سبيريدون لويس والماراثون: عندما يأتي المجد دون إعداد ويبقى إلى الأبد
"كان الأمر كله مجرد حظ" .. هكذا علق سبيريدون لويس على إنجازه الكبير بعدما أصبح أول عداء في تاريخ الأولمبياد الحديث يحرز ذهبية سباق الماراثون.
ولا يمكن وصف هذا الرد بغير التواضع الكاذب من بطل سمح لنفسه في عام 1896 بالتوقف لاحتساء كأس من النبيذ خلال السباق نفسه الذي امتد لمسافة 195ر42 كيلومتر فيما بين مدينتي ماراثون وأثينا.
وهذا الأمر يختلف كلية عن التقنيات المائية المعقدة المتبعة حديثا في سباقات الماراثون هذه الأيام. كما يختلف تماما عن قصة الحرب والموت التي عاشها الجندي الإغريقي فيديبيدس قبل 25 قرنا من الزمان ، ذلك الجندي الذي أثار أسطورة الماراثون الطويل قبل أن يصبح هذا السباق هو ذروة الدورات الأولمبية الحديثة.
كان لويس في ال65 من عمره عندما أجرت معه صحيفة "أثينيان نيوز" حوارها المطول ، الذي نشر في عام 1935 ، حيث تحدث البطل الأولمبي عما حدث قبلها بـ39 عاما.
فقبل أن يعلم أنه سيصبح أسطورة أولمبية في المستقبل ، كان لويس يجني رزقه بحمل المياه العذبة من البلدة التي تعيش فيها أسرته إلى مدينة أثينا القريبة بمساعدة بغل.
ولكن في عام 1895 ، وعندما كان في ال22 من عمره أصبح تحت إمرة الجنرال مافروميكاليس.
ويتذكر لويس قائلا: "عندما تركنا الاستاد الأولمبي ، الذي كان في مرحلة البناء وقتها ، أخبرني الجنرال أن الألعاب الأولمبية ستقام هنا العام المقبل وسألني: سيكون هناك سباق ماراثون أيضا ، هل تستطيع أن تجري ؟ فقلت له: ولم لا. ولكنني في اليوم التالي كنت نسيت الأمر برمته. وبعد عام كامل ، وقبل أسبوع واحد من انطلاق الأولمبياد كنت لا أزال أعمل في الحقول".
وكان من المقرر أن ينطلق هذا الأولمبياد في يوم سبت الفصح. وقبل يومين ، في الخميس العظيم المقدس ، كان هناك سباق تأهيلي. وكان كل من ينهي مسافة الماراثون في أقل من ثلاث ساعات وخمس دقائق سيشارك في السباق الأولمبي.
وشارك باباسيميون ، القادم من بلدة ماروسي مثل لويس ، وكالانتزيس من بلدة هالاندري في هذا السباق أيضا.
وفاز المتسابق القادم من هالاندري بفارق كبير على باباسيميون ، وهذا ما قاد لويس إلى الميدالية الذهبية.
فقد كان لويس يسير بصحبة العديد من أصدقائه في هالاندري عندما سمعوا أهل البلدة يسخرون من باباسيميون.
وقال لويس: "لم نتقبل الأمر وقررنا الثأر منهم. وفي يوم سبت الفصح توجه موسوريس ولافرينتيس وشقيق باباسيميون ورجل آخر وأنا إلى اللجنة الأولمبية اليونانية وأخبرناهم أننا نريد الاشتراك في سباق الماراثون".
وكان على "المنتقمون" أن يجروا في البداية مسافة الماراثون في ثلاث ساعات وخمس دقائق أو أقل لكي يتمكنوا من التأهل للأولمبياد.
وقال لويس: "جمع جيراننا لنا المال لكي نشتري أحذية رياضية كانت تكلفتها 25 دراخما في ذلك الوقت".
وفاز لافرينتيس بالسباق التأهيلي الذي أقيم بعد يومين من أحد الفصح بينما أنهى لويس السباق في المركز الخامس ، بالكاد محققا زمن التأهل.
وبعدها أحرز لويس ذهبية سباق الماراثون الأولمبي ، وكان هو نفسه أول المتفاجئين.
وقال لويس مشيرا إلى آثار مشاركته في السباق التأهيلي : "لم أكن أتوقع الفوز ، لأنني كنت لازلت أشعر بتيبس".
وقبل أن يبدأ الركض كان لويس يعرف أن مسافة السباق هائلة. وقال : "ولكنني ظللت هادئا لعلمي أنني بإمكاني التوقف متى شئت".
ومن بين 17 متسابقا في الماراثون ، كان هناك أربعة أجانب فقط وهم الفرنسي ألبين ليرموسيو والأسترالي إدوين فلاك والأمريكي أرثر بليك والمجري جيولا كيلنر. وجميعهم كانوا دون أي خبرة سابقة في الركض لمثل هذه المسافة ولكنهم بدأوا السباق بقوة.
وفي كتابه "من أثينا إلى أثينا" الذي يتناول تاريخ الدورات الأولمبية الحديثة ، أشار الصحفي ديفيد ميلر ما حدث في ذلك السباق التاريخي قائلا إن ليرموسيو انسحب بعد تعرضه لتقلصات بعدما كان متقدما في بداية السباق وانتقلت الصدارة بعدها إلى فلاك ولكنه وصل إلى أثينا في النهاية على عربة تجرها الخيول. أما بليك الذي كان بدأ يهلوس فقد سقط في خندق. بينما كان كيلنر هو الوحيد الذي أنهى السباق وإن كان لم يفز به.
وكانت الأجواء ذات طابع مميز للغاية. فقد صاحبت العربات التي تجرها الخيول العدائين طوال طريق السباق حيث كانت تحمل الأطباء والحكام. وكان هناك حارس ضخم يجلس على صهوة كل جواد. ويقول ميلر إن كل هذه الخيول تسببت في سحابة عملاقة من الغبار لدرجة أن العدائين كانوا يتنفسون بصعوبة.
وتقدم لويس إلى صدارة السباق بعد اجتياز أول 32 كيلومترا منه ، وعندما وصل إلى استاد "باناثينايك" استقبله 70 ألف مشجع متحمس بحفاوة شديدة.
وعندما وصل لويس ، أصبح الأمر جنونيا. حيث يتذكر بيير دو كوبيرتان ، صاحب الفضل في تقديم الأولمبياد الحديث ، أن السيدات خلعن مجوهراتهن وألقينها تحت أقدام العداء اليوناني بينما انطلق الأميران اليونانيان كونستانتين وجورج لمصاحبة لويس في عبور خط النهاية.
ويقول كوبيرتان: "بدا الأمر كما لو أن اليونان القديمة كلها دخلت الاستاد معه .. كانت واحدة من أكثر اللحظات تميزا في ذاكرتي".
ورغم كل ذلك ، حافظ لويس على واقعيته. ففي عام 1935 عندما سأله المحاور عما شعر به عندما دخل الاستاد قال له البطل اليوناني : "لا شيء. فبعد هذا السباق الطويل كل ما شعرت به كان الجوع".