خافوا منه ووصفوه بـ«العفريت».. حكاية المصريين مع الترام

الترام
الترام

في العقد الأخير من القرن التاسع عشر أعلنت الحكومة المصرية عن رغبتها في مد خطوط للترام في القاهرة، بعد اتساع رقعتها، وظهور أحياء جديدة بها، وحتى تضاهي عواصم أوروبا.

وسرعان ما نٌفذت الفكرة، ففي نوفمبر عام 1893 صادق مجلس النظار على منح امتياز بإنشاء سكة ترامواي تسير بالكهرباء في العاصمة لشركة بلجيكية.

وتقرر أن يكون الامتياز بثمانية خطوط، تبدأ كلها من ميدان العتبة، على أن يتجه الأول إلى القلعة، والثاني إلى بولاق، والثالث إلى باب اللوق فالناصرية، والرابع إلى العباسية عن طريق الفجالة، والخامس إلى مصر القديمة، والسادس من فم الخليج إلى الروضة، ثم ينتقل الركاب بزورق بخاري إلى الشاطئ الآخر ليستقلوا قطاراً إلى الجيزة، وهذا هو الخط السابع، بينما يبدأ الثامن من ميدان قصر النيل ويسير موازياً للترعة الإسماعيلية إلى قنطرة الليمون (كوبري الليمون الآن خلف محطة سكك حديد مصر الآن).

وفي أول أغسطس سنة 1896 أجرت الشركة حفلة تجريبية لتسيير أول قطار كهربائي، واصطف الناس على الجانبين ألوفاً، ليشاهدوا أول مركبة سارت في العاصمة بقوة الكهرباء، والأولاد يركضون وراءها مئات وهم يصرخون: العفريت، العفريت.

وكانت أجرة الركوب ستة مليمات للدرجة الأولى، وأربعة للثانية، وقد عينت الشركة أربعمائة عامل مصري.

وقد أثار الترام حالة جدل بين مؤيد ومعارض له وهو ما رصدته الصحف آنذاك، فالمؤيدون رأوا فيه نقلة حضارية تباهي به مصر دول أوروبا آنذاك، كما أنه يربط بين أنحاء العاصمة، ويُستعاض به عن وسائل المواصلات التقليدية مثل الحمير وعربات الكارو.

بينما أبدى المعارضون لهذا المشروع أسباباً تدور حول أنه يؤدي إلى فساد الأخلاق، فأي امرأة باتت تستطيع أن تركب الترام وتذهب في غيبة زوجها إلى حيث تشاء، كما أن طلبة الأزهر ودار العلوم والمعممين كانوا يستقلونه للذهب إلى المواخير والمراقص، كما اتخذت محطات الترام أمكنة لتقابل العشاق، ومغازلة النساء والاحتكاك بهن ومطاردتهن، حتى أن جريدة «المنار» تقول إن خطباء المساجد أخذوا منذ بدء العصر الترامي يحذرون الناس، وينذرونهم باقتراب موعد القيامة.

لكن نجاح شركة الترام ترتب عليه تكوين شركة بلجيكية أخرى للإضاءة الكهربائية في نهاية سنة 1896، فشرعت منذ أوائل سنة 1897 تمد المنازل بالتيار الكهربائي واتفقت معها الحكومة على إضاءة الشوارع نظير مبلغ من المال يُدفع سنوياً. وفي غضون سنة 1899 شاع استعمال النور الكهربائي، وأخذ الأغنياء من المصريين في إضاءة منازلهم به.

وكان لإنشاء الترام أثر كبير في ارتفاع أثمان الأراضي والمنازل التي يمر بها، فما كادت الشركة تشرع في مد خط شبرا حتى ظهرت إعلانات في الصحف عن قطع من أراض البناء معروضة للبيع.

وكوسيلة في ترغيب الناس في شرائها نص الإعلان على أنها «على مسافة بعض أمتار من خط الترامواي»، ما ساعد على تزايد حركة العمران، فتحولت العشش الكثيرة والأرض الخراب إلى بيوت أنيقة على أحدث طراز، كما زادت أثمان البقع الواقعة في وسط المدينة إلى ثلاثة أضعاف.

تم نسخ الرابط