من الإسكندرية إلى قلوب المصريين.. قصة سيد درويش الذي غير وجه الموسيقى
يُعتبر سيد درويش واحداً من أعظم رواد الموسيقى المصرية، حيث تصادف اليوم ذكرى رحيله، التي تذكرنا بإرثه الفني العظيم، ويرصد "الموجز" أبرز محطات الفنان سيد درويش في السياق التالي
نشأة سيد درويش
وُلد سيد درويش عام 1892 في الإسكندرية، وهي مدينة كانت تُعَدّ مركزًا للثقافة والانفتاح على العالم الخارجي.
بدأ شغفه بالموسيقى في سن مبكرة، حيث تأثر بالأغاني الشعبية التي كانت تُغنى في الأحياء الفقيرة والمقاهي.
نشأ في بيئة غنية بالفن الشعبي، مما جعله يكتسب خبرة عميقة في هذا المجال منذ صغره.
التحق درويش بالأزهر لفترة قصيرة، لكنه لم يكن قادرًا على مقاومة حبه الحقيقي للموسيقى، سرعان ما ترك دراسته الدينية ليكرس حياته للفن، والتحق بعدد من الفرق الموسيقية الصغيرة، حيث بدأ في تقديم أعماله الأولى التي حملت سمات جديدة ومبتكرة تختلف عن الموسيقى التقليدية السائدة في ذلك الوقت.
جرأة في تقديم الأغاني الوطنية والاجتماعية
تميزت أعمال سيد درويش بجرأته وشجاعته في تقديم أغاني تتناول القضايا السياسية والاجتماعية بشكل مباشر. أغانيه مثل "بلادي بلادي" و"قوم يا مصري" أصبحت نشيدًا وطنيًا يردد في المظاهرات والشوارع، مما جعله رمزًا للثورة. وقد علق المؤرخ الموسيقي فريدريك لاغرانج على أعماله قائلًا: "لم تكن أغاني درويش مجرد تسلية، بل كانت وسيلة لتوحيد الصوت المصري في وقت كانت الأمة تبحث عن هويتها."
سعى درويش من خلال موسيقاه إلى التعبير عن مشاعر الشعب المصري وآلامه وأفراحه.
كانت أغانيه تتسم بالقوة والتأثير، مما جعلها تُستخدم كأداة تحفيزية خلال فترات النضال الوطني، وجعلت فنه محبوبًا لدى كل فئات المجتمع.
ثورة موسيقية وتطوير المسرح الغنائي
لم تقتصر إسهامات سيد درويش على الأغاني الوطنية والاجتماعية فقط، بل كان له دور كبير في تطوير المسرح الغنائي. قدم درويش أعمالاً مسرحية مبتكرة مثل "العشرة الطيبة"، و"شهرزاد"، و"الباروكة"، التي نالت إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء، لم يكن تقديمه للمسرح الغنائي تقليديًا، بل أضفى عليه بعدًا جديدًا من خلال مزج الموسيقى بالدراما، مما أعطى الموسيقى المصرية بُعدًا مسرحيًا غير مسبوق.
سيد درويش كان أيضًا من الرواد في إدخال الأوبريت الغنائي إلى الموسيقى العربية.
قام بتلحين المشاهد الدرامية بطريقة تروي القصص عبر الألحان والتعبيرات الصوتية المتنوعة، مما أسس قواعد جديدة في هذا النوع من الفن.
فقد كانت موسيقاه تدمج بين الأنماط الشرقية والغربية، مما أسفر عن خلق تجربة موسيقية جديدة تعبر عن الحاضر والمستقبل.
فنان الشعب والرمز الثوري
لقب سيد درويش بـ "فنان الشعب" لم يكن من فراغ، فقد كان له دور كبير في تأثير الجماهير على مستوى واسع. رغم حياته القصيرة التي لم تتجاوز 31 عامًا، فإن غزارة إنتاجه وتنوعه جعلته رمزًا للفن الوطني. تميزت حياته بالتحولات الكبيرة، حيث انتقل من كونه طالبًا في الكتاب إلى منشد ومغني في الأفراح، ثم أصبح واحدًا من أهم الفنانين في عصره.
كان درويش أيضًا شخصية محورية في النضال الوطني ضد الاستعمار، حاول الإنجليز التخلص منه بسبب أعماله الغنائية التي كانت تُلهب حماس الشعب.
وقد استقبل درويش بحب جماهيري كبير، ورفعه الشعب على الأعناق في المظاهرات، وهو ما أغضب الاستعمار والحكومة المتواطئة معه.
الوفاة الغامضة والجدل حول سببها
تظل وفاة سيد درويش لغزًا محيرًا حتى يومنا هذا.
كشف حفيده محمد درويش في عدة حوارات صحفية وتلفزيونية أن درويش مات مسمومًا بسم زرنيخ تم دسّه في طعامه.
أكد أن الأسرة طلبت من الجهات المعنية إخراج جثة درويش من المدافن وتشريحها لإثبات أنه مات مسموماً، لكن السلطات رفضت ذلك بسبب تورطها في القتل.
وقال إن درويش لم يمت بجرعة مخدرات كما ادعى البعض، بل كان مناهضًا للمخدرات، مشيرًا إلى أن له خطابًا بخط يده يشجع أصدقاءه على الابتعاد عن المخدرات.
ثورة وتغيير
كانت موسيقى سيد درويش تعبيرًا عن روح الثورة والتغيير. استخدم الموسيقى كأداة للتعبير عن القضايا الوطنية والاجتماعية، مما جعلها تحظى بشعبية كبيرة لدى العامة والنخبة على حد سواء.
لم يكن درويش مجرد ملحن عبقري، بل كان صاحب رؤية تحررية، حيث مزج بين الأنماط الموسيقية الشرقية والغربية، وخلق موسيقى مبتكرة تعبر عن الحاضر والمستقبل، ترك إرثًا عظيمًا في عالم الموسيقى، جعل منه رمزًا دائمًا للثورة والإبداع.
اقرأ أيضا
بديع خيري بين صداقة نجيب الريحاني وذكريات سيد درويش ووفاة نجله .. إرث فني يتحدى الأحزان
على الحجار يحيي احتفالية نقابة الصحفيين بمئوية سيد درويش