حكاية شارع المقاصيص بالسيدة زينب القاهرة وما فعله تجار العملة اليهود
يوجد في مصر العديد من الشوارع صاحبة التاريخ الكبير، والذي يحتفظ أجيال متعاقبة من سكانها بالقصص والحكايات عنها، وبخاصة إن كانت تلك الشوارع من العلامات المميزة في المجتمع المصري القديم.
واليوم نذهب في جولة إلى منطقة السيدة زينب بالقاهرة، لندخل شارع المقاصيص، الذي يقع بين الخردجية والجواهرجية، وينتهي إلى حارة اليهود وإلى شارع خان أبي طاقية، والذي يشتهر أيضًا بوجود مسجد محمد تغري بردي، المعروف باسم المقاصيص وهو من الجوامع القديمة وبه سبيلان أحدهما وقف الحرمين والثاني كان وقف محمد بك تغري بردي وبه أيضا عدة وكالات، حسبما ذكر المؤرخ عبد الرحمن زكي في كتابه موسوعة مدينة القاهرة.
تاريخ شارع المقاصيص
وبحسب المؤرخون، فإن هذا الشارع كان يسكن فيه الصياغ الموجودين بشارع الصاغة، وعرف باسم المقاصيص لأنهم كانوا يقصون العملة فيه، وكان معظمهم من اليهود، فعندما قلت العملات الفضية كان الصيارفة اليهود يقومون بقص الختم أو الدمغة الموجودة على الذهب والفضة لأرباع ويقومون ببيع كل ربع على أنه عملة واحدة لذلك عرفت بحارة المقاصيص.
وقد عرفت مصر المقصوص من النقود نتيجة لانهيار وزن وعيار أنصاف الفضة بدءا من ولاية علي باشا الصوفي والذي تولى ولاية مصر عام٩٧٣هجرية /١٥٦٣م واستمرت ولايته ثلاث سنوات، ثم من جراء الأزمة المالية في عهد السلطان مراد الثالثـ والذي تولى الخلافة عام٩٨٢هجرية/١٥٧٤م.
وبدأت ظاهرة قص أنصاف الفضة وتداول هذه الأنصاف المقصوصة في الأسواق، وأقدم الإشارات لهذه الظاهرة في مصر ترجع إلى عام ١٠٩٢هجرية /١٦٨١م.
تاريخ العملات الفضية
كما ذكر الجبرتي أنه فيما بين عامي ١١٠٨و١١١٤هجرية /١٦٩٧-١٧٠٣م فشى أمر الفضة المقاصيص وقل وجود النقود الديوانية وإن وجد اشتراه الصاغة بسعر زائد وقصوه فتلفت بذلك أموال الناس وقد ترك هذا العمل بصماته على مسميات الشوارع بالقاهرة، إذ تحولت تسمية "عطفة الصاغة" إلى "عطفة المقاصيص" بسبب قيام الصيارفة اليهود بقص أنصاف الفضة فيها وترددت بدءا من عام ١١١٦هجرية التسمية الجديدة في وثائق المحكمة الشرعية وظلت لصيقة بهذه المنطقة إلى وقت دخول الفرنسيين.
وبعد تذمر التجار وأرباب الحرف من هذا الوضع تقرر في ذاك الوقت ضرب نقود فضية جديدة توزع على الصيارف بالقاهرة وينادي بإرسال المقاصيص وأن كل من كان معه شيء من المقاصيص يقوم بتسليمه لديوان المالية ويأخذ وزنها فضة من دار الضرب أو الصيارف، وكل من يتعامل بالمقاصيص يتحمل ما يحدث له وذلك في عهد السلطان مصطفى خان.
لكن الأمر لم يستمر طويلا حيث عادت المقاصيص للظهور خلال عام١٢٣هجرية /١٧١٤م ونودي مرة أخرى بإبطال العمل بها في شوارع القاهرة.
تاريخ النقود في مصر
وفي عام ١١٢٨هجرية ١٧١٩م اتفق أعيان مصر على إبطال المقاصيص وصدر في ذلك فرمان من والي مصر بأن المقاصيص أصبحت ممنوعة من التداول، ولكن تلك الأزمة تجددت مرة أخرى عامي ١١٣٤هجرية و١١٣٧ هجرية /١٧٢٠-١٧٢٣م حيث اضطرت السلطات إلى قبول التعامل بها حتى صدر عام١١٤٤هجرية /١٧٣٠م أمر الباشا بإرسال المقاصيص وقصر التعامل على النقد الديواني.
ولم يكد يمر عام حتى ثار العامة لكثرة تداول المقاصيص ليصدر من جديد عام١١٤٥هجرية /١٧٣١م قرار بمنع تداولها.
كما يشار إلى أنه خلال عهد السلطان عبد المجيد الأول والذي تولى الخلافة عام١٨٣٩م قامت الدولة العثمانية بإصدار الريالات الفضية وذلك في محاولة لوقف زحف العملات الفضية الأوروبية الثقيلة على أسواق الشرق.
ومن الطريف أن العملات العثمانية من الفضة كانت عرضة دوما للتزييف بواسطة "الزغلية" أو مزيفي العملة بعد انقراض العملة النحاسية من الفلوس.
ومن ناحيتهم قام الصيارفة مرة أخرى بقص الأنصاف الفضية إلى قطع مع ارتفاع أسعار الفضة وهو ما أدى إلى ظهور الأنصاف المقاصيص في مواجهة الأنصاف الكاملة أو الديوانية، وكان اليهود مرة أخرى في حارة الصاغة بالقاهرة هم أصحاب هذا الابتكار النقدي لتحقيق التوافق بين القيمة الجوهرية للأنصاف وقيمتها الشرائية، وقد ترك ذلك الإجراء أثرا لايمحى في الذاكرة الشعبية، حيث يقول المثل الشعبي المصري "العب بالمقصوص لما يجيك الديواني".
وقد ذكر أحمد تيمور باشا في كتابه الأمثال العامية في تفسيره لأصل هذا المثل أن المراد بالمقصوص هو الدينار الذي يقص منه، ولكن حوادث التاريخ تؤكد أن المراد بالمقصوص هو النصف فضة المنقوص والكامل منه هو الديواني.
ويشتهر شارع المقاصيص بتجارة الذهب بالجملة ويعتبر من الشوارع الأعلى سعرا داخل حارة اليهود.
أقرأ أيضا:
شاهد.. وثيقة عمرها 198 عامًا تكشف تفاصيل نقل شحنة أرز من رشيد إلى بولاق
حكاية الأمير المجنون الذي حاول قتل الملك فؤاد وهروبه من المصحة العقلية