محمد رشدي فقد جزء من لسانه بسبب حبه لـ ليلي مراد.. تفاصيل
محمد رشدي، أحد عمالقة الغناء الشعبي في مصر، ورمز من رموز الأصالة الفنية التي عبرت عن روح الشارع المصري وهمومه وأحلامه بصوته العذب وأدائه المميز، نجح في أن يكون صوتًا صادقًا يعكس ثقافة الفولكلور المصري، ليصبح أحد أبرز الفنانين الذين أسهموا في تشكيل ملامح الأغنية الشعبية.
رغم التحديات الكبيرة التي واجهها في حياته الشخصية والفنية، استطاع رشدي أن يتجاوز كل العقبات، ليترك بصمة خالدة في تاريخ الموسيقى المصرية، ويتحول إلى أيقونة فنية تحمل روح البساطة والعفوية التي ميزت عصره.
يرصد الموجز تفاصيل من حياة محمد رشدي خلال السطور التالية.
نشأة محمد رشدي
وُلد الفنان محمد رشدي في 19 مايو 1928 بمدينة دسوق في محافظة كفر الشيخ، في أسرة متواضعة، بالقرب من مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي.
كانت نشأته في هذه المدينة الصغيرة بداية لرحلة طويلة مليئة بالتحديات والإبداع.
ومنذ سن مبكرة، أبدع رشدي في رفع الأذان في المسجد بجوار منزله وهو في التاسعة من عمره، وهو ما كان بداية لتعلقه بالأصوات الجميلة والموسيقى.
كانت بداية ميله للغناء من خلال حبه للإنشاد والمواويل في الموالد التي كان يذهب إليها مع والده.
تأثر رشدي بشكل كبير بكبار المغنين في ذلك الوقت، وفي مقدمتهم أم كلثوم التي كانت تملك حضورًا قويًا في حفلات مدينة دسوق، التي كانت تشهد ازدحامًا كبيرًا من محبي الفن.
الحادثة التي غيّرت حياته
كان الفنان الراحل محمد رشدي مغرمًا بصوت الفنانة الراحلة ليلى مراد، وكان لا يترك فيلمًا لها دون أن يعيده مشاهدته عدة مرات.
وبعد كل مشاهدة، كان يتجول على كوبري دسوق متخيلًا نفسه بطل الفيلم، وهو يردد حواراته بحماس.
ومن شدة عشقه لها، تعرض لحادث عندما دفعه حارس السينما ذات يوم، فسقط على الأرض وصطدم فكه بـ "طوبة"، وكان السبب في هذا الحادث هو اكتشاف الحارس أن رشدي كان يجمع قصاصات التذاكر ويلصقها ليتمكن من مشاهدة الأفلام بشكل متكرر، لأنه لم يكن يملك المال الكافي لشراء التذكرة.
رغم أن الأطباء أكدوا صعوبة إجراء عملية جراحية، إلا أن والده لم يستسلم وطلب من أربعة أطباء إجراء العملية، ولكنهم رفضوا بسبب خطورتها.
في النهاية، قرر أحد الأطباء الأجانب القيام بالجراحة، ولكن بشروط، حيث طلب من والده أن يوقع على إقرار يعفيه من المسؤولية في حال وفاة الطفل أثناء العملية.
ورغم صعوبة الجراحة، أُجريت بنجاح، لكنّ محمد رشدي عاش بعد ذلك بنصف لسان.
لكن مع مرور الوقت، اكتشف الجميع معجزة حقيقية، حيث بدأ رشدي في استعادة قدرته على النطق والغناء بشكل صحيح بعد خمس سنوات من الحادثة، ليبدأ فصلًا جديدًا في حياته الفنية.
الخطوة الأولى في عالم الغناء
بدأت أولى خطوات محمد رشدي في عالم الغناء بشكل جاد حينما أُتيحت له الفرصة للظهور على الإذاعة لأول مرة، وكان ذلك بفضل مطرب الإذاعة سعد عبد الوهاب الذي كان يشغل منصب المذيع في تلك الفترة، لكن كان هناك اعتراض من قبل المذيعين على اسم "رشدي محمد"، مؤكدين أن اسم "محمد رشدي" سيكون أخف وأسهل في النطق وهكذا، أصبح اسمه الفني محمد رشدي ثم جاء اللقاء الحاسم مع أم كلثوم في أحد حفلاتها بمدينة دسوق، حيث استطاع أن يغني أمامها، فأعجبت بصوته بشكل كبير، وأوصت بإلحاح أن يُلتحق بمعهد الموسيقى العربية.
وبفضل دعم أحد رجال الأعمال الذين تكفلوا بتغطية نفقات دراسته في القاهرة، بدأ محمد رشدي رحلته التعليمية الفنية في المعهد ليبدأ من هنا مشواره الاحترافي في الغناء.
المسيرة الفنية وصحبة الأبنودي وبليغ حمدي
خلال فترة دراسته، عمل محمد رشدي في عدد من الفرق الفنية والمسرحيات، حيث بدأت موهبته تبرز بشكل كبير. لكن كانت نقطة التحول الرئيسية في مسيرته الفنية عندما التقى بالشاعر عبد الرحمن الأبنودي والملحن بليغ حمدي معًا، شكلوا مثلثًا فنيًا فريدًا أطلق مجموعة من أشهر الأغاني التي تركت بصمة واضحة في تاريخ الموسيقى المصرية.
بفضل هذا التعاون، قدموا للجمهور العديد من الأغاني التي تعكس روح الفولكلور المصري، مثل "عدوية" و"متى أشوفك" و"طاير يا هوا".
وحققت هذه الأغاني نجاحًا كبيرًا في الوسط الفني، ما ساعد محمد رشدي على أن يصبح واحدًا من أبرز الأسماء في عالم الغناء الشعبي.
التنافس مع عبد الحليم حافظ
ومع النجاح الذي حققه محمد رشدي، بدأ عبد الحليم حافظ يشعر بقلق من صعود نجمه، خاصة مع تزايد شعبية الأغاني الشعبية التي كان رشدي يمثلها.
وبناءً على ذلك، قرر عبد الحليم أن يدخل في غمار الغناء الشعبي، فقدم أغنيات مثل "أنا كل ما أقول التوبة" و"على حسب وداد قلبي"، مستعينًا بالشاعر عبد الرحمن الأبنودي والملحن بليغ حمدي في هذه الأعمال، في محاولة واضحة لمنافسة رشدي في هذا المجال.
لكن هذا التنافس لم يمنع من استمرار التعاون بين رشدي وبليغ حمدي، حيث كان الأخير في ذلك الوقت يعمل على تلحين أغنية "متى أشوفك يا غايب عن عيني" عندما حدثت المفاجأة، حيث وجده رشدي في منزل عبد الحليم حافظ، وبعد نقاش سريع، قام بليغ بحضور رشدي بتلحين الأغنية في ربع ساعة فقط، ما أدى إلى إنتاج واحدة من أشهر الأغاني في تاريخ الأغنية الشعبية.
حادث مؤلم آخر وصمود رشدي
ورغم النجاحات المتتالية، لم يكن حظ محمد رشدي دائمًا سعيدًا، ففي عام 1959 تعرض لحادث سيارة مأساوي أثناء عودته من حفل غنائي في السويس، حيث انقلبت السيارة ومات جميع من كانوا معه.
تعرض رشدي لإصابات بليغة في جسده، وخضع لعملية تجميلية في وجهه، وبقي في الجبس لمدة عامين، لكنه عاد من جديد بقوة ليكمل مشواره الفني.
ولم يقتصر تأثير الحادث على جسده فقط، بل كان له تأثير كبير في حياته الشخصية أيضًا، حيث عانى من صدمات نفسية عديدة بعد فقدان رفاقه في الحادث، ولكنه تمكن من التغلب على هذه الصعوبات واستكمال رحلته الفنية بنجاح.
حياة شخصية وفنية مليئة بالإبداع
تزوج محمد رشدي وأنجب أربعة أبناء هم عادل، طارق، سناء وأدهم، الذي سُمي تيمنا بنجاح أغنيته "ملحمة أدهم الشرقاوي"، التي كانت بمثابة نقطة انطلاق جديدة له في عالم الغناء الشعبي.
كانت أغنياته دائماً مليئة بالقصص التي تلامس القلوب، مما جعل الجمهور يشعر بارتباط خاص معه.
رحيل ملك الأغنية الشعبية
رحل محمد رشدي عن عالمنا في عام 2005 بعد صراع طويل مع المرض، حيث أصيب بالفشل الكلوي والتهاب رئوي، وترك إرثًا فنيًا ضخمًا من الأغاني الشعبية التي أصبحت جزءًا من تاريخ الغناء المصري.
محمد رشدي ليس فقط فنانًا، بل كان رمزًا للصمود والإصرار، استطاع أن يتجاوز جميع الصعوبات التي مر بها ليترك خلفه إرثًا لا يُنسى من الفن الشعبي.
اقرأ أيضًا