الغش والبطولة .. وجهان للعملة الأولمبية على مر العصور
كانت البطولة والغش حاضرين في دورات الألعاب الأولمبية بالعصر القديم كما هو الحال الآن في أولمبياد العصر الحديث.
فربما يكون ميلو الكروتوني أو أريخيون من فيجاليا أو الإمبراطور الروماني نيرون قد ذهبوا طي النسيان الآن ولكن أسماءهم ظلت مرتبطة بالخير والشر في الألعاب الأولمبية القديمة كما هو الحال الآن مع رياضيين معاصرين مثل كارل لويس أو بن جونسون.
في تلك الأيام السالفة ، كانت المدن تحتفل بأبطالها بمنحهم الهدايا النقدية وإعفائهم من الضرائب وكانوا موضوعات للوحات الفنية والأغاني.
ولكن ليس جميع الرياضيين كانوا قادرين على مقاومة سحر المتع المادية ولم تكن قضايا الرشوة قليلة آنذاك.
فقد دفع الملاكم إيوبولوس من تيسالي رشوة لثلاثة من خصومه في عام 388 قبل الميلاد. وعندما افتضح أمره ، اضطر لدفع غرامة باهظة تعادل تكلفة ستة تماثيل بالحجم الطبيعي لكبير الآلهة ، زيوس.
وكانت هذه التماثيل التي تحمل أسماء الملاكمين الذين ارتكبوا فعلا مخزيا توزع على طول الطريق إلى الاستاد لتثني اللاعبين الآخرين عن تكرار مثل هذه الأفعال.
وتم اكتشاف قواعد 17 تمثالا من هذه التماثيل في مدينة أولمبيا العتيقة.
وتتجسد القصة المناقضة في ميلو ، وتعكس رمز البطل الأولمبي الذي يتمتع بكل من الشهرة والثروة. فقد كان ملك المصارعة القديمة.
وقدم هذا المصارع القادم من مستعمرة كروتون الإغريقية ، مدينة بجنوب إيطاليا حاليا ، دلائل قدرته في عام 540 قبل الميلاد عندما فاز بالنسخة الشبابية من الألعاب الأولمبية.
وبعدها فيما بين عامي 532 و516 قبل الميلاد فاز ميلو بالحدث نفسه في الأولمبياد الأساسي خمس مرات متتالية.
وتقول الأسطورة إن ميلو كان بطل حرب أيضا ، بل وتصوره هذه الأسطورة كالأبطال الخرافيين بما أنها تشير إلى أنه كان يحارب مرتديا جلد أسد ليبدو مثل البطل الذي لا يقهر هرقل وأنه جعل جميع أعداء كروتون يولون الأدبار.
أما أريخون فقد كان البطل المأساوي للأولمبياد. فقد دفع البطل القادم من مدينة فيجاليا حياته ثمنا للقبه الثالث في رياضة البانكراتون ، وهي مزيج عنيف من رياضتي الملاكمة والمصارعة ، حيث اختنق حتى الموت في اللحظة التي أعلن فيها خصمه استسلامه لأنه لم يعد قادرا على احتمال آلام إصبع قدمه المكسور. وحقق أريخون الفوز ولكنه لم يتمكن من الاحتفال به سوى بصحبة الآلهة !
وبناء على طلب نيرون ، قام الإغريق بتأجيل انطلاق إحدى الدورات الأولمبية لمدة عامين حتى عام 67 ميلاديا.
وقدموا خلال هذه النسخة فقط من الأولمبياد ، وبناء على أوامر الإمبراطور الروماني ، مسابقات في التمثيل والغناء.
وفاز نيرون نفسه بست مسابقات في هذه الألعاب ، ثلاثة في الغناء وثلاثة في الرياضة ، بما في ذلك سباق العربات المرموق رغم أنه في الحقيقة سقط عن عربته خلال السباق.
ولكن نيرون حافظ على وعده للإغريق ، الذين كانوا خاضعين للحكم الروماني منذ القرن الثاني قبل الميلاد ، بإعفائهم من الضرائب.
وكانت سباقات الخيل ، التي يرجح أن يكون الملك المقدوني فيليب الثاني والد الاسكندر الأكبر والإمبراطور الروماني تيبريوس قد فازا بها ، هي فرصة النساء الوحيدة للفوز بأي مسابقة أولمبية ، ليس لأنهن كن يقدن عربات الخيول ولكن لأن الجائزة ببساطة كانت تمنح لمالك الحصان وليس لمن يمتطيه.
بل إن النساء كن معرضات لعقوبة الإعدام في حال اكتشافهن وهن يحاولن دخول المكان المقدس في أولمبيا. فوحدهم الرجال الإغريق ، ومن بعدهم الرومانيون ، كان يسمح لهم بالمشاركة في الألعاب الأولمبية ومشاهدتها طالما كانوا أحرارا ولا تشوبهم شائبة.
وكان المتنافسون ، الذين شاركوا في تلك الأماكن المقدسة القديمة تكريما للإلهين زيوس وهيرا ، مثالا يحتذى في التفانى.
وبدأت الألعاب الأولمبية عام 776 قبل الميلاد بإقامة سباق للعدو لمسافة الاستاد ، 192 مترا. وتوج كورويبوس من إليس بلقب هذا السباق ليصبح أول بطل أولمبي في التاريخ.
ولم تجر أي سباقات أخرى حتى عام 724 قبل الميلاد حيث أقيم سباق بطول الاستاد مرتين.
وبداية من عام 720 قبل الميلاد ، تم إضافة أنواع أخرى من السباقات مثل سباقات المسافات الطويلة إلى جانب مسابقات تتضمن السلاح والخماسي والبانكراتيون والملاكمة وسباقات الخيول.
وفي جميع الأحوال ، لم تشهد الألعاب الأولمبية القديمة إقامة أكثر من 18 مسابقة مختلفة في نسخة واحدة منها.
وكانت الألعاب تستمر لمدة يوم واحد في البداية. وبعدها تم تمديد الألعاب الأولمبية لتصبح ثلاثة أيام.
ومنذ عام 472 قبل الميلاد ، أصبحت منافسات الألعاب تجرى على خمسة أيام مع مضمون شعائري صارم يشمل العديد من الطقوس ، فقد كانت الألعاب تبدأ بإلقاء القسم من اللاعبين والمدربين وتنتهي بتكريم الفائزين.
وللحفاظ على سلامة وأمن المشاركين في الأولمبياد والجماهير ، كانت الهدنة الأولمبية "إكيشييريا" تعقد خلال فترة الألعاب ولم يكن خرقها ممكنا لا من ناحية الدول ولا الأفراد.
وكان الفائزون يكرمون بتسليمهم غصن زيتون أمام تمثال زيوس الذهبي الذي صنعه النحات الشهير فيدياس ، والذي كان أحد عجائب الدنيا السبعة بالعالم القديم.
ويعتبر العداء ليوناديس من رودس هو أنجح المشاركين في الألعاب الأولمبية القديمة حيث فاز في 12 سباقا فيما بين عامي 164 و152 قبل الميلاد.
ورغم أن اللاعبين الرياضين ، الذين كان يتم اختيارهم بدقة بعد عشرة أشهر من التدريبات ووفقا لمعايير صارمة ، كانوا يحققون شهرة كبيرة في مدنهم فقط في البداية فإن الألعاب سرعان ما أصبحت حدثا هائلا يتطلب التفاني المهني.
ويبدو أن هذا الأمر كان من الأسباب التي دفعت الإمبراطور الروماني تيودوسيوس لمنع إقامة الألعاب الأولمبية سنة 393 ميلاديا.
أما السبب الآخر وراء هذا القرار فقد كان لأن الإمبراطور رأى أن هذه الألعاب تنطوى على طقوس وثنية.