المقاطعة شوهت تاريخ الدورات الأولمبية لكنها لم تسفر عن تغييرات
على مدار تاريخها العريض ، تأثرت الحركة الأولمبية وابتليت منذ بدايتها بالسياسة ولكن المقاطعة لم تنجح أبدا في منع إقامة الدورات الأولمبية أو تغيير مواعيد إقامتها كما لم تنجح في تغيير الأوضاع السياسية التي حدثت من أجلها.
وشاركت المجر على سبيل المثال ببعثة مستقلة في أولى الدورات الأولمبية في العصر الحديث ، وهي الدورة التي استضافتها العاصمة اليونانية أثينا عام 1896 ، رغم كون المجر آنذاك جزءا من الإمبراطورية النمساوية المجرية.
وبرر الفرنسي بيير دي كوبيرتان مؤسس الدورات الأولمبية الحديثة ذلك بقوله :"السياسات الجغرافية الأولمبية التي تبطل سيادة الدولة".
ولكن الوحدة الأولمبية تلاشت بالفعل عندما حرم الخاسرون في الحرب العالمية الأولى ألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا وتركيا بقرار حكومي من المشاركة في أولمبياد 1920 في أنتويرب ببلجيكا كما حرمت ألمانيا من المشاركة في أولمبياد 1924 بباريس.
وحدث الشيء نفسه بعد الحرب العالمية الثانية حيث حرمت ألمانيا واليابان من المشاركة في أولمبياد لندن 1948 .
واستغل الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر أولمبياد برلين 1936 كوسيلة لاستعراض مبادئ النازية والدعاية لها.
وقال سيجفريد إدشتورم رئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك إن المقاطعات بدأت من عام 1952 فصاعدا خلال سنوات الحرب الباردة "بعد أن أدت مشاركة الاتحاد السوفيتي إلى تسييس الدورات الأولمبية".
وفي عام 1956 ، قررت كل من إسبانيا وهولندا وسويسرا عدم المشاركة في أولمبياد ملبورن بسبب القمع السوفيتي الوحشي للثورة الشعبية في المجر.
كما قاطعت مصر والعراق ولبنان الدورة الأولمبية نفسها احتجاجا على مشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر.
أما أكثر الفصول المظلمة في تاريخ الدورات الأولمبية فكان عام 1972 عندما هاجم متشددون فلسطينيون مقر البعثة الإسرائيلية المشاركة في أولمبياد ميونخ وقتلوا اثنين من أفراد البعثة.
وبعدها ، لقى تسعة آخرون من الرهائن الإسرائيليين حتفهم بالإضافة لأحد رجال الشرطة الألمانية وخمسة من المتشددين الفلسطينيين بسبب التنفيذ الخاطئ لعملية الإنقاذ من قبل الشرطة الألمانية.
وأكد أفري برونداج رئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك خلال مراسم الحداد ، التي أقيمت في الاستاد الأولمبي بميونخ ، : "يجب أن تستمر الدورة".
وغادرت 28 دولة أفريقية مونتريال قبل حفل افتتاح أولمبياد 1976 مباشرة احتجاجا على رفض اللجنة الأولمبية الدولية استبعاد نيوزيلندا من المشاركة في الدورة بسبب زيارة المنتخب النيوزيلندي للرجبي إلى جنوب أفريقيا الموقوفة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية ذاتها عن المشاركة في الدورات الأولمبية ما بين عامي 1964 و1988 نتيجة سياسة الفصل العنصري التي انتهجتها حكومة جنوب أفريقيا.
وبعدها بأربع سنوات فقط ، قادت الولايات المتحدة 42 دولة لمقاطعة أولمبياد موسكو 1980 بسبب الغزو السوفيتي لأفغانستان بينما انقسمت دول الغرب حول هذا الشأن حيث قررت بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى المشاركة في تلك الدورة.
ولم يكن غريبا أن يرد الاتحاد السوفيتي ومعظم حلفائه على ذلك بمقاطعة أولمبياد لوس أنجليس 1984 وإن شاركت كل من رومانيا والصين حيث وجدت الصين استقبالا مدهشا في أول مشاركة لها بالدورات الأولمبية.
ورغم ذلك ، لم ينسحب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان بسبب مقاطعة الولايات المتحدة لأولمبياد 1980 كما استمرت سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لأكثر من عقد من الزمان بعد أولمبياد 1976 .
ولم تشهد الدورات الأولمبية بداية من أولمبياد سول 1988 فصاعدا أي مقاطعة كما لم تعلن أي دولة مقاطعتها لأولمبياد بكين 2008 رغم قضية إقليم التبت ومخاوف أخرى أحاطت باستضافة الصين لهذه الدورة بسبب حقوق الانسان.
وقال داريل سيبيل المتحدث باسم اللجنة الأولمبية الأمريكية في مارس 2008 إن المقاطعة الأولمبية تعتلي قمة قائمة أسوأ الأفكار ، مشيرا إلى أنها "إلى جانب مساهمتها في العقاب الظالم للاعبين لم تسفر عن أي شيء".