حكاية جيم جونز الذي أقنع ألف شخص بالانتحار الجماعي
شهد يوم 18 نوفمبر عام 1978 واحدة من أغرب الحوادث التي وقعت في العالم، إذ فقد 913 شخصًا حياتهم، منهم حوالي 300 ممن كانوا في سن 17 عاما أو أقل، والذين لقوا حتفهم بتناول السم، لتكون بذلك أكبر عملية انتحار جماعي في التاريخ الحديث.
أمّا كلمة السر في هذا الحدث المروع الذي وقع في مدينة جونز تاون في غيانا بأمريكا الجنوبية، فهو الزعيم الديني جيم جونز الذي استطاع أن يقنع ألف شخص بإنهاء حياتهم في وقت واحد.
الوعظ الديني
ولد جونز عام 1931م، والده جيمس ثورمان جونز كان محاربًا في الحرب العالمية الأولى، وأحد ضحايا غاز الخردل، أما والدته ليناتا جونز، فكانت امرأة مستقلة، انشغلت بالعمل في حياتها ما جعل ابنها لا يعرف الحب في حياته، بينما كان يٌنظر إليه في الحي الذي يسكن به في ولاية إنديانا على أنه طفل مؤذي ومزعج>
جونز حياة الوعظ الديني منذ صغره، فقد كان يقدم خطبًا دينية في المدرسة، وحسب وصف زملائه فقد كان واثقًا من نفسه على خشبة المسرح، افتتح كنيسته الأولى في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في إنديانابوليس. وفي ذلك الوقت لم يكن ينتمي إلى طائفة معينة ولم يكن لديه تدريب لاهوتي.
واشتهرت رعيته بالتكامل العرقي حيث كان تقدميا بشكل خاص في ذلك الوقت (كان جونز نفسه أبيض)، وفي عام 1960، كان مجمع جونز، الذي كان يسمى آنذاك معبد الشعوب، تابعا لكنيسة تلاميذ المسيح وبعد ذلك بـ 4 سنوات تم ترسيم جونز في تلك الكنيسة.
معبد الشعوب
وفي منتصف الستينيات، قام هو وزوجته بنقل معبد الشعوب إلى كاليفورنيا واستقر خارج بلدة أوكيا مع حوالي 100 من أتباعه معتقدين أن هذه الخطوة ستحميهم في حالة وقوع محرقة نووية، أما مصدر جاذبية جونز فكان أحاديثه عن قراءة العقل وشفاء الروح، إذ نجح في غسل أدمغة أتباعه لدرجة أن بعضهم تنازل عن ممتلكاتهم، بما في ذلك منازلهم، للكنيسة.
وكان الأعضاء السود وأعضاء مجموعات الأقليات الأخرى مقتنعين بأنهم إذا غادروا كنيسة معبد الشعوب فسيتم القبض عليهم في معسكرات الاعتقال التي تديرها الحكومة.
في عام 1974م بدأ جونز بتحركه لنقل أتباعه إلى غيانا وهي دولة اشتراكية في أمريكا الجنوبية بعدما أنشأ مجمع جونز تاون، وهناك بدأت تصرفاته تصبح أكثر قسوة، إذ فرّق العائلات، وأجبر الأتباع على العمل اليدوي لساعات طويلة، واستمر بالتحقيق معهم بوحشية، كما اعتدى عليهم جنسيًا، وعزلهم عن العالم الخارجي، فأخبرهم بأن هناك انتشارًا للعنف والفوضى في أمريكا.
أوهم جونز أتباعه في كثير من المرات بأنهم تحت التهديد، فكانوا يجهزون أنفسهم لذلك. وفي هذه الفترة بدأ يقدم فكرة الانتحار الثوري، في حين بدأت عائلات من المعبد بتقديم التماس إلى حكومة الولايات المتحدة للتحقيق فيما يجري.
انتحار جماعي
وبالفعل، توجه عام 1977م عضو الكونجرس الأمريكي ليو رايان مع صحفيين وأقارب أعضاء المعبد إلى جونز تاون، وبعد ثلاثة أيام التقى بجونز وأتباعه، والذين عبّر بعضهم عن رغبتهم بترك المعبد. وبالفعل رتّب رايان الأمور لسفر 17 من الأتباع المنشقين إلى الولايات المتحدة. بينما كانت المجموعة تستعد للسفر مع عضو الكونجرس هاجمتهم جماعة مسلحة وأطلقت عليهم النار، ما أدى لمقتل رايان وثلاثة صحفيين وأحد الأتباع السابقين.
وحين ذاعت أخبار مقتل عضو الكونجرس، سارع جونز لإلقاء كلمته الختامية أمام رعيته، وأخبرهم بأن طائرة عضو الكونجرس كانت على وشك التحطم، وأن ذلك قد ينبّه الحكومة الأميركية عن مكانهم، ما قد يشكل تهديدًا على حياتهم. كما أقنعهم أن الجيش الأمريكي سيقصف مكانهم ويعذبهم. وقال أن الوقت قد حان للانتحار الثوري. حينها توسلت سيدة تُدعى كريستين ميللر لجونز بألا يفعلها، لكن الجموع هتفت ضدها.
في تمام الساعة الخامسة مساء من الثامن عشر من نوفمبر عام 1978م وزع جونز مشروبات الفاكهة المسممة بالسيانيد، وقد سمم الأهالي أبناءهم الرضع والأطفال، ومن ثم أقدموا على تسميم أنفسهم تحت تهديد السلاح. ومن كان يفكّر بمخالفة الأوامر فسيواجه عقابًا شديدًا.
وأخيرًا، قُتل جونز برصاصة بالرأس ولم يُعرف إن أقدم هو على الانتحار أو أن أحدًا قام بقتله. ولم ينجُ من الحادثة سوى أربعة أشخاص، اثنين من كبار السن ممن ناموا بين المنتحرين وآخرين قاما بالاختباء، والذين رووا تفاصيل ذلك اليوم الأليم في تاريخ البشرية.
أقرأ أيضا: