مشروع المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي في الطريق نحو الشمس.. اعرف التفاصيل

روساتوم
روساتوم

مع ظهور أول محطة للطاقة النووية في مدينة أوبنينسك الروسية عام 1954، يمكن القول بأن البشرية دخلت عصر "الطاقة النووية"، وبالفعل بفضل محطات الطاقة النووية، أصبح بإمكان البشرية اليوم الحصول على مصدر طاقة نظيفة على نطاق واسع.

ومن حيث مبدأ العمل فإن محطات الطاقة النووية تعمل على أساس الانشطار النووي، حيث تنقسم نواة الذرة إلى نواتين أصغر أو أكثر من نواة، مما يؤدي إلى إطلاق الطاقة.

ومع ذلك، بالإضافة إلى الانشطار النووي، يمكن للاندماج النووي أيضًا أن يكون بمثابة مصدر للطاقة. ومع ذلك لا تزال تقنيات توليد الكهرباء على أساس هذا الاندماج في مرحلة الدراسة والبحث والتطوير التجريبي.

وهنا يشير الخبراء إلى أهمية هذا البحث للبشرية جمعاء، دعونا نلقي نظرة على هذه الدراسة.

وأثناء الاندماج النووي الحراري، تتحد نواتان خفيفتان من ذرتين لتكوين نواة واحدة أثقل، وهذه العملية تسبب إطلاق كميات هائلة من الطاقة. وتحدث التفاعلات النووية الحرارية في المادة عندما تكون في حالة البلازما – والحديث يدور عن غاز ساخن مشحون يتكون من أيونات موجبة وإلكترونات متحركة بحرية وله خصائص فريدة تختلف عن المواد الصلبة والسوائل والغازات.

ويشارك في التفاعل النووي الحراري نظائر الهيدروجين - غازات الديوتيريوم والتريتيوم، فهي تتطلب أقل قدر من التسخين لبدء عملية الاندماج، وهنا لابد من الاشارة إلى أن ذرات هذه الغازات تتباعد عن بعضها البعض عندما تتلاقى في الظروف العادية، لكن عند درجات الحرارة المرتفعة - من 150 مليون درجة مئوية، تتحول إلى حالة البلازما، وتتحرك نواتها بسرعة كبيرة وتحمل طاقة كافية للتغلب على حالة التنافر المتبادل.

وفي هذه الحالة، تندمج هذه النويات الخفيفة في نوى أكبر وأثقل، مما يؤدي أيضًا إلى إطلاق الطاقة، حيث يطلق على امتزاج النوى الخفيفة بالاندماج، وتسمى الطاقة المنبعثة خلال هذه العملية بالطاقة النووية الحرارية، ولكي نفهم ها الموضوع نشير إلى إن عمليات مماثلة تحدث في ظل درجات حرارة وضغوط هائلة باستمرار في أعماق النجوم، على سبيل المثال، داخل الشمس.

ويعود تاريخ البحث في مجال الاندماج النووي الحراري إلى الثلاثينيات، ومنذ ذلك الحين، لم يتخل العلماء عن محاولات إحياء ما يسمى بـ "الشمس الصغيرة" في ظل ظروف الأرض.

ولكن بالفعل من الناحية العملية، يواجه تنفيذ الاندماج النووي الحراري الخاضع للرقابة على الأرض العديد من التحديات العلمية والهندسية، ومع ذلك، إذا تم التغلب على هذه التحديات، فإن الأبواب أمام الحصول على مصدر طاقة لا ينضب وصديق للبيئة للأجيال القادمة ستكون مفتوحة.

وإذاً يعتبر الاندماج النووي الحراري مصدرًا محتملاً للطاقة يمكن الحصول إليه استنادًا إلى استخدام الديوتيريوم والتريتيوم، وهما نظائر الهيدروجين الثقيلة، وإن احتياطي الديوتيريوم، الذي يستخدم كوقود، لا تنضب عملياً لأنه موجود في مياه المحيطات ومن غير المرجح أن تتمكن البشرية من استهلاكه بالكامل.

وبحسب البيانات الواردة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2010، فإن "الديوتريوم الموجود في لتر واحد من الماء يمكن أن ينتج طاقة تعادل ما ينتجه حرق 300 لتر من النفط". وهذا يشير إلى أن المحيطات تمتلك احتياطي هائل من الديوتيريوم، قادر على تلبية احتياجات البشرية من الطاقة لملايين السنين.

هناك عنصر آخر وهو التريتيوم، غير موجود عملياً على الأرض. ولكن توجد اليوم تقنيات لإنتاج التريتيوم عن طريق تشعيع الليثيوم -6 بالنيوترونات. ونظرًا لأن احتياطي الليثيوم-6 كبير جدًا، ولا يلزم سوى كمية صغيرة منه لتحويله إلى التريتيوم، أي مئات الكيلوغرامات، فيمكن اعتباره أيضًا مصدرًا لا ينضب تقريبًا للوقود. من الناحية النظرية، يتم استخدام بضعة غرامات فقط من هذه الكواشف يمكن إنتاج تيراجول واحد من الطاقة، وهو ما يعادل تقريبًا الطاقة التي يحتاجها شخص واحد في دولة متطورة لمدة ستين عامًا.

وأحد عيوب الانشطار النووي هو تشكل النفايات المشعة التي يجب جمعها والتخلص منها، وبهذا المعنى، يكون الاندماج النووي الحراري الذي يمكن التحكم فيه أكثر نقاوة، حيث أن منتجاته هي جسيمات ألفا والنيوترونات، تتمتع جزيئات ألفا بقدرة اختراق ضعيفة جدًا - حتى قطعة من الورق يمكنها إيقافها.

في حين أن النيوترونات، على الرغم من أن لها تأثير مؤين، غير قادرة على اختراق عمق الفولاذ المقاوم للصدأ الذي تُصنع منه غرفة التفريغ، بحد أقصى متر، وفي الوقت نفسه تحتوي النفايات الناتجة عن الاندماج النووي الحراري على نشاط إشعاعي أقل وتتحلل بشكل أسرع بكثير.

دعونا لا ننسى أن الاندماج النووي الحراري لا ينتج غازات دفيئة تؤثر على تغير المناخ العالمي. وهذا يجعل الاندماج مصدرًا مثاليًا للطاقة لتقليل الاعتماد على محطات توليد الطاقة التقليدية التي تعمل بالفحم والغاز، والتي تنبعث منها مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كل عام، مما يساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.

الجدير بالذكر أن الانجاز الحقيقي في تطوير التعاون في مجال الاندماج النووي الحراري حدث في عام 2007، عندما تم البدء في بناء المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي في فرنسا، وهذا المشروع الطموح، الذي تبلغ تكلفته أكثر من 44 مليار يورو، يهدف إلى إظهار إمكانية الاستخدام التجاري لطاقة الاندماج النووي الحراري.

وتشارك 35 دولة في مشروع المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي ويجسد المشروع فكرة التعاون الدولي الحقيقي في إشارة إلى إن المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي يمثل تعاوناً واسع النطاق يشمل 3 قارات وأكثر من 40 لغة ونصف سكان العالم و85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ولقد أظهرت عملية تدقيق جرت مؤخراً أن أشخاصاً من 90 دولة، بما في ذلك جميع المقاولين، يعملون في موقع المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي ويجسد المشروع أيضاً روح التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، في إشارة إلى إن فكرة تشييده نشأت خلال لقاء جمع بين رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف في عام 1985.

ويشار إلى إن الاتحاد الأوروبي يقوم بتمويل ما يقرب من نصف تكاليف مشروع المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي وينسق مشاركته من خلال وكالةFusion 4 Europe ومقرها برشلونة، كما يساهم المشاركون الرئيسيون الآخرون في المشروع، مثل الهند واليابان والصين وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بنسبة 9% في الميزانية العامة للمشروع.

وإذا ما تم تقييم المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي الذي يبلغ وزنه 23000 طن وارتفاعه حوالي 30 مترًا فإنه سيكون مهيباً من حيث الحجم، حيث سيقع مفاعل الاندماج النووي هذا في وسط المجمع الذي تبلغ مساحته 180 هكتارًا، إلى جانب المرافق والمعدات الداعمة.

وفيما يتعلق بالنواة الأولى وأساس هذا المشروع فهو نظام توكاماك (حجرة حلقية ذات لفائف مغناطيسية) الذي طوره علماء الاتحاد السوفيتي - الحائزان على جائزة نوبل، إيغور تام وأندريه ساخاروف، وبالحديث يدور عن حجرة مفرغة حلقية على شكل كعكة مع لفائف ملفوفة حولها لإنشاء مجال مغناطيسي حلقي، ويتم سحب الهواء أولاً من حجرة التفريغ ثم يتم ملؤه بخليط من الديوتيريوم والتريتيوم. بعد ذلك - باستخدام المحث (الملف الكهربائي) - يتم إنشاء مجال كهربائي دوامة في الحجرة. وهذا المجال يتسبب في تدفق التيار وإشعال البلازما في الحجرة. وبسبب المجال المغناطيسي، يتم الاحتفاظ بالبلازما في "الحلقة".

كما تقوم روسيا بتصنيع وتوريد 25 نظاماً من المعدات المتطورة ذات التقنية العالية لمشروع المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي. وفي شهر شباطفبراير 2023، قامت روسيا بتسليم ملف المجال البولويدي. هذا هو أكبر وأهم المكونات التي سيتم تركيبها، الذي تم تطويره وإنتاجه في روسيا، وهو يعمل على احتواء البلازما في المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي.

وبدأ في شهر أغسطس اختبار نموذج أولي واسع النطاق للوحة الجدار الأولى للمفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي، إذ تعد ألواح الجدار الأول للمفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي من بين المكونات الأكثر تعقيدًا من الناحية الفنية. وعلى الرغم من أن التيار الرئيسي للبلازما الملتهبة في التوكاماك يُحتجز على شكل حلقة بواسطة خطوط المجال المغناطيسي، إلا أن جزءًا صغيرًا منه على شكل تيار عالي الطاقة من الجسيمات المشحونة لا يزال بإمكانه اختراق جدران الحجرة - ويجب أن تكون، قدر الإمكان، مقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة وغير نشطة كيميائيًا، وإلا فإن المساحة الداخلية للتوكاماك ستصبح بشكل سريع ملوثة برذاذ الذوبان وأبخرة جدرانها الناتجة عن تسرب البلازما، كما تتكون كل لوحة من الجدار الأول للمفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي، التي تزن 800 كغ، من 40 ما يسمى إصبعًا، وهي بنية معقدة متعددة الطبقات من مكعبات البريليوم.

وخلال السنوات الأخيرة، أصبح التعاون الدولي النشط عنصراً أساسياً في تطوير وتنفيذ تقنيات الاندماج النووي.

ويُعَد مشروع المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي، وهو مشروع يوحد جهود متعدد البلدان، مثالاً على الكيفية التي يمكن بها للشراكات العالمية أن تعمل على تسريع إحراز التقدم العلمي والتكنولوجي في مجال الطاقة النظيفة والفعالة.

وتُظهر روسيا، التي تقدم مساهمة كبيرة في المشروع، دورها كواحدة من الدول الرائدة في هذا المجال من خلال تقديم وتوفير المكونات المهمة والخبرات اللازمة. ومع تحرك العالم نحو مستقبل من الطاقة المستدامة، فإن مبادرات مثل المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي تلعب دورًا حاسمًا في ضمان أمن واستدامة أنظمة الطاقة العالمية.

تم نسخ الرابط