الموجز
رئيس التحريرياسر بركات
الجمعة 5 يوليو 2024 02:55 صـ 28 ذو الحجة 1445 هـ
أهم الأخبار

روايات ما بعد ”البتر”.. آلام عمال الجبل الأبيض بالمنيا لا تتوقف

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
عماد: فقدت نصف قدمي ولم يساعدني صاحب المحجر بشىء.. ولا أستطيع السير إلا لـ 30 مترا فقط
جوزيف: فقدت ساقي ونصف قدمي الأخرى وتحولت حياتي لجحيم
نائب رئيس نقابة عمال المحاجر: الاصابات بشكل يومي.. و المحافظة لا تصرف مستحقات المصابين
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تحولت حياة المئات من عمال محاجر المنيا إلى آلام مستمرة، وصلت بالبعض منهم إلى فقدان أطرافهم في ريعان شبابهم، والعيش بعاهات مستديمة رغم حالتهم الاجتماعية الصعبة، ووصل بالبعض الآخر إلى الموت السريع قبل انقاذه نظرًا لخلو الجبل من أية مستشفيات قريبة أو وحدات صحية مجهزة للتعامل مع مثل تلك الاصابات المتكررة بشكل يومي.
" حشاشة - كابل كهرباء - قطاعة " .. ثلاثة متهمين بالقتل المستمر لعمال المحاجر الذين يبلغ عددهم وفقا لجداول نقابة عمال المحاجر بالمنيا 45 ألف عاملا ، الغالبية العظمى منهم لا يوجد تأمين صحي عليهم من قبل رؤسائهم في العمل، وتتحول حياتهم إلى جحيم فور اصابتهم.
" الموجز " التقت نائب رئيس مجلس إدارة نقابة العاملين بالمحاجر بالمنيا "وجيه جميل" والذي كشف عن سلسلة كبيرة من الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في جبال المحاجر التي تمتد من زمام مركز ابو قرقاص جنوبا وحتى الشيخ فضل شمالا بطول 50 كيلو متر تقريبا ويعمل بها آلاف العمال من قرى شرق النيل وبعض القرى النائية بالمحافظة بحثا عن قلمة العيش.
يبدأ جميل حديثه قائلا : الجبل هو المتنفس الوحيد لأبناءنا للعمل في ظل قلة المصانع بالصعيد وعدم استيعابها للشباب، اذ يفضل الشاب الذهاب فجرا إلى أحد أصحاب المحاجر والعودة عصرا مقابل يومية تبلغ 100 جنيها وتقل أحيانا إلى 80 جنيها، ولكنهم لا يعلمون أن ذلك قد يكلفهم حياتهم في بعض الأحيان نتيجة للاهمال الكبير الذي يوجد ببعض المحاجر في ظل العمل في بيئة غير آمنة على الاطلاق ، وتفتقد لجميع وسائل الصحة.
وأوضح نائب رئيس مجلس الادارة أنه لا يكد يخلو يوما من اصابة أحد العمال أو وفاته، ومنها حالات يتم اخطار النقابة بها، وأخرى لا نعلم عنها شيئا ، و أن الماكينات البدائية التي يعمل بها العمال تمثل خطرا على حياتهم وتفقد العديد منهم لأطرافهم وتتسبب في بترها ، بالاضافة إلى افتقاد أكثر من 95 % من المحاجر لوسائل السلامة المهنية واستنشاق العمال لكميات كبيرة من الأتربة طوال اليوم تنتهي باصابتهم بأمراض الرمد والصدر والسرطانات، مؤكدا أن جمعية أصحاب المحاجر التابعة لديوان محافظة المنيا تنص بنودها منذ انشائها على منح المصابين 10 آلاف جنية و25 ألف جنيه لأسرة المتوفى ، بينما لا يحصل الغالبية العظمى منهم على أي من الحقوق لرفض الأطباء منحهم تقاريرًا طبية حتى لا يدفعون عليها ضرائب.
توجهنا في جولة لمنازل عدد من المصابين ببتر أعضائهم ، في البداية يقول عماد صموئيل ذلك الشاب الأربعيني الذي يعول زوجته و6 من أبنائه : تحولت حياتي إلى جحيم بعد أن تسببت ماكينة قطع الحجارة في قطع نصف قدمي " الكعب " وقت باجراء أكثر من 6 عمليات كبدتني وأسرتي قرابة الثمانون ألف جنيه ، ولم تأتي بالنتيجة الصحيحة نظرا لصعوبة الاصابة ، ولم يقم صاحب العمل بمساعدتي سوا بمبلغ بسيط فور الاصابة حتى لا احرر محضرا ضده ، ومنذ ذلك الحين لم أراه وأعيش على الاعانات.
أكد صموئيل أنه منذ الاصابة ولا يستطيع السير إلا لمسافة 30 مترا، ولا يمكنه الوقوف سوا لدقائق معدودة ، مؤكدا أنه ليس كغيره من العمال ، اذ لا يمتلك قطعة أرض زراعية صغيرة أو حظيرة مواشي ، بل تسببت الاصابة في بيع جميع ممتلكاته ومشروعه الصغير الذي كانت تديره زوجته وهو بيع بعض الملابس، بالإضافة إلى وقف الراتب الخاص به من قبل الشئون الاجتماعية (450 جنيهًا ) بشكل مفاجىء، مطالبا بتدخل الحكومة لمساعدته و تشديد الرقابة على عمل المحاجر واجبار أصحابها بالتأمين على العمال و توفير جو آمن للعمل والوقوف معهم فور اصابتهم بدلا من تحول حياتهم إلى موت مؤقت.
الأوضاع السيئة لا تختلف لدى " جوزيف مسعد " الذي يبلغ من العمر 40 عاما، واصيب ببتر كامل لسائقه ، وكذلك نصف القدم الأخرى بسبب ماكينة التقطيع التي طالته في ظل الغبار المتطاير بكثرة ولم يستطيع الهروب منها.
يروي أزمته قائلا : أنه عمل في المحاجر لأكثر من 15 عاما ، ومنذ 3 سنوات انتهت تلك الرحلة بالعجز الكامل وكان قد أوشك على الموت بعد أن قطعت الماكينه أطرافه أثناء قيامه بجمع البلوكات " الحجارة البيضاء " وفشلت كافة المحاولات لانقاذه ، وانتهت بأن يعيش على أطراف صناعية ويعمل في محل بقالة صغير باليومية مقابل 500 جنيها شهريا، بالاضافة لمبلغ بسيط يحصل عليه من التضامن الاجتماعي.
محمد محمود أحد أهالي قرية طهنا الجبل أكد أن الإصابات المتكررة عبر الماكينات باتت مسلسل دامي لكل من يعمل بالجبل ، بالاضافة لمن يفقدون حياتهم صعقا بكابلات الكهرباء، بسبب عدم العزل الجيد للأسلاك ودفنها تحت الأتربة بشكل لا ارادي أثناء العمل وكذلك عدم التزام البعض بارتداء الأحذية العازلة البلاستيكية بسبب عدم توزيعها من قبل أصحاب العمل على العمال، مؤكدا أنه من لم يصب بالبتر يصاب بأمراض خبيثة ويظهر ذلك من كثرة الاصابات التي تظهر بين العمال شهريًا وتجعلهم طريحي الفراش.
من جانب آخر طالب أحد الشباب ويدعى "ميلاد عياد" من أبناء قرية بني أحمد ، والذي اصيب بعجز جزئي منذ عام بعد أن قطع جزء من ساقه بأن يتم صرف اعانات سريعة لجميع المصابين بالمحاجر خاصة أنهم لا يوجد رواتب لهم من أية جهات ، وصاحب العمل لم يساعدونه بأية تعويضات منذ الاصابة رغم اجراءه للعديد من العمليات الجراحية وبيعه للمواشي الصغيرة التي كان يملكها وتدر له ربحا بسيطا كل عام ، مطالبا مسئولي المحافظة بانقاذ العديد من العمال ومن بينهم أطفال قبل الموت.
nawy