطاقة بكلية الهندسة جامعة القاهرة
بعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP23) وتوقيع قادة العالم على اتفاقية باريس للتغير المُناخي عام 2015، انصب تركيز الدول على مناقشة التفاصيل والاجراءات العملية لتنفيذ بنود هذه الاتفاقية في كل دولة على حِدة، مع قيام دول العالم مُجتمِعة بمناقشة الموضوعات المرتبطة بالتحول إلى الاقتصاد منخفض الكربون والسعي لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة في الوقت نفسه. وهناك حقيقة واضحة تؤكدها هذه الاتفاقية العالمية تتمثل في ضرورة التوصل لمزيج من الطاقة يلائم التعديلات الجديدة في شكل الإنتاج والاقتصاد، بحيث يُشكّل هذا المزيج أساساً متيناً لاقتصاد المستقبل، شريطة ألا يعتمد على البترول والغاز الطبيعي في عمليات التشغيل المعتادة. ويبرز هنا سؤال منطقي عن ماهية مزيج الطاقة الجديد الذي يجب أن يتسم بالاستدامة في توفير احتياجات البشر المتزايدة من الطاقة، مع الحفاظ على البيئة في نفس الوقت.
وبينما تبدو مصادر الطاقة المتجددة بديلاً طبيعياً للوقود الهيدروكربوني، إلا أنّ معظم تعريفات مصادر الطاقة التي يمكن أن نطلق عليها متجددة تركز على كل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي والطاقة المائية باعتبارها مصادر الطاقة المتجددة الوحيدة، بينما تُهمل هذه التعريفات أو تقلل من شأن الطاقة النووية كمصدر خامس ورئيسي ضمن مزيج الطاقة المستقبلي. ويرى معظم خبراء الطاقة أنّ هذه النظرة للطاقة النووية هي نظرة غير عادلة ومضرة بالجهود الرامية للتحول إلى الاقتصاد منخفض الكربون ومكافحة التغير المناخي. إنّ تحقيق هذين الهدفين الحيويين يجعل من الضروري أن تتكامل الطاقة النووية مع باقي مصادر الطاقة المتجددة، بدلاً من أن يتنافسوا معاً.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور ياسين إبراهيم، الرئيس الأسبق لهيئة المحطات النووية في مصر بأنّ هناك العديد من التساؤلات والأقاويل والأفكار المغلوطة التي تثار في الشارع المصري بقصد أو بدون قصد حول الأضرار والمخاطر الهائلة لاستخدام الطاقة النووية. وتزداد حدة هذه الادعاءات مع علم المصريين بأنّ مصر تمتلك مقومات الطاقة المتجددة خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ولكن المُروّجين لتلك المقولات سكتوا عن باقي الحقيقة المرتبطة بخصائص الاستهلاك الكهربي والحاجة الي توافر مصدر كهربي مستدام علي مدار الساعة، بحيث تزيد قيمته عن 50% من قيمة الأحمال القصوى، وهو ما لا يتوافر في مصادر الطاقات المتجددة. إنّ استمرارية الرياح على مدار اليوم وحتى على مدار السنة او عشرات السنوات ليست منتظمة، وهناك فترات سكون. فما هو البديل لتلك المصادر؟ ليس هناك تعارض أو تنافس بين مصادر الطاقة المختلفة ولكن هناك تكامل. ونستطيع تحقيق الاستفادة القصوى من مزيج الطاقة بالتكلفة الاقتصادية المناسبة، ولكن هناك حاجة ماسة لتوضيح ونشر تلك الحقائق بشفافية تامة ودون صراع وهو ما يؤكد الحاجة إلي خطاب إعلامي عاقل وواعي.
وتؤكد البيانات والدراسات الفعلية حقيقة هامة، وهي أنّ الطاقة النووية يجب أن تكون جزءا رئيسياً من مزيج الطاقة في المستقبل، حيث أنها تستطيع تأمين احتياجات البشر المتزايدة من الطاقة الكهربائية دون الاعتماد على الوقود الهيدروكربوني (البترول والغاز الطبيعي). ففي الورقة العلمية Burden of Proof التي أعدتها مجموعة من الباحثين الأستراليين تحت قيادة الخبير العالمي/بن هيرد-المدير التنفيذي لمركز أبحاث Bright New World المتخصص في دراسات التغير المناخي، تم رصد 28 سيناريو عالمي مختلف لاستهلاك الطاقة في المستقبل، مع تحديد مستويات أداء بدائل الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية في توفير الطاقة طبقاً لكل سيناريو من هذه السيناريوهات.
وقد أسفرت هذه الدراسة العالمية عن نتائج مثيرة، حيث أشارت أنّه في ظل السيناريوهات الـ 28 التي تم تحليلها، تم رصد نموذجين فقط تمكنت خلالهما الطاقة المتجددة من توفير الحمل الأساسي لفترة لم تتجاوز ساعة. والمقصود هنا بالحمل الأساسي هو الطاقة الحرجة المطلوبة لتشغيل أي نظام اقتصادي. تجدر الإشارة أنّ النموذجين المشار إليهما لم يأخذا في الاعتبار الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية على مستوى العالم. إنّ خلاصة هذا التقرير العالمي الهام تشير إلى أنّ مصادر الطاقة المتجددة-على الأقل في المستقبل المنظور- غير قادرة حتى على المستوى النظري من أن تصبح أساساً لمزيج الطاقة في أي اقتصاد.
وهنا لم يتبقى لنا سوى الطاقة النووية، والتي تظل قادرة على إنتاج كهرباء نظيفة ومستقرة ويمكن الاعتماد عليها بغض النظر عن ظروف الطقس أو أي ظروف خارجية متطرفة، وهو ما يجعل منها البديل الوحيد الهام والمُجدي اقتصادياً للوقود الهيدروكربوني في توفير الحمل الأساسي من الطاقة لتلبية احتياجات البشرية مستقبلاً. ففي المملكة المتحدة، أشارت تقديرات National Grid، الشبكة الرئيسية للكهرباء في البلاد، أنّه لكي تحقق البلاد هدف الـ 2 درجة مئوية الذي حددته اتفاقية باريس للتغير المناخي، يجب على المملكة المتحدة إضافة 14.5 جيجاوات من الكهرباء عن طريق إقامة محطات جديدة للطاقة النووية في البلاد بحلول عام 2035، ليصبح هذا السيناريو هو السيناريو الوحيد المتاح لتحقيق هدف خفض الانبعاثات الكربونية.
وهناك حالة أخرى يمكن الإشارة إليها في ألمانيا. فنتيجة لرفض البلاد للطاقة النووية كجزء من سياسة Energiewende، كلف هذا القرار الاقتصاد الألماني ودافعي الضرائب أكثر من 200 مليار دولار أمريكي ذهبت في دعم مصادر الطاقة المتجددة. ومع كل ذلك، تمت مضاعفة أسعار فواتير الكهرباء، وفشلت ألمانيا في تقليل الانبعاثات الكربونية. وفي هذا الإطار، يقول الدكتور/محمد منير مجاهد، المستشار الفني المستقل لتطبيقات الطاقة النووية: "يمكن لمصادر الطاقة المتجددة لعب دور هام في مزيج الطاقة بأي دولة من الدول، بل ويمكنها تقليل الانبعاثات الكربونية الضارة على البيئة والناتجة عن الوقود الهيدروكربوني (البترول والغاز الطبيعي والفحم)، ولكنها مع ذلك لا تُعد مصادر يمكن الاعتماد عليها بدلاً من الوقود الهيدروكربوني أو الطاقة النووية، وهي المصادر التي توفر الطاقة الكهربائية على مدار اليوم دون انقطاع. بالإضافة لذلك، هناك العديد من المشكلات المرتبطة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، منها مشكلات مرتبطة بطبيعة المصدر نفسه، ومشكلات مرتبطة بالحلول التكنولوجية، ومشكلات اقتصادية مرتبطة بتكاليف نظم الطاقة المتجددة. ونتيجة لذلك، يصبح البديل للطاقة النووية ليس بديلاً متجدداً، ولكنه عودة للوقود الهيدروكربوني المتمثل في الفحم، وهو ما حدث في ألمانيا بالتحديد، فبدلاً من تقليل الانبعاثات الكربونية بعد تطبيق هذه الحزمة من السياسات الجديدة، فإنّ الانبعاثات الكربونية مازالت آخذة في الازدياد"
ليس هذا فقط، ولكن أثبتت التجارب العملية أنّ الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تتمكن من الصمود أمام الكوارث المؤدية لسقوط شبكة الكهرباء عند بلوغ الطلب ذروته. ففي يناير الماضي على سبيل المثال، أدت السحب الكثيفة والضباب لتوقف محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في ألمانيا بشكل تام. ولتعويض هذا الفاقد في توليد الطاقة، تم زيادة استخدام الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية، حيث واصلت المحطات النووية المتبقية في البلاد عملها بكامل طاقتها للمحافظة على استمرار تشغيل المنشآت الاقتصادية في ألمانيا.
وبالنظر لاقتصاديات الطاقة المستدامة، نجد أنّ هذه العملية من المبادلات بين مصادر الطاقة المختلفة هو أمر غير ضروري ومحبط. فبدلاً من المقارنة والتنافس بين الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة، يمكن لدول العالم الاستفادة بشكل كبير من الطاقة النووية وقبولها كجزء رئيسي لمزيج الطاقة والقاعدة الأساسية للاقتصاد منخفض الكربون في المستقبل، مع استخدام الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة لإيجاد مزيج طاقة يتسم بالاستدامة الفعلية. ويشدد الأستاذ الدكتور محمد السبكي، أستاذ هندسة تخطيط الطاقة بكلية الهندسة جامعة القاهرة على أهمية ايجاد مزيج الطاقة المثالي من مصادر متعددة، إذ1كنا نبحث عن الاستدامة والاتاحة. إنّ الهدف ليس التنويع في حد ذاته ولكن استدامة مصادر الطاقة هو أهم ما يعنينا في تلك المعادلة.
nawy