أصاب بعضهم بالجنون.. حكايات المصريين مع «الحشيش» قديما
حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، لم يكن الحشيش معروفاً إلا لقلة من المصريين المترفين ، الذين كانوا يتعاطونه من أجل تحسين الحالة المزاحية لهم، لكن بنهاية الحرب انتشر الحشيش في مصر انتشاراً كبيراً.
ويذكر الدكتور نبيل عبدالحميد في كتابه "الأجانب وأثرهم في مصر"، أن اليونانيين كان أبرز من اشتغلوا بتجارة الحشيش، فكانوا يقومون بتهريبه، وكانت مصلحة خفر السواحل تقوم بعمليات ضبط يومي لسفن تعمل على تهريبه إلى ساحل البحر الأبيض، لكن قنصلية الدولة التابع لها السفينة بالاحتجاج على القبض وتقديم التبريرات على بطلان دعوى التهريب، ومن ثم يخرج المضبوطين براءة، ما ساهم في انتشار الحشيش على نطاق واسع.
لكن قبل الحرب العالمية الأولى، كانت تأثيرات الحشيش قد ظهرت على كثيرين، وأدى إلى انهيار الأخلاق وتدهور المجتمع، كما تسبب في بعض حالات الجنون، ويكفي الإشارة إلى تقرير مستشفى المجاذيب (الأمراض العقلية) لسنة 1899، والذي كشف عن أن عدداً من مجانين هذا العام قد جُنوا بسبب تعاطي الحشيش.
ويمكن القول أن أول تشريع شهدته البلاد في العصر الحديث كان في سنة 1879، عندما صدر أمر عال بتجريم استيراد الحشيش وزراعته، واستمر المشّرع في وضع عقوبات بلغت شدتها في تشريع سنة 1891 حيث جعل غرامة قدرها خمسين جنيهاً لكل فدان أو جزء من الفدان يُزرع حشيشاً.
وهناك أسباب دعت الحكومة إلى تحريم الحشيش بالقانون، منها أن ضرر المخدرات لا يقتصر على من يتعاطاها وحده، ولكنه يمتد في الغالب إلى أسرته وأحياناً إلى ذريته وينعكس دائماً على المجتمع الذي يعيش فيه، فينال منه أذى بالغاً بعضه مباشر وأكثره غير مباشر، وعموماً فإنها تؤدي إلى البلادة والكسل والخمول فتبدد من الثروة القومية طاقة هو في أمس الحاجة إليها.
ورغم هذه التشريعات التي تحرم الاتجار في الحشيش فإن تجارته ظلت مستمرة، وذلك لأنها كثيرة الربح بسبب أثمانه الغالية، ولذلك لم يبال المشتغلون بتجارته بما يتعرضون له من مخاطر.
كما أن البوليس كان يعاني من المشقة في منع الحشيش نفس المعاناة التي عانتها مصلحة التهريب، لأنه لا يُحكم على المتهم ببيعه ما لم يُضبط الحشيش نفسه، ولا يُغرم أحد بأكثر من مائة قرش على الحشيش، وزد على ذلك أنه لا يمكن إغلاق مقهى من مقاهي الحشيش ما لم يُحكم على صاحبها ثلاث مرات في ستة اشهر.