في ذكرى عيد الميلاد المجيد.. المناسبات المسيحية انفتاح ديني تاريخي في السعودية
تستعد المملكة العربية السعودية لاستضافة قداس عيد الميلاد للمرة الثانية على التوالي، مما يعكس استعداد المجتمع للتواصل مع الديانات الأخرى والتمسك بقيم التسامح، وذلك في إطار جهود البلاد لنبذ التشدد الديني وتعزيز روح الانفتاح والتعايش الديني.
وعكس التقارب الملحوظ بين الرياض ومؤسسات دينية عالمية، والسماح بإقامة فعاليات دينية على الأراضي السعودية مؤخرًا، عكس بوضوح الزخم السريع الذي تتجه به المملكة نحو مزيد من الانفتاح وتعزيز التسامح، وذلك لمواجهة التشدد الديني بناءً على مبادئ وقناعات دينية، وليس مجرد نقل رسائل سياسية إلى الفاعلين الذين يهمهم هذا الأمر.
زيارات رجال الدين المسيحيين إلى السعودية
إن عملية تتبع زيارات رجال الدين المسيحيين إلى المملكة هي جزء من التعرف على علاقة المملكة بالأديان والتسامح الديني، والوقوف على تجربة فريدة لبناء مقاربة جديدة ومختلفة، منفتحة على العالم، ومنطلقة من مفردات التعايش والمصير المشترك ونبذ العنف.
وتعبر تلك التطورات عن بداية مرحلة جديدة في رؤية المملكة للعالم، وبناء علاقات أكثر تقدماً لدعم السلام والتعايش والقيم الإنسانية والمشتركة بين الدول والشعوب، انطلاقاً من إدراك لطبيعة التحديدات العالمية والجديدة مثل كورونا أو الإرهاب، والتي تتطلب تجاوز للقيم الجامدة والمعلبة التي تصطدم مع الآخر، وتوظف الدين للصدام بدلاً من حوار الحضارات.
تلك الرؤية تتسق، وتنطلق من الإرث السعودي الممتد، كركيزة العالم الإسلامي وقبلته، وما تؤكده من مباديء ومحددات سياستها الخارجية، والذي يغذيه تاريخ طويل من التقاليد والقيم الثقافية، تم تتويجه بعهد جديد ورؤية سعودية شاملة ضن استراتيجية متكاملة "رؤية 2030" يحتل فيها فكر الحوار والتسامح والتشارك مكانة متقدمة في فكر المملكة ورؤيتها لذاتها وللعالم.
ملامح الانفتاح والتسامح الديني في المملكة
تعمل الحكومة السعودية جاهدة على تعزيز مفهوم التسامح الديني كجزء من رؤيتها 2030، التي تهدف إلى تعزيز التنوع والتطور في مختلف جوانب البلاد.
وتتجه المملكة نحو التغييرات الدينية والاجتماعية والثقافية بوتيرة سريعة، مما يشير إلى نهج جديد يستند إلى تعزيز التسامح والتفاهم الديني والثقافي في السعودية.
وعلى الرغم من الطابع الإسلامي الأصيل، تضم السعودية مجتمعًا متنوعًا من الأديان الأخرى، وتعمل الحكومة على توفير الحماية والاحترام لحقوق الأقليات الدينية.
ويشهد الحوار الديني جهودًا متزايدة لتعزيز التفاهم بين ممثلين من مختلف الديانات، حيث تُنظم مناسبات ومؤتمرات لتبادل الآراء والمعرفة.
وتسعى السعودية إلى تعزيز روح التسامح والتعايش بين الأديان المختلفة، مما يؤدي إلى تغييرات في النهج تجاه الأديان الأخرى وتشجيع المحادثات والحوارات الدينية.
وتتجه الجهود نحو تحول مجتمعي أكثر انفتاحًا، مع التركيز على دعم الفعاليات الثقافية والاجتماعية التي تعكس تنوع المجتمع وتعزز التفاهم بين الثقافات المختلفة.
التحولات القانونية والمؤسسية في السعودية
تشهد السعودية تحولات هامة في مجال التعليم، حيث يتم تحديث مناهج التعليم للتركيز على التسامح والتعايش السلمي وتعزيز فهم الأديان المختلفة بشكل أفضل.
تتضمن التحولات القانونية في المملكة تغييرات في اللوائح ذات الصلة بالحقوق الدينية والحريات الدينية للأقليات، حيث يتم استكمال جهود إصلاح النظام القانوني لتعزيز التسامح وحقوق الأفراد.
على الرغم من التحول نحو التسامح الديني، تظل السعودية ملتزمة بالقيم الإسلامية في الحياة العامة والسياسات الحكومية. وتظل هذه القيم جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والدينية للبلاد، مع استمرار استخدامها كإطار لتوجيه الحياة الاجتماعية والسياسية.
هذه النقاط تعكس الجهود التي تقوم بها السعودية في إطار رؤيتها الطموحة 2030 لتعزيز التسامح الديني وبناء مجتمع أكثر تفهمًا وتسامحًا في مختلف الجوانب الاجتماعية والثقافية والتعليمية.
زيارة رئيس المجلس البابوي إلى السعودية.. انفتاح ديني تاريخي
في زيارة لمدة ستة أيام قضاها الكاردينال لوي توران، رئيس المجلس البابوي لحوار الأديان، في المملكة العربية السعودية، في عام 2018، جاءت في إطار انفتاح تدريجي بدأت المملكة في انتهاجه تحت حكم الملك سلمان بن عبد العزيز، وحظت الزيارة بردود أفعال عربية ودولية أبرزت مدى أهمية الزيارة ودلالاتها بالنسبة للمملكة.
وأكدت الزيارة حرص المملكة على المضي قدمًا في سياسات الانفتاح على الأصعدة كافة، حتى أكثرها حساسية وانتقادًا وهي مسألة كفالة حرية الأديان والتحاور ونبذ التطرف.
وبينت استعداد المملكة لترجمة سياساتها المعلنة إلى أفعال حقيقية، فاستقبلت للمرة الأولى في تاريخها مسؤولًا دينيًا رفيع المستوى.
وأعلنت المملكة تبني سياسة الانفتاح على أعلى المستويات القيادية عبر استقبال خادم الحرمين الشريفين بنفسه للكاردينال.
كيف نظر الإعلام السعودي إلى الزيارة؟
تغطيات وسائل الإعلام السعودية للزيارة ركزت على أهميتها ودلالاتها في محاربة التطرف والعنف، وأكدت على أن الزيارة تأتي في إطار جهود المملكة لتعزيز التسامح الديني وتحقيق الأمن والاستقرار العالمي والإقليمي. كما اهتمت وسائل الإعلام السعودية بمتابعة اللقاءات التي عقدها الكاردينال توران خلال زيارته، وعلى رأسها لقاؤه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
الزيارة ووسائل الإعلام العربية
تغطيات وسائل الإعلام العربية للزيارة ركزت على أنها مؤشرًا قويًا على سعي المملكة لنبذ التطرف، وأكدت على أن اللقاء بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والكاردينال توران هو خطوة مهمة في تعزيز الحوار الديني برعاية المملكة.
تعليقات وسائل الإعلام الإسلامية على الزيارة
أبرزت وسائل الإعلام الإسلامية الزيارة باعتبارها رمزًا لتحولات اجتماعية وثقافية وسياسية غير مسبوقة في المملكة العربية السعودية، حبث حرصت على قراءة الزيارة في سياق أوسع يبين مدى حرص المملكة على بذل جهود كبيرة نحو التسامح الديني والحوار بين الأديان، وربطت فيما بين استضافة الملك سلمان لرئيس المجلس البابوي واستقبال سموه لمسؤولين دينيين من مختلف الطوائف، بما في ذلك زيارة رئيس الكنيسة الإنجليكانية في لندن.
الزيارة وتغطيات وسائل الإعلام الدولية
تعاطت وسائل الإعلام الدولية مع الزيارة باعتبارها حدثًا تاريخيًا لم يسبق له مثيل، باعتبار الكاردينال لوي توران هو أول رجل دين رفيع المستوى يزور المملكة، كما احتفت بالزيارة بما تُمثله من دلالة على انفتاح سعودي كبير في مجال حوار الأديان.
واعتبرت وسائل الإعلام الدولية الزيارة مؤشرًا مهمًا على تحولات اجتماعية وثقافية إيجابية في المملكة، وحرصت على إبراز الزيارة كجزء من توجه سعودي شمل لقاءات متعددة برجال دين وزعماء مسيحيين ويهود.
كما عمدت بعض وسائل الإعلام الدولية إلى تسليط الضوء على الزيارة باعتبارها تحولًا إيجابيًا في التسامح لدى المملكة، ولكن حرصت على قراءتها في نطاق سجل المملكة "السيئ" في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة.
زيارة مطران شبرا الخيمة إلى السعودية.. انفتاح ديني وتنسيق إقليمي
في يناير من العام الماضي 2023، قام الأنبا مرقس، مطران شبرا الخيمة، بزيارة إلى السعودية، استمرت لمدة شهر، واختتمت بإقامة قداس ليلة عيد الميلاد المجيد. هذه الزيارة تمثل تطورًا مهمًا في العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر، وتعكس دلالات وتأثيرات كبيرة.
تعبر الزيارة عن اندماج وتناسق الرؤية السعودية مع المكون الإقليمي، بما يشكله من دعم وتطور على المستوى الإقليمي وبين دولتين عربيتين إسلاميتين يغلب عليهما المكون والطابع الإسلامي.
وتعكس الزيارة حرص المملكة العربية السعودية على تعزيز العلاقات مع دول المنطقة، بما في ذلك الدول ذات الأغلبية المسيحية، مثل مصر. كما تعكس الزيارة سعي المملكة إلى تعزيز التسامح الديني واحترام التنوع الديني في المنطقة.
ويحمل هذا التطور دلالة مهمة بالانتقال من البعد العالمي الدولي إلى التنسيق الإقليمي، وهو ما يزيد المعنى ويثبته، ويجعله أكثر قبولاً، وبخاصة في ظل عراقة الحالة الدينية المسيحية المصرية.
وتنتقل الزيارة من مستوى الحوار الديني العالمي إلى مستوى التنسيق الإقليمي، وهو ما يعكس مدى عمق العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر، ويعزز من فرص نجاح الحوار الديني بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة.
تناول وسائل الإعلام العربية للزيارة
ناولت وسائل الإعلام العربية زيارة الأنبا مرقس إلى السعودية، باهتمام كبير، وركزت على عدة نقاط رئيسية، حيث أبرزت مكانة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية، باعتبارها أكبر الطوائف المسيحية في مصر، وثالث أكبر طائفة مسيحية في العالم.
وأكدت على أهمية إقامة أول قداس لعيد الميلاد برعاية كاملة من سلطات المملكة، وهو ما يمثل سابقة في تاريخ السعودية.
كما ركزت على فكرة الانفتاحٌ غير المسبوق وفتح المملكة أبوابها للكنيسة المصرية، بما يؤكد وضوح وجدية توجه المملكة نحو تعزيز التسامح الديني.
وأشارت التغطيات إلى تاريخ ومحطات هذا التوجه ومظاهره الأساسية، وخاصة التركيز على لقاء كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، مع البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي، بالرياض في 14 نوفمبر 2017، خلال زيارة وُصفت حينها بـ"التاريخية".
تغطيات وسائل الإعلام الإسلامية للزيارة
ركزت تغطيات وسائل الإعلام الإسلامية على قوة الحدث والذي جاء بتكليف من البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
واهتمت بموقف الكنيسة من إبراز التعاون الكامل من السلطات السعودية وتقديم الشكر للسفير السعودي بالقاهرة على تسهيل إجراءات السفر.
تناول وسائل الإعلام الدولية للزيارة
نقلت وسائل الإعلام الدولية أجواء الزيارة التي كشفت مدى استعداد المجتمع للانفتاح على الديانات الأخرى ونبذ التشدد الديني، مع إبراز توقعات المتابعين بأن ذلك سينعكس إيجابياً على استقرار المنطقة ومدى انتشار التسامح.
وحللت التوقعات بأن ذلك سيكون خطوة نحو بناء كنيسة تمكن المسيحيين، من المقيمين في المملكة أو من زوارها، من ممارسة شعائرهم الدينية.
رسائل دعم الانفتاح الديني
ويرى مراقبون أن الزيارتين عكستا تحولًا إيجابيًا في المملكة وبعثتا برسالة واضحة إلى العالم بأن المملكة ملتزمة بتعزيز التسامح الديني، وبناء مجتمع أكثر تنوعًا واحترامًا.
ومن المتوقع أن تستمر السعودية في تعزيز التسامح الديني في المستقبل، وذلك من خلال اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تدعم التنوع الديني في المجتمع السعودي.
وعلى ضوء النجاح الذي حققته هذه الزيارة، والرضا العام عنها، والتناول الإيجابي من كافة وسائل الإعلام، يمكن أن تستنتج المملكة العربية السعودية أن الجميع لا يمانع من الانفتاح السعودي على الأديان، وأن هناك رغبة حقيقية في تعزيز التسامح الديني في المجتمع السعودي.