رأي دار الإفتاء في قراءة القرآن الكريم بالموسيقى وتلحينه
قد يلجأ البعض من الناس لأمور غير مألوفة وغير مقبولة شرعًا وذلك إما لجهلهم أو للبحث عن الشهرة، ومن هؤلاء من يقدمون على قراءة القرأن الكريم بالموسيقى، أو من يتغنون بآيات الله الكريمة.
ويرصد الموجز خلال السطور التالية عدد من الفتاوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية عبر السنين حول ما قام به البعض من قراءة القرآن الكريم بالموسيقى أو إدخال آيات من كتاب الله عز وجل في أغنيات.
حكم تلحين القرآن الكريم
ويذكر أنه قد ورد دار الإفتاء عام في 12 يوليو 1956 سؤال جاء في نصه: مدى جواز تلحين القرآن الكريم تلحينًا موسيقيًّا يقوم بأدائه بعض المطربين والمطربات، وفي جواز تصوير القرآن تصويرًا فنيًّا يحكي معانيه وآياته؟
وردت الدار في الفتوى رقم 4440 لفضيلة المفتي الشيخ حسن مأمون والذي أكد عدم جواز ذلك.
وقال المفتي وقتها: لا يجوز شرعًا قراءة القرآن الكريم مع تلحينه تلحينًا موسيقيًّا؛ لكون هذا العمل يخرج القرآن عن جلالته وقدسيته، ويصرف السامع عن الخشوع والخضوع عند سماعه، ويجعله أداة لهوٍ وطربٍ، وكل عمل يخرج كتاب الله عن غايته يعد عملًا منكرًا لا يقره الدين، ويجب علينا عند قراءته مراعاة الرجوع إلى ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابه والتابعين.
وتابع: وكذلك لا يجوز تصوير القرآن تصويرًا فنيًّا؛ لما في ذلك من مفاسد يجب منعها؛ كتصوير الأنبياء ونحوه مما هو محاط بالقداسة في الشريعة الإسلامية.
حكم غناء آيات من القرآن الكريم
وفي السياق ذاته ورد الدار سؤال آخر جاء فيه: الطلب المقدم من مكتب الإمام الأكبر شيخ الأزهر الوارد إليه من دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية ببيروت والذي تضمن قيام بعض المغنين في إحدى الدول العربية بغناء أنشودة "أنا يوسف يا أبي"، وفيها عبارة: "هل جنيت على أحد عندما قلت: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾"، وهو في هذه الأغنية يكرر الآية المذكورة بمصاحبة الآلة الموسيقية المسماة العود، فما حكم ذلك؟
وردت الدار على لسان فضيلة المفتي الدكتور نصر فريد واصل في الفتوى التي حملت رقم 4439 في 20 نوفمبر 1996: قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4]، إن هذا إرشادٌ له صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته إلى أفضل طريقة للقرآن الكريم حتى يستمروا عليها وهم في أول عهدهم بنزول القرآن الكريم، والترتيل: جَعْلُ الشيء مرتلًا؛ أي منسقًا منظمًا، ومنه قولهم: ثغرٌ مرتلٌ؛ أي منظم الأسنان لم يشذ بعضها عن بعض. أي: قُم أيها الرسول الكريم مرتلًا للقرآن ترتيلًا جميلًا حسنًا، وقال الإمام ابن كثير كما قالت عائشة رضي الله عنها: إنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ السورة فيرتلها.
تابع: وسُئل أنس رضي الله عنه عن قراءته صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: "كانت مدا"، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» رواه أحمد وغيره، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذوه هذ الشعر، وَقِفُوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب"، أي لا تسرعوا في قراءته، وليس معنى قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا﴾ أن يُقرأ بطريقة فيها تلحين أو تطريب يغير من ألفاظ القرآن ويُخِلُّ بالقراءة الصحيحة من حيث الأداء ومخارج الحروف والغن والمد والإدغام والإظهار وغير ذلك مما تقتضيه القراءة السليمة للقرآن الكريم، وإنما المعنى بقوله: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا﴾: أن يقرأ بصوت جميل وخشوع وتدبر والتزام تام للقراءة الصحيحة من حيث مخارج الحروف، ومن حيث الوقف والمد والإظهار وغير ذلك.
وأختتم: على ذلك القول: فلا يجوز غناء وتلحين آية من القرآن الكريم بأي صورة من الصور أو إخراج الآية عن الطريقة الصحيحة للتلاوة، وحكم من يفعل ذلك فهو آثمٌ وعليه ذنب، ويجب أن يستغفر الله ويتوب إليه؛ لأن القرآن هو كلام الله، و«فَضَلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ» صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.
دار الإفتاء توضح حكم قراءة القرآن بالموسيقى
وتكرر السؤال كذلك في سبتمبر من العام الجاري 2024 على دار الإفتاء بعد إقدام البعض على تكرار الفعل المحرم شرعًا وقيامهم بقراءة القرأن بالموسيقى وردت الدار على ذلك بـ أن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين، أنزله الله على الرسول -صلى الله عليه وسلم- هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ولم ينزله ليطرب به الناس أو يتغنوا به وقد أمر الله المسلمين بفهم معانيه وتدبر ما فيه من عظات وآداب بكل أحكامه.
وأضافت الدار في فتواها أن سماع القرآن كما تسمع الأغاني، يجعله أداة لهو وطرب، ينصرف فـيه السامع إلى ما فيـه من لذة وطرب، عما أنزل القرآن له من هداية الناس وإرشادهم.
وأكدت الدار أن القرآن الملحن بالموسيقى، ليس هو القرآن الذي أنزله الله على رسوله، وتعبدنا بتلاوته التي تلقيناها عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأننا إذا أجـزنا قـراءة القرآن ملحنًا تلحينًا موسيقيًّا وسماعه مصحوبًا بآلات الموسيقى، نكون قد حـرفنا كـتاب الله وبدلناه، وفي ذلك ضـيـاع الدين وهلاك المسلمين.
اقرأ أيضًا: