المجلس الملي.. الصراع القادم بين البابا والعلمانيين علي جثة أبناء يسوع

الموجز
أزمة حادة تعيشها الكنيسة الأرثوذكسية ايضا بعد المطالبات العديدة في الفترة الأخيرة باستقلال "المجلس الملي" وإخراجه من قبضة الكنيسة واعتباره كجبهة معارضة للاقباط وجهة رقابية علي البابا والكنيسة معا فضلا عن ضرورة سرعة إجراء الانتخابات به لاختيار أعضائه خصوصا أن مدة عمله انتهت في شهراً إبريل من العام قبل الماضي, مؤكدين أن المجلس خضع خلال العقود الماضية لسيطرة البابا سواء الراحل أوالحالي لتوجيهه بما يخدم مصالحه الشخصية بعيدا عن شعب الكنيسة.
من جانبه قال كمال زاخر مؤسس التيار العلماني: سبق وتقدم التيار للبابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بمشروع لتعديل بنود لائحة المجلس الملي، في أربعة فصول يطالب الرابع منها بتحديد مهام المجلس الملي من خلال اشتراك المجلس العلماني العام مع المجمع المقدس في إدارة الكنيسة، وتنظيمها بشكل عام، علي أن يشرف المجلس الملي علي أوقاف الكنيسة وممتلكاتها ويحصر إيرادات الكنيسة ومصروفاتها، فضلاً عن الإشراف علي التعليم في مدارس الآحاد والمعاهد القبطية.
وأضاف المشروع تضمن إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية بما يراعي ظروف المسيحيين حالياً، والمطالبة بإنشاء مجلس يتولي أمور الكنيسة يتكون من المجلس الملي، إضافة إلي مجلس الرهبان يسمي المؤتمر العام للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وأوضح زاخر أن الكنيسة حتي الآن لم ترد علي العلمانيين في هذا الشأن سواء بقبول المشروع أو رفضه.
وتابع حديثه: نهدف إلي توسيع مشاركة العلمانيين بشكل فعلي في الكنيسة بما لا يخالف التقليد والقانون الكنسي لافتاً إلي أن القانون السابق للمجلس الملي تم تفريغه من صلاحياته بأمر من الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر مؤكداً أن التعديلات الجديدة سوف تعيد للمجلس اختصاصاته وصلاحياته بشكل أكبر.
وفي نفس السياق طالب الدكتور ميشيل فهمي المفكر القبطي الكنيسة بتغيير اسم "المجلس الملي" لكونه يحمل تمييزاً طائفياً لا يتناسب مع طبيعة العصر الحالي.
وقال الاسم الحالي كان يستمد من كلمة "الملة " أو "الطائفة" وهذا المصطلح لا يليق بالقرن العشرين ويفضل تغييره إلي "المجلس الاستشاري للبابا أو للاقباط الأرثوذكس والذي يضم مجموعة من العلمانيين في كافة التخصصات ويكون بمثابة الذراع السياسية والإدارية للكنيسة لكي يساعد البابا في إدارة الشئون الداخلية والخارجية ويجعل البابا والأساقفه يتفرغون لمهامهم الاصلية في خدمة الكهنوت.
وأوضح فهمي ان المجلس الملي الحالي لا يحمل أي صفة قانونية خصوصا أن مدته الفعلية انتهت قبل رحيل البابا شنودة الثالث ولم يتم الدعوة لاجراء انتخابات لتجديده سواء في عهد البابا الراحل نظراً لمرضه واضطراب الاوضاع داخل الدولة في ذلك الوقت أو في عهد البابا تواضروس الحالي وبالتالي فهو لا يحمل أي شرعية علي حد قوله.
وأشار إلي أنه يجب إجراء بعض التعديلات علي لائحة المجلس بأن يكون نصف الاعضاء بالانتخاب والنصف الآخر بالتعيين ليكمل بعضهم بعضا.
وقال لا مانع من الاستعانة ببعض النماذج الشابة الناجحة داخل المجلس لتجديد دمائه ويفضل ان يكون المجلس مستقلا عن الكنيسة لكي يقوم بدور رقابي علي البابا والكنيسة في النواحي المالية والادارية علي أن يترك الامور الدينية للاكليروس.
وتوقع فهمي رفض كثير من الاقباط منح المجلس دوراً رقابياً تجاه البابا والكنيسة بدعوي أنه لا يجوز محاسبتهم.
ووصف نادر الصيرفي المتحدث باسم رابطة "أقباط 38" المجلس الملي في عهد البابا شنودة الثالث بالـ "برفان" الذي ينفذ أوامر البابا الراحل.
وقال: "كثير من الاقباط كانوا يرفضون هذا الدور الصوري للمجلس ويطالبون بتفعيله ككيان مستقل عن البابا وجبهة للمعارضة داخل الكنيسة يتمتع بصلاحيات واختصاصات واسعة للعلمانيين للمشاركة في صنع القرار داخل الكنيسة".
وأوضح الصيرفي أن إنشاء المجلس في بدايته كان يهدف لتحقيق توازن بين الأكليروس "رجال الدين" والعلمانيين داخل الكنيسة ولكن سيطرة البابا عليه أحدثت خللا في هذا التوازن علي حد قوله.
وأضاف: النظام الكنسي منذ الرسل الأولي يتكون من الاكليروس والعلمانيين ولكن مع مرور الوقت قام الأول باغتصاب إختصاصات العلمانيين وظهر ذلك من خلال تعديل لائحة "38" في عام 2008 والتي فرضها البابا شنودة علي أعضاء المجلس الملي في ذلك الوقت ولم يستطع احد رفضها رغم اعتراض غالبية اعضاء المجلس عليها.
وأضاف أن بعض المستشارين القانونيين في المجلس صرحوا في أكثر من مناسبة أن البابا شنودة الراحل استأثر بالقرار منفردا دون الرجوع اليهم.
مؤكدا أن المجلس الحالي لا يحمل أي شرعية فعلية وان دوره معطل لكونه يخضع لسيطرة البابا كما أنه من حق العلمانيين في هذا المجلس مراقبة رجال الدين داخل الكنيسة.
وطالب الصيرفي بتعديل لائحة المجلس من خلال وضع بنود جديدة تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة واختيار أعضاء يعبرون عن رؤيتهم الخاصة بعيدا عن تدخل الكنيسة أو سيطرة الاكليروس.
ورفض الصيرفي منح المجلس أي دور سياسي قائلا: "المجلس ليس له شرعية سياسية ولا يدخل في نطاق اختصاصاته العمل السياسي".
وأشار يوسف سيدهم عضو المجلس الملي إلي أن المجلس مازال قائما ويمارس مهامه داخل لجانه الفرعية نافيا وصف البعض له بأنه غير شرعي أو معطل بدعوي أنه قضي مدته القانونية وهي 6 سنوات.
وقال سيدهم لائحة المجلس تنص علي أن في حالة عدم انتخاب مجلس جديد يظل المجلس السابق في تسيير الأعمال إلي أن ينتخب المجلس الجديد وذلك بالتنسيق بين البابا ووزير الداخلية، لذلك فالمجلس الحالي قائم ومستمر في عمله لحين انتخاب المجلس الجديد.
وأضاف: لا أتوقع أن يتم إجراء انتخابات للمجلس الملي خلال البضعة أشهر المقبلة نتيجة للانشغال بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعدم تفتيت جهود الشعب القبطي في أكثر من اتجاه علي حد قوله.
وأوضح سيدهم أن المجلس الملي أنشئ عام 1856 بقرار من الخديو إسماعيل بهدف معاونة البطريرك من خلال مجموعة من اللجان في إدارة شئون الكنيسة الإدارية والمالية ويتكون من 24 عضواً برئاسة البابا رافضاً وصف البعض له بأنه يمثل "برلمان الاقباط" أو ممثل الأقباط لدي الدولة .
وقال لائحة المجلس الحالي لم يرد بداخلها أي دور أو حديث عن العمل السياسي؛ لأن ذلك سوف يجعل من المجلس حزباً سياسياً يعبر عن الطائفية أو أنه مجتمع كنسي وهذا مرفوض .
ووصف سيدهم إجراء أي تعديل يتضمن إضافة دور سياسي للمجلس الملي لينوب عن الاقباط في العمل السياسي بأنه بمثابة "انتحار سياسي" ؛لأنه يفصل الاقباط عن المجتمع.
وبسؤاله عن تجاهل المجلس لبعض الاحداث والقضايا التي تشغل الأقباط مثل حادثة الشهداء السبعة في ليبيا والاعتداء علي الكنائس عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة قال سيدهم: "اعضاء المجلس الملي يتعاملون مع هذه القضايا بنوع من الحذر لتجنب إصباغ المجلس بأي دور سياسي كما أننا نعتبر أن أي تصريح أو بيان للبابا تواضروس تجاه هذه الاحداث يعبر عن المجلس باعتباره رئيسه".
أما عن دور المجلس في حل أزمة لائحة "38" في قانون الاحوال الشخصية للاقباط قال سيدهم: "الكنيسة لاترضي عن لائحة 38 لكونها تتنافي مع تعاليم الكتاب المقدس وعلي مدار الاربعين عاما الماضية جاهدت الكنيسة لتعديل اللائحة وإرسالها لمجلس الشعب خلال الحكومات المتعاقبة لاصدار قانون يعتمد عليه القضاة في قضايا الاحوال الشخصية ولكنها فشلت وعندما قام البابا شنودة في 2008 بإجراء تعديل علي اللائحة كانت المرة الثالثة ووقتها كانت مهمة المجلس هي بحث الاجراءات القانونية والادارية لتمرير القانون والتعديلات التي يقوم بها المجمع المقدس بما يتوافق مع تعاليم الكتاب المقدس".
كما أعرب سيدهم عن تضامنه مع مطالبة بعض النشطاء الاقباط بالمشاركة في صناعة القرار داخل المجالس الكنسية ومنها المجلس الملي واصفاً الأمر بأنه ظاهرة "صحية " تتوافق مع التغيرات التي شهدها المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير.
وقال إن مشاركة الشباب في انتخابات المجلس الملي يتطلب إجراء تعديل بتخفيض الحد الأدني للعضوية لتمكين الشباب من المشاركة.
وأوضح سيدهم أن لائحة انتخاب المجلس الملي تحتاج إلي بعض التعديلات التي تتشابه مع بعض التعديلات التي تضمنتها لائحة انتخاب البابا ومنها توسيع قاعدة الناخبين.
جدير بالذكر، أن المجلس الملي ظهر إلي الوجود علي يد بطرس باشا غالي سنة 1874، بعدما حصل علي موافقة صديقه الخديو إسماعيل حاكم البلاد وقتذاك، وأعطيت صلاحيات للمجلس فيما يخص الشئون الإدارية فقط علي ألا يتدخل في الأمور الكهنوتية، أو أعمال المجمع المقدس، إلا أن المجلس الملي اكتسب مساحة من النفوذ عام 1956 عندما اتفق أعضاء المجلس مع أعضاء المجمع المقدس علي تعيين لجنة أسقفية للقيام بأعمال البابا يوساب الثاني بعد عزله، إلا أن البابا شنودة قلص صلاحيات المجلس الملي عقب توليه البابوية.
تم نسخ الرابط