بشارة واكيم.. حبيبته هجرته بسبب الفن ومارى منيب رفضت الزواج منه.. عائلته رفضت عمله فى التمثيل وأصيب بالشلل قبل وفاته

بشارة واكيم
بشارة واكيم

رحل فى مثل هذا اليوم من عام 1949، الفنان الكبير بشارة واكيم والذي ولد في الخامس من شهر مارس وذلك في عام 1890، فى حي الفجالة بالقاهرة واسمه الحقيقي هو بشارة إلياس يواقيم، درس في مدارس الفرير الفرنسية في باب اللوق ثم التحق بعد ذلك بكلية الحقوق وتخرج منها بدرجة الليسانس وقد تم ترشيحه إلى منحة دراسية لدراسة الحقوق في فرنسا، ولكن الأمور لم تكتمل بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى.

عمل بشارة وكيم محامي في المحاكم المختلطة وذلك باللغة الفرنسية وبعد عامين قرر خلع روب المحاماة واتجه إلى التمثيل، وكان يتقن اللهجة الشامية لدرجة أن الجمهور كان يعتقد أنه ليس مصري وأنه ينتمي إلى بلاد الشام وذلك لأنه قدم أكثر من دور باللهجة الشامية.

رفضت أسرته اتجاهه إلى الفن رغم عشقه له فقد كان والده تاجر أقمشة معروف انتشرت تجارته بين مصر وبلاد الشام ورغم حبه الشديد للفن إلا أن مصر كانت وقتها مجتمع محافظ ينظر لمهنة التمثيل أنها مهنة سيئة السمعة.

بدأ حياته الفنية مع فرقتي عبد الرحمن رشدي وجورج أبيض، حسب مذكرات المسرحي الكبير سمير خفاجي.

عمل بعد ذلك مع الفنان يوسف وهبي في فرقة رمسيس، وكونا ثنائيا كوميديا جعل الفرقة من أكثر الفرق المسرحية رواجا.

كما عمل كذلك مع الفنانة منيرة المهدية، إحدى أشهر فنانات مصر آنذاك، و رفضت عائلته تركه للمحاماة وعمله في الفن ببداية مشواره، فعندما انضم إلى فرقة جورج أبيض اضطرته أحد مشاهد التمثيل إلى حلق شاربه، وطرده أخيه الأكبر من المنزل لأنه رأى أن بشارة واكيم تخلى عن رمز الرجولة ليعمل مشخصاتي، فاضطر للمبيت بأروقة المسرح.

الفنان بشارة واكيم الذي عاش حياته حتى أتم تسع وخمسون عاماً، كان وحيداً وزاهداً في الزواج، فهو لم يتزوج أو يكون أسرة فبعد أن وقع في حب فتاة تسكن بالقرب منه أو “ابنة الجيران” كما قيل، كانت أول صدمة في حياته فقد رفضت الارتباط به وذلك بعد معرفتها أنه سوف يترك مهنة المحاماة ويتجه إلى العمل في التمثيل والفن، ثم أحب الفنانة ماري منيب ولكنها لم تبادله نفس الشعور وتزوجت من رجل آخر، هذه الصدمة الثانية سببت له حالة عداء بينه وبين الجنس الآخر وعزف عن فكرة الزواج نهائياً واعتبر أن إرثه الذي تركه هو الفن الذي قدمه خلال مسيرته الفنية.

بلغ العداء بينه وبين السيدات أقصاه وذلك عندما كتب في مقال يقول: “لن أتزوج ولو شنقوني”، وتابع الفنان الأعزل قائلاً: “قد يكون الزواج نعمة، وحاجة حلوة صحيح، لكن الذي رسخ في ذهني منذ الصغر عن الزواج جعلني أكش منه، كما يكش موسوليني من سماع صوت تشرشل في الراديو، كانت والدتي كلما غضبت علي دعت علي وقالت: “روح إلهي يبتليك بجوازة تهد حيلك”، ومنذ ذلك الحين وأنا أرى في الزواج مصيبة أو نكبة يبتلي الله بها المرء لكي يودع معه أيام الهدوء والصفاء وراحة البال ويدخل في دور العكننة”، وترك ذلك الصدام آثار داخل نفس الفنان بشارة واكيم مما دفعه إلى ترك منزل والده والانتقال للعيش في بيت أخته الأرملة ومن هنا عاش تجربة أن يكون أب فقد ساعد في تربية أبناء شقيقته بعد وفاة والدهم واعتبرهم أبنائه وأوصى بكل ثروته لهم.

يعتبر واكيم من أوائل النجوم الذين عملوا في السينما المصرية، بدايةً من الفيلم الصامت "برسوم يبحث عن وظيفة"، و قدّم أول بطولة مطلقة عام 1942 من خلال فيلم "لو كنت غني" للمخرج هنري بركات.

قدّم العديد من الأفلام خلال فترتي الثلاثينيات والأربعينيات منها: (بسلامته عايز يتجوز، الباشمقاول، لو كنت غني، انتصار الشباب، العريس الخامس) وغيرها، وشارك واكيم في عدد كبير من أفلام نجيب الريحاني، ومنها "لعبة الست، وليلى بنت الفقراء، وقلبي دليلي، وغرام وانتقام".

أتقن واكيم اللغة العربية، وتعلمها عن ظهر قلب من القرآن الكريم، بالرغم من أنه قبطي، حيث اعتنق وجهة نظر تقول، إن من يريد أن يتثقف في اللغة العربية يجب أن يحفظ القرآن الكريم ويفهم معاني آياته، وهو ما فعله.

الفنان بشارة واكيم عرف عنه أنه كان يحتفل بشهر رمضان مع زملائه الفنانين المسلمين، كما أنه أتقن اللغة العربية وتعمق في الثقافة الإسلامية وحفظ القرآن الكريم، اعتاد على قضاء السهرات الرمضانية مع صديقه الفنان حسين رياض والذي كان يلعب معه الكونكان والدومينو حتى وقت السحور وهي عادته التي لم تنقطع.

كان يتقن اللهجة الشامية ببراعة، حتى اعتقد البعض أنه ولد لأصول شامية لكن حقيقة الأمر إنه كان دائم الاختلاط والصداقات بجيرانه الشوام بالفجالة، كما كان دائم السفر للشام، ما أكسبه اللهجة بسهولة، كان يهوى القراءة ولديه موهبة نظم الشعر الموزون، وقد ألح عليه الفنان أنور وجدي بطباعة ديوانا لأشعاره لكنه رفض، معللا ذلك بأنه يكتب الشعر لنفسه فقط.

أعادت الفنانة شادية بسببه أحد مشاهدها في فيلم "العقل في أجازة" أكثر من 20 مرة، وحكت عن ذلك في حوار لمجلة "الكواكب" عام 1954، وقالت إنها كان من المفترض أن تبكي في مشهد يجمعها ببشارة واكيم، ولكن في كل مرة كانت لا تتمالك نفسها من الضحك بسببه، في حين أن المشهد كان تراجيديا، ولكن الفكاهة كانت تغلب على أدائه فلا تستطع مقاومة الضحك، وتضيف: "بعد إعادة المشهد أكثر من 20 مرة، ترك بشارة واكيم نفسه على طبيعتها دون أن يتكلف تمثيل الغرام وبهذا تم تصوير المشهد".

في أثناء قيامه بتمثيل دور في مسرحية "الدنيا لما تضحك" مع نجيب الريحاني، تعرض بشارة لوعكة صحية، فارتفع ضغط دمه وانحبست انفاسه، وعندما تأزمت حالته الصحية، طلب منه نجيب الريحاني أن يستريح قليلا، فلم يتقبل بشارة، واستمر في العمل حتى انهار يوما مما استدعى حجزه داخل المستشفى، ولكنه أقنع الطبيب إذا تركوه يذهب إلى المسرح يوميا للفرجة فسوف تتقدم صحته، وبالفعل سمحوا له بالذهاب إلى المسرح يوميا لمدة ساعة واحدة، وتحسنت حالته الصحية.

شارك في أكثر من 100 فيلم بالسينما المصرية، وكان آخر أعماله فيلم "حلم ليلة" من تأليف وإخراج صلاح بدرخان، استمر في العمل بالمسرح حتى بعد إصابته بالشلل إلى أن اعتزل العمل الفني في عام 1949.

يقول سمير خفاجي في مذكراته عن نهاية بشارة واكيم: "ذهبت إلى مسرح أوبرا لمشاهدة بشارة واكيم، وما أن ظهر حتى قوبل بعاصفة من التصفيق، فبشارة له رصيد جماهيري كبير جدا.. وبدأ التمثيل فكان صوته واهنا جدا، لا يكاد يسمعه الجمهور، وفمه معوجا قليلا فقد كان به أثر الشلل، وما هي إلا دقائق على ظهور الفنان الكبير حتى تعالت أصوات الجماهير: (صوت.. صوت.. مش سامعين حاجة).. ظهر التأثر علي الفنان الكبير وتجمدت الدموع في عينه، وهو يحاول أن يرفع صوته، وقال بعد ذلك: لقد أضحكت الجماهير ربع قرن ومع ذلك لم تستطع أن تتحملني ربع ساعة في ضعفي.. لم يحتمل الفنان العظيم هذه الهزيمة وهذه النهاية المؤلمة، ولم تنقضي إلا أيام قليلة إلا ومات الفنان الكبير قهرا وكمدا لما وصل إليه، وكتبت الصحف والمجلات خبر موته بصورة عابرة ولم تحدث الضجة الكبيرة بموته، كالضجة التي صاحبت موت الريحاني، سألت السيدة ماري منيب عن أن الأستاذ بشارة واكيم لم يأخذ حقه فقالت لي: لو أن بشارة مات قبل الريحاني لاختلف الوضع، الكبير مات!".- توفي بشارة واكيم بعد أشهر من إصابته بالشلل في 30 نوفمبر عام 1949، وهو يقرأ مسرحية جديدة كان من المقرر أن يشارك في أحداثها، عن عمر يناهز 59 عاما.

تم نسخ الرابط