أمر عبد الناصر بإقامة سرداق عزائه وكرمه الملك فاروق ورفض الزواج وتنبأ بوفاته .. حكايات الممثل سليمان نجيب ”أمير العزاب” في السينما المصرية
سليمان نجيب ممثل ذو ثقافة واسعة يتقن عدة لغات، كان جريئاً وصادقاً وفياً وفصيح اللسان، هو الباشا في جميع أفلامه ينتمي لعائلة مرموقة في المجتمع المصري، حصل على لقب "بك" من الملك فاروق، لم يفكر يوماً في الزواج وفضل أن يعيش برفاهية وأن يفعل ما يريد دون أن يسبب لشريكه حياته أي نكد لأنه يعتقد أن كل النساء مناكفات لذلك لقب بـ "أمير العزاب"، أمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإقامة سرداق عزاء له ولكن تطوع محمد سلطان باشا بتكاليف تشييع جنازته.
اسمه بالكامل اسماعيل نجيب مصطفى نجيب من مواليد 21 يونيو عام 1982، ينتمي لعائلة مرموقة فوالده هو الاديب الكبير مصطفى نجيب مدير الإدارة العربية بسراي عابدين بالديوان السلطاني بعهد الخديوي عباس حلمي الثاني، وعمه هو محمود شكرى باشا وزير الحربية، وخاله هو أحمد زيور باشا من رؤساء وزراء مصر.
التحق بالمدارس الأجنبية في القاهرة، تخرج من كلية الحقوق، رفضت عائلته دخوله مجال التمثيل لذلك عمل بالسلك الدبلوماسي ولم يفكر في العودة إلى عالم الفن إلا بعد وفاة والدته احتراماً لمشاعرها.
عمل اسماعيل نجيب في العديد من الوظائف منها عمله سكرتير في وزارتي الأوقاف والعدل، كما مثل مصر كقنصل في السفارة المصرية بمدينة اسطنبول بتركيا ولكنه فصل من السلك الدبلوماسي لدخوله غرفة الاستقبال بالقنصلية لابساً بنطال وحذاء أبيض تصلح لملاعب التنس، كما عين رئيساً لدار الأوبرا "دار الأوبرا الملكية" عام 1938 ، وكان يقدم حديث السهرة في الإذاعة المصرية، وكان يكتب مقالات بمجلة الكشكول الادبية تحت عنوان "مذاكرت عربجي" ويوقعها بأسم الاسطى حنفي ابو محمود.
كان صديقاً للزعيم مصطفى كامل، كما كان أول فنان يحصل على لقب "الباكاوية" من الملك فاروق وهو من توسط لدى فاروق للعفو عن الشاعر بيرم التونسي الذي حكم عليه بالنفي بسبب قصيدة القرع الملكي والبامية السلطاني.
بدأ مشواره الفني من خلال جمعية أنصار التمثيل، حيث انضم إلى فرقة عبد الرحمن رشدي وفرقة الشيخ سلامة حجازي منذ أوائل الثلاثينات وحتى منتصف الخمسينات، وقدم حوالي 52 فيلم ومنهم، دنانير، غزل البنات، الآنسة حنفي، أحلام الربيع، تار بايت، أماني العمر، إلحقوني بالمأذون، الزوجة السابعة، لست ملاكاً، الحل الأخير، قلب المرأة، الوردة البيضاء، أصحاب السعادة، بائعة الخبز، بنت الأكابر، أمريكاني من طنطا.
قدم ما يقرب من 40 مسرحية على خشبة المسرح بين تمثيل وتأليف أشهرها، وكان له الفضل في إستمرار فرقة نجيب الريحاني بعد وفاته حتى لا يغلق باب رزق العاملين فيها.
عزف عن فكرة الزواج وذلك للعديد من الأسباب منها رأيه في فشل العلاقة الزوجية وخوفه الشديد من إنجاب أبناء لا يستطيع تربيتهم ورعايتهم كما ينبغي أو يعانون الفقر أثناء حياته أو من بعده.
قال صلاح الشاهد أمين القصر الملكي وكبير الأمناء في القصر الجمهوري في كتابه "شهادتي بين عصرين": "طلب الفنان الراحل سليمان نجيب مقابلة الرئيس عبد الناصر لأمر هام، وفي اليوم التالي حضر إلي مرة آخرى وعاتبني عتاباً شديداً لعدم إتاحة الفرصة لمقابلة الرئيس وقال بالحرف الواحد، ربنا ولا جمال عبد الناصر؟ وقلت له استغفر الله ما وجه الشبه بينهما؟ فقال في إمكانية مقابلة الله سبحانه وتعالى بعد لحظات لو أطلقت على رأسي الرصاص فإني سوف أكون في لقاء الله بعد ثواني".
وأضاف: "فضحكت ودخلت على الرئيس وأبلغته ما حدث فضحك، وأمر بإدخال الفنان نجيب بك وطلب من الرئيس أن يشاهد عمل مسرحي له قبل اعتزاله للفن في الغد فوعده الرئيس بذلك وذهب فعلاً لمشاهدة المسرحية وكان اسمها، المشكلة الكبرى".
وتابع الشاهد: "كلفني الرئيس عبد الناصر أن أنوب عنه في تشييع الجنازة وإقامة سرداق العزاء والاتفاق على مصاريف الجنازة، وذهبت إلى منزل فنانا الراحل ولكن أبلغني متعهد الفراش بأن شخصاً لا يعرفه قد دفع له مبلغ خمسمائة جنيه تكاليف الجنازة وعلمت بعد بذلك أن محمد سلطان باشا الذي تطوع بمراسم تشييع الجنازة".
تنبأ سليمان بك نجيب بوفاته بعدما أخبر الفنانة الكبيرة زينب صدقي وقال ضاحكاً: "أنني أعرض عليك اتفاقية جنتلمان.. فكلانا أعزب، ومن يمت قبل أخيه يقم بواجب الأخوة نحو منزله فيرعاه ويشرف عليه" وبالفعل رحل عن عالمنا يوم 18 يناير 1955 عن عمر ناهز 57 عاماً بعد أن أوصى بتركته للأوبرا المصرية وكانت وصيته كالتآلي: "أن تكون السيارة لسائقه الخاص، وأن تكون الشقة لخادمه المخلص، وأن تكون مستلزمات وأدوات المطبخ للطباخ".