أولمبياد طوكيو.. ”المنشطات” الإغراء والإغواء القديم والدائم بلا نهاية
جرعات من الفطر وخصي الكلب وأنظمة غذائية خاصة ، كل شيء مباح عندما تكون النتيجة تحقيق الانتصارات لأن دورات الألعاب الأولمبية القديمة منحت الشهرة والأفضلية لهؤلاء الفائزين.
ومن حيث الجوهر، لم يتغير الكثير حتى هذا اليوم.
وفي مملكة الرياضة الأولمبية ، يصر كثيرون على أن الفائز بالسباق هو تعبير عن أفضل البشر، وذلك ترجمة لمقولة "العقل السليم في الجسم السليم".
ولكن كثيرا ما جانب الصواب هذه المقولة. والحقيقة أن الرياضيين سعوا إلى تحقيق المجد في الدورات ببذل كل ما بوسعهم، حتى وإن اعتمد بعضهم على وسائل غير مشروعة مثل تعاطي المنشطات.
وفي تصريحات لصحيفة "هيرالد تريبيون" قبل سنوات ، قال أولريش سين ، الأستاذ في علم الأثريات القديمة بجامعة فورتسبورج الألمانية ، "كانت هناك أساطير حول رياضيين ربما يأكلون بقرة كاملة".
ودون اللجوء إلى الكرياتين ، أدرك الرياضيون القدماء أن النظام الغذائي الغني باللحوم يضاعف من البناء العضلي والقوة.
وبعد نحو 2800 عام من أول دورة ألعاب قديمة تعرفنا عليها ، ما زالت الأمور كما هي في جوهرها وما زالت إغراءات المجد والشهرة هائلة أمام الكثيرين.
وما زال معظم الرياضيين يرغبون في الشهرة والمجد لأن ذلك ، في جزء منه ، هو ما ينتظر منهم تحقيقه. وبالنسبة لكثيرين، يكون التفوق الهائل مثل الاخفاق، لأن المطلوب منهم دوما هو أن يكونوا الأفضل.
وأصبحت المنشطات في رياضة المحترفين تعبيرا عن المجتمع المعاصر وفي ظل وجود صالات جمانيزيوم مليئة بالشبان الذين قد يتناولون أي مواد تضمن لهم بناء عضليا قويا، وبالتالي تضمن لهم النجاح على المستوى الاجتماعي.
وفي ظل الفوارق الكبيرة التي يصنعها المجتمع بين الفائز والخاسر ، صار الهدف لدى كل رياضي تحقيق الفوز بأي تكلفة ، ولكن الرياضة تصر دائما على المنافسة الشريفة.
وأصبح هذا الصراع بين الجبهتين أطول سباق على مدار التاريخ ، فهو سباق بلا نهاية.
وظهرت أول حالة موثقة للمنشطات في عام 1886 عندما توفي دراج بريطاني في سباق باريس بوردو بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المنشطات.
وجاءت وفاة دراج بريطاني آخر هو تومي سيمبسون خلال مشاركته في سباق فرنسا الدولي (تور دو فرانس) الذي بثه التلفزيون ، في عام 1967 ليدفع اللجنة الأولمبية الدولية إلى إدراك ضرورة اتخاذ إجراءات إزاء هذه المشكلة.
وكان أولمبياد 1968 بالمكسيك هو أول دورة أولمبية تشهد تنفيذ اختبارات للكشف عن المنشطات ، ومنذ ذلك الحين لم تهدأ الحرب بشأن المنشطات حيث اختار البعض العمل على تحديث وتطوير هذه الطرق والمواد المنشطة والمحفزة للأداء ، في حين يعمل آخرون على تطوير أنظمة الكشف عنها تمهيدا لانزال العقاب.
وفجر العداء الكندي بن جونسون أكبر فضيحة منشطات في تاريخ الدورات الأولمبية خلال أولمبياد سول عام 1988 حيث جاءت نتيجة اختبار الكشف عن المنشطات الذي خضع له إيجابية ، حيث كان تعاطي مادة "ستانوزولول" التي استخدمت قديما.
ويمكن مقارنة الفارق بين الأداء والأمان الناجم عن استخدام مادة "ستانوزولول" وما ينتج عن المواد المنشطة المستخدمة حاليا بالفارق بين عربة تجرها الخيول وسيارة بورش.
وشهدت مسيرة المنشطات ثورة في السنوات الماضية مع ظهور عقار "إرثروبوايتين" (إيبو) ومشتقاته العديدة المتزايدة واستخدام هرمون النمو البشري (إتش جي إتش) وفكرة "التنشيط الجيني".
وقبل سنوات قليلة ، بزغ نجم جديد على هذه الساحة وهو عقار تيتراهيدروجيسترينون (تي إتش جي) البنائي الذي صدم نجوم ألعاب القوى الأمريكيين بقوة حيث أشعل قضية معمل "بالكو" التي قضت على تاريخ العداءة الأمريكية الشهيرة ماريون جونز، التي كانت صاحبة أجمل ابتسامة في عالم سباقات العدو.
وتم تجريد جونز من الميداليات التي أحرزتها في أولمبياد سيدني عام 2000 بسبب المواد المنشطة التي تناولتها خلال هذه الدورة الأولمبية.
كما تعرضت لحالة من التهميش من قبل المجتمع في فترة ما بعد تجريدها من هذه الميداليات ، وصارت تحاول تقليص مدة السجن بالقدر المستطاع.
وبعدها ، تغيرت حياة جونز حيث وقع عليها اختيار وزارة الخارجية الأمريكية للسفر حول العالم والتأكيد على الصبية والشبان بأن يفكروا مرتين قبل استخدام مثل هذه الأشياء وذلك في إطار برنامج خاص لمكافحة المنشطات ، يحمل عنوان "احصل على راحة".
ورغم ذلك ، لا تحصل المنشطات على أي راحة أو هدنة. حيث تنطلق بنفس سرعة انطلاق الرياضة ، وربما أسرع أحيانا.
ويتزايد عدد اختبارات الكشف عن المنشطات في الدورات الأولمبية من دورة لأخرى. وتتضمن الاختبارات التي تجرى خارج نطاق الدورة الأولمبية ، خاصة في المعسكرات التدريبية التي تسبق الدورة.
ورغم ذلك ، يظل السؤال: هل تتعلق هذه القضية بكمية الاختبارات أم أن هذا الرقم يخفي قصورا في الجودة ويخفي ثقوبا سوداء في نظام الكشف عن المنشطات ؟.
وقبل نحو عقدين ، تفجرت فضيحة جديدة ضخمة لتعاطي المنشطات في آخر أيام دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2002 بمدينة سولت ليك عندما اكتشف تعاطي المتزلج الأسباني يوهان موهليج ، المولود في ألمانيا ، لمادة داربيوتين المنشطة وهي نسخة متطورة من عقار (إيبو) والتي اعتقد كثير من الرياضيين ومنهم موهليج أنهم يستطيعون استخدامها، دون أن تكشفها الاختبارات.
وقبل 17 عاما ، اكتشفت فضيحة أخرى لتعاطي المنشطات كان بطلاها العداء اليوناني كوستاس كينتيريس ومواطنته العداءة إيكاتريني ثانو وذلك قبل بداية فعاليات أولمبياد أثينا 2004 مباشرة.
وتغيب كينتيريس وثانو متعمدين عن اختبار للكشف عن المنشطات ، واستبعدا من المشاركة مع البعثة اليونانية في فعاليات الدورة.
والحقيقة أن هذا صراع ليس له نهاية، كما وصفه جيوفري جولدسبينك من المستشفى الملكي في لندن قبل سنوات.
وقال جولدسبينك "لا يمكننا إيقاف تطور الدواء أو حجب المعلومات. وإساءة استخدام الدواء والمعلومات في الرياضة يكون لها آثار جانبية معتادة".
ولكن ، ماذا يعني هذا ؟ إنه يعني أن اللحوم والفطر ليست سيئة أو جيدة في حد ذاتها ولكن الأمر يتوقف على الهدف من استخدامها.