التكنولوجيا النووية للمنتجات الغذائية والزراعة
لا تقتصر التكنولوجيا النووية على إنتاج الطاقة الكهربائية، بل إن استخدامها أوسع من ذلك بكثير، حيث تلعب التقنيات النووية دورًا مهمًا في ضمان سلامة المنتجات الغذائية، وفي هذا المجال تعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لمساعدة الدول الأعضاء على استخدام هذه التقنيات بأمان وبشكل فعال.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر فإن أحد التطبيقات الرئيسية للتكنولوجيا النووية الحديثة هو تشعيع المنتجات الغذائية، إذ تمنح هذه الطريقة إمكانية مكافحة تلف الأغذية والكائنات الحية الدقيقة والآفات المسببة للأمراض الموجودة في المنتجات الغذائية دون تغيير درجة حرارة المنتج أو ترك بقايا كيميائية. وبالتالي تتيح هذه التقنية إطالة العمر الافتراضي للمنتجات الغذائية وضمان سلامتها وجودتها.
وفي السياق ذاته، تشير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) إلى أنه بعد سنوات من الأبحاث والدراسات ووضع معايير محلية ودولية، أصبح لدى أكثر من 60 دولة حول العالم لوائح تنظيمية وقواعد تسمح باستخدام التشعيع لقتل البكتيريا المسببة للأمراض، والحد من مخاطر الاصابة بالمرض عبر مصدر غذائي ومنع إصابة المنتجات الغذائية بالتلف. وهذا يسمح بحفظ الطعام لفترة أطول من الوقت، مع ضمان مستوى عالٍ من السلامة والجودة.
كما أن التشعيع يكافح بشكل فعال الآفات ويضمن سلامة الصحة النباتية للمنتجات الزراعية. في إشارة إلى إن الآفات الحشرية الطفيلية، مثل أنواع الذباب الطفيلية، يمكن أن تهدد النظم البيئية بأكملها وتشكل خطراً في الحفاظ على الحياة الحيوانية والتنوع البيولوجي على المدى الطويل.
وبحسب التقديرات الرسمية فقد ألحقت الآفات أضراراً بنسبة 40% من المحاصيل في جميع أنحاء العالم وتسببت في خسائر بقيمة 220 مليار دولار في عام 2021.
كل ذلك يساعد على منع نمو وتكاثر الحشرات والآفات الأخرى التي يمكن أن تهدد النظم البيئية والأمن الغذائي.
ووفقا للتقديرات الرسمية، تدمر الآفات ما يصل إلى 40% من محاصيل العالم وتسبب خسائر اقتصادية فادحة، أياً كان الأمر يستخدم الإشعاع أيضًا للسيطرة على انتشار الآفات، وفي هذا الصدد يتم استخدام الطرق التالية:
عقم الحشرات: تستخدم هذه الطريقة الإشعاعات المؤينة لتعقيم أعداد كبيرة من الحشرات المنتجة في المختبرات. ثم يتم إطلاق هذه الحشرات العقيمة في الطبيعة، وبما أن الحشرات البرية موجودة بالفعل في المنطقة والحشرات العقيمة غير قادرة على إنتاج ذرية، فإن عدد الحشرات يتناقص بمرور الوقت.
العقم الوراثي: تختلف هذه الطريقة قليلًا عن العقم المعروف للحشرات. وهذه الطريقة تتضمن تربية ذكور الحشرات، وتعقيمها جزئيًا، ثم إطلاقها في المنطقة المستهدفة، وبسبب قدرتها على التنافس على التزاوج مع العث، يتم استخدام طريقة العقم الوراثي، والتي تتمثل في استخدام جرعات أقل بكثير وأقل إضعافاً على ذكور الحشرات بحيث لا تحد من فرصها في التزاوج، ولكن في الوقت نفسه تجبر هذه الجرعات ذريتهم على المعاناة من العقم الوراثي، وهذا يحد من قدرة الحشرات البرية غير العقيمة على التكاثر مع الذكور، ولكن على عكس العقم الكامل، يسمح لبعض الذكور العقيمة بإنتاج ذرية. وبالتالي تستخدم هذه الطريقة في الحالات التي يكون فيها العقم الكامل عن طريق الإشعاع غير ممكن، المكافحة البيولوجية: وهي طريقة مكافحة تعتمد على التكاثر المكثف للكائنات الحية التي تعتبر بطبيعتها معادية للآفات، ومن ثم إطلاقها في البيئة لمكافحة تلك الآفات، مثل الحشرات المفترسة التي تتغذى على بيض ويرقات الآفات، أو أنواع من الحشرات المعروفة باسم الطفيليات. كما أن استخدام الإشعاع يجعل من الممكن تحسين نتائج طريقة التحكم هذه وتقليل عدد القيود المرتبطة بها.
وتعد هذه الطرق أساليب فعالة لمكافحة الآفات، وضمان سلامة الصحة النباتية للمنتجات الزراعية وتساهم في الحفاظ على النباتات والحيوانات والتنوع البيولوجي.
كما تلعب التكنولوجيا النووية دوراً فعالاً في مكافحة الأمراض الحيوانية العابرة للحدود والأمراض التي تؤدي إلى نفوق الحيوانات وإضعافها.
الأوبئة التي ظهرت في الآونة الأخيرة للأمراض الحيوانية المنشأ، مثل الإيبولا وأنفلونزا الطيور، لا تزال تشكل تهديدًا للصحة العامة، إلى جانب الأمراض الأخرى التي تقتل الحيوانات أو تجبرها على قتل أعداد كبيرة منها عبر الحدود الجغرافية، مما يؤدي إلى نفوق ملايين الحيوانات، مما تسبب في حدوث خسائر اقتصادية فادحة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حمى الوادي المتصدع، وحمى الخنازير الأفريقية، وطاعون المجترات الصغيرة، ومرض الحمى القلاعية، من بين الأمراض الأخرى.
إن استخدام التكنولوجيا النووية ساهم في تخليص العالم من الطاعون البقري في عام 2011، وكان أحد العناصر المهمة في هذا الإنجاز هو تطبيق التكنولوجيا القائمة على المقايسة المناعية - الاختبارات المصلية - في جميع أنحاء أفريقيا، وهذه التكنولوجيا وفرت منصة لرصد برامج التطعيم الوطنية في إطار برنامج اللقاحات الأفريقي.
وهذا الأمر مكن البلدان من استئصال الطاعون البقري وبالتالي إنقاذ الحيوانات من هذا المرض، مما أدى إلى تحقيق فائدة اقتصادية سنوية تقدر بنحو 920 مليون دولار أمريكي للمنطقة.
وكمثال عملي على استخدام التكنولوجيا النووية في مكافحة الأمراض الحيوانية، تعرضت مناطق شمال الكاميرون في أفريقيا للدمار في عام 2019 بسبب مرض فيروسي أصاب المجترات الصغيرة مثل الأغنام والماعز.
ونتيجة لذلك، فقد معظم السكان المحليين قطعانهم من الماشية، لكن هذه الحادثة أصبحت الآن قصة نجاح بفضل حملة التطعيم واسعة النطاق في إطار البرنامج العالمي للقضاء على طاعون المجترات الصغيرة.
وإن تحسين السلالات المحلية من خلال الانتقاء الوراثي يعتبر عنصراً حاسماً في حل مشكلة توفير الإمداد اللازم لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات الحيوانية، هناك صلة وثيقة بين تحسين الإنتاجية الحيوانية والحاجة إلى الحفاظ على التنوع الهائل للموارد الوراثية الحيوانية.، غالبًا ما تتكيف الأنواع والسلالات المختلفة بشكل مختلف مع الظروف البيئية القاسية مثل الجفاف أو الرطوبة أو البرد أو الحرارة المرتفعة.
أما فيما يتعلق بالمقايسة المناعية الإشعاعية للهرمونات في الحليب والدم وسوائل الجسم الأخرى باستخدام اليود-125 فهي تعتبرطريقة نووية متطورة ومستخدمة على نطاق واسع ويمكن تطبيقها بسهولة في المختبرات اللامركزية. حيث توفر هذه التكنولوجيا دعمًا فريدًا لتحسين نتائج خدمات الإخصاب في المختبر (IVF)، هنا لابد من الإشارة إلى إن العديد من مجموعات مقايسة الامتصاص المناعي المرتبط بالإنزيم المستمدة من المجال النووي باستخدام المقايسة المناعية الإشعاعية متاحة الآن للاستخدام التجاري، بما في ذلك مجموعات محمولة للاختبار على الحيوانات، بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام تشعيع الكوبالت 60 لإنشاء لوحات هجينة مشعة لرسم خرائط جينومات الماشية.
وتعتبر الأعلاف الحيوانية أحد الموارد الرئيسية اللازمة لإنشاء صناعة ثروة حيوانية صحية ومنتجة، إذ إن استخدام التكنولوجيا النووية يجعل من الممكن تحسين موارد الأعلاف وتحقيق المستويات المثلى لممارسات التغذية، وهو أمر مهم لحل مشكلة النقص الغذائي الحالي.
ويعتبر إنتاج الأعلاف أحد أنواع التكاليف الرئيسية في تربية الماشية والثروة الحيوانية ككل، ولكن هناك عوامل أخرى تؤثر على هذه المشكلة. على سبيل المثال، غالبًا ما يكون احتياطي الأعلاف المتاح محدود وتخضع للتقلبات من حيث الكمية والجودة، وتعاني العديد من المراعي الطبيعية أيضًا من زيادة أعداد الماشية وتدهور التربة والأراضي.
ونتيجة للأبحاث، أصبح بإمكان المزارعين استخدام أساليب أكثر ابتكاراً لتغذية الحيوانات باستخدام الموارد المحلية، مما له أثر إيجابي على الإنتاجية الحيوانية ويساعد في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.
تلعب شركة روساتوم الحكومية دورًا مهمًا في تطوير استخدام التقنيات النووية وتحسين جودة المنتجات الغذائية والزراعة.
وقد قامت شركة روساتوم بالشراكة مع الوكالة البوليفية للطاقة الذرية (ABEN)، بتركيب مفاعل أبحاث على ارتفاع 4000 متر، وبالفعل يتيح مجمع المفاعلات هذا، المجهز بمعدات روسية، لبوليفيا إجراء البحوث العلمية الأساسية والتطبيقية، مما يساهم في تطوير مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك صناعة الليثيوم.
الجدير بالذكر أن مركز أبحاث وتطوير التكنولوجيا النووية (CNTRD) في إل ألتو، بوليفيا، يعتبر مشروعًا مبتكرًا يستخدم أحدث التقنيات النووية في مجالات الرعاية الصحية والزراعة وغيرها من القطاعات، بالإضافة إلى ذلك، يستمر العمل على إنشاء مركز تشعيع متعدد الأغراض، ومن المقرر أن يكتمل المشروع في عام 2025، كما يضم المشروع مجمع مختبرات ومركز تشعيع متعدد الأغراض، حيث يتم معالجة المنتجات الزراعية من أجل تحسين الأمن الغذائي وتعقيم المنتجات الطبية.
بشكل عام، يلعب التحسين الوراثي للحيوانات والطرق المبتكرة الأخرى دورًا مهمًا في ضمان الإنتاج المستدام والفعال للمنتجات الحيوانية.
وهذه الطرق تتيح زيادة إنتاجية الحيوانات وصحتها وكذلك تحسين جودة المنتج وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض، وهذا أمر مهم لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات الحيوانية وضمان الأمن الغذائي.