اعتبره البعض عيباً.. تعرف على أعظم شرف للسيد المسيح

المسيح عليه السلام
المسيح عليه السلام

أكد القرآن الكريم أن المسيح عليه السلام والملائكة المقربون عباد لله عز وجل، ولن يستنكفوا عن عبادته سبحانه َتعالى، يقول الله عز وجل "لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)" سورة النساء.

وأشار الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله، خلال حلقة مسجلة من برنامج (مع القرآن الكريم) بإذاعة القرآن الكريم، إلى أن في هذه الآيات الكريمة بين الله عز وجل أن المسيح عيسى عليه السلام إنما هو عبد من عباد الله سبحانه وتعالى، وأنه لن يأنف ولن يمتنع عن عبادة الله عز وجل ولا عن الإذعان لأوامره ولن يستنكف أن يكون عبدا لله عز وجل ، وقد روى المفسرون فى سبب نزولها (أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تعيب صاحبنا يا محمد؟ قال:" ومن صاحبكم؟" قالوا: عيسى، قال صلى الله عليه وسلم:" وأى شئ قلت"؟ قالوا تقول: إنه عبد الله ورسوله. قال صلى الله عليه وسلم:" إنه ليس بعار أن يكون عبداً لله ") .

والمعنى: لن يأنف المسيح ولن يمتنع عن أن يكون عبداً لله، وكذلك لن يستنكف الملائكة المقربون عن أن يكونوا عبادا لله عز وجل ولا عن عبادته وطاعته؛ ذلك لأن عبادة الله عز وجل شرف ليس بعده شرف، ويقول الله عز وجل"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)".

وتابع بقوله إن افتتاح الآية ب"لن" يفيد النفي المؤبد والمؤكد لاستنكاف المسيح والملائكة المقربين عن عبادة الله عز وجل، لأن الله عز وجل هو خالق الخلق جميعا وهو رازقهم سبحانه وتعالى، بل ويجب أن يشعروا بالسعادة والعزة والشرف لعبادتهم لربهم سبحانه وتعالى، فالآية الكريمة إنما تفيد معنى الثبوت والتشريف لأولئك المؤمنين الذين لا يعبدون سوى الله عز وجل.

وفي قوله سبحانه وتعالي"وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)"، هدد الله عز وجل من يمتنع عن عبادته والخضوع لطاعته عز وجل، َوالمعنى أن من يستنكف ويستكبر عن عبادته سبحانه َتعالى فسيجد يوم القيامة عذابا أليما جزاء على استكباره، حيث يكون مرد الناس جميعا إلي الله عز وجل ويحشرون جميعا يوم القيامة، وسيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، والدليل على أن جميع الخلق سيحشرون الضمير في قوله عز وجل" فَسَيَحْشُرُهُمْ" حيث يعود إلى المسستنكفين والمؤمنين لأن الحشر عام للمؤمنين وللكافرين، والدليل ما جاء في الآيات الكريمة من التفصيل المفرع في قوله عز وجل" فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) "، أي أن مرجع الناس جميعا إلي الله عز وجل، فمن استنكف عن عبادته عز وجل له عذاب أليم ولن يجدوا من دون الله عز وجل من ينصرهم أو يدفع عنهم العذاب، أما من آمن ولم يستنكف عن عبادة الله عز وجل فله أجره ويزيده الله عز وجل رضا وفضلا.

و أوضح الدكتور محمد سيد طنطاوي أنه بعد هذا التهديد والتبشير والترغيب والترغيب، وجه ربنا سبحانه وتعالى نداء عاما إلى الناس جميعا، حيث أمرهم باتباع الحق، في قوله سبحانه وتعالى"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)"، والمراد بالبرهان الدلائل والمعجزات التي تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه عز وجل، و صح أن يكون المراد بالبرهان النبي صلى الله عليه وسلم وسماه الله عز وجل بذلك لما أعطاه سبحانه وتعالى من دلائل تشهد بصدق نبوته صلى الله عليه وسلم ، وأما المراد بالنور المبين، فهو القرآن الكريم، وقول الله سبحانه وتعالى"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ" لتوضيح أن الله عز وجل، من أنزل القرآن الكريم إشعار بكمال اللطف وللمبالغة في إبطال افتراءات المفترين.

ثم جاء وصف الشرائع والمواعظ والعبر التي اشتمل عليها القرآن الكريم بالنور المبين، لما فيها من حق لا يخفى صدقه إلا عمن طمست بصيرته.

وأضاف أن في قول الله عز وجل"فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)"، أثنى الله سبحانه وتعالى علي الذين اهتدوا و آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله عز وجل إلى الناس جميعا، فمنهم من اهتدى، ومنهم من ضل ، وأن الذين آمنوا واهتدوا فسيدخلهم سبحانه وتعالى في رحمته ويهديهم ، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

تم نسخ الرابط