طباخ بوتين.. القصة الكاملة للملياردير الروسي الذي هدد عرش بايدن
من هو الملياردير الروسي الذي يُهدد عرش بايدن؟ ولماذا وضعه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف بي أي" على قائمة المطلوبين؟ ولماذا فرضت عليه أمريكا عقوبات قبل ذلك؟ أسئلة كثيرة أصبح حديث الساعة ليس فى أمريكا وروسيا فقط بل فى العالم بأسره خاصة أن ذلك يتزامن مع التدهور السريع فى العلاقات الأمريكية الروسية، والتى ازدادت توترًا بعد تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتى قال فيها إن واشنطن "لن تقبل أبداً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم"، مضيفًا أن "الولايات المتحدة ستُحاسب روسيا، وستقف مع أوكرانيا ضد أعمال موسكو العدائية".
وأشار بايدن إلى أن بلاده ستواصل العمل "باتجاه محاسبة السلطات الروسية على انتهاكاتها للأراضي الأوكرانية"، قائلاً إن "مواطنيها واجهوا نيران القناصة، وعناصر مكافحة الشغب، أثناء مطالبتهم ببداية جديدة لبلدهم".
"إف بي أي" تُلاحق طباخ بوتين وتعرض مكافأة
وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف بي آي" 15شخصًا روسيًا على قائمة المطلوبين لديه، وعلى رأسهم مؤسس شركة فاغنر الروسية، يفجيني بريجوجين المعروف بـ "طباخ بوتين".
وقال مكتب المؤسسة، إن التهم الموجهة للأشخاص الروس الـ 15 هي "التآمر للاحتيال على واشنطن في ملفات مرتبطة بالانتخابات الأمريكية"، معلناً تقديم مكافأة تصل إلى 250 ألف دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال "طباخ بوتين".
وأوضح التقرير أن بريجوجين قام بإعاقة الوظائف القانونية للجنة الانتخابات الفيدرالية ووزارة العدل الأمريكية ووزارة خارجية الولايات المتحدة، وعرقلتها وإفسادها، وذلك خلال فترة (مطلع عام 2014 إلى 16 فبراير 2018).
وقال التقرير إن "بريجوجين هو الممول الرئيسي لوكالة أبحاث الإنترنت (IRA) ومقرها سانت بطرسبرج، يُزعم أنه أشرف ووافق على عمليات التدخل السياسي والانتخابي في الولايات المتحدة، والتي تضمنت شراء مساحة خادم كمبيوتر أمريكي، وإنشاء مئات الشخصيات الوهمية عبر الإنترنت، واستخدام هويات مسروقة لأشخاص من الولايات المتحدة، يُزعم أن هذه الإجراءات قد اتخذت للوصول إلى أعداد كبيرة من الأمريكيين لأغراض التدخل في النظام السياسي للولايات المتحدة ، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية لعام 2016".
الاتهامات والعقوبات الأمريكية على الملياردير الروسي
ملاحقة أمريكا لـ "طباخ بوتين" لم تكن الأولي، ففى 30 سبتمبر 2018، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن فرض عقوبات على بريجوجين، واتهمته بقيادة الجهود الروسية للتلاعب بانتخابات التجديد النصفي علم 2018.
كما ظهر اسمه من قبل في القضية الشهيرة الخاصة بوكالة أبحاث الانترنت، التي تتخذ من سانت بطرسبيرج مركز لها وتقوم باختلاق حسابات زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض التأثير على الناخبين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وفق الرواية الأمريكية.
وفى فبراير 2018، أدرجت هيئة محلفين أمريكية كبرى بريجوجين، وشركته "كونكورد"، وشركائه في الأعمال، ووكالة أبحاث الإنترنت، ضمن الجهات المتهمة بالتدخل في الانتخابات ووجهت له اتهامات أيضًا في أعقاب صدور التقرير الذي أعده المستشار الأمريكي الخاص روبرت مولر الذي كان يُحقق في مزاعم محاولة روسيا دعم حملة دونالد ترامب الانتخابية.
ونفى بريجوجين هذه الاتهامات، وقال: "الأمريكيون يأخذون بالشبهات بشدة، فهم يرون ما يريدون أن يرونه. وأنا لست غاضباً من إدراج اسمي على القائمة. إذا أرادوا رؤية الشيطان، فليرونه".
ومرة أخرى، قالت الحكومة الأمريكية إن وكالة أبحاث الإنترنت استخدمت "شخصيات وهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونشرت معلومات زائفة". ولا يُرجح أن تكون هذه المحاولات قد أثرت على نتائج الانتخابات.
وتعتقد الولايات المتحدة أن بريجوجين يدعم هذه الوكالة ماديًا عبر شركة كونكورد للخدمات الغذائية.
وتشمل العقوبات الأمريكية ثلاث طائرات خاصة ويختاً يرجح أن بريجوجين وأسرته وشركاؤه يستخدمونها، وهي مسجلة في جزر سيشل وكايمان، اللتان تعتبران ملاذات للتهرب الضريبي.
ويحظر على الشركات والمواطنين الأمريكيين التعامل مع بريجوزين أو تقديم خدمات لطائراته ويخته.
وقالت الإدارة الأمريكية إن هذه الطائرات قامت بعدة رحلات إلى وجهات في إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا خلال السنوات الأخيرة.
وقضت محكمة في موسكو مؤخرًا بتغريم شركة كونكورد ودفع تعويضات لأولياء طلاب بسبب انتشار حالات تسمم غذائي.
وكما هو معروف فإن شركة بريجوجين تُقدم وجبات لعدد من المدارس في موسكو، لكن في ديسمبر الماضي، أصيب حوالي 130 من تلاميذ رياض الأطفال بالإسهال.
علاقته بـ بوتين
وتمتد أصابع رجل الأعمال الروسي يفجيني بريجوجين، والذي يُعرف بـ "طباخ بوتين"، إلى العديد من المجالات، حيث صنع ثروته من خدمات إعداد وتقديم الطعام في تسعينيات القرن العشرين، وهو ما يُفسر اللقب الذي أُطلق عليه.
وانضم إلى الدائرة المقربة من بوتين في عام 2001، عندما بدأ الرئيس الروسي في التردد على مطعمه العائم الفاخر "نيو أيلاند" في سانت بطرسبيرج.
وتشعبت أعمال بريجوزين، 58 عامًا، وامتدت إلى مجالات مختلفة لتشمل شركات وهمية خارج البلاد، ويعيش حياة مرفهة.
وبزغ نجمه في مدينة سانت بطرسبيرج، التي ينحدر منها بوتين، لكنه لم يكن من الدائرة المقربة التي شاركت في تأسيس نادٍ ريفي يحمل اسم "أوزيرو".
وعندما كان بريجوزين في العشرينات من عمره، قبل أن يبدأ في بيع النقانق ثم انطلاق أعماله في خدمات الطعام، سُجن لمدة تسع سنوات بتهمة السرقة والنصب.
لكن حقبة "العلاج بالصدمة" الرأسمالية التي سادت روسيا في تسعينيات القرن العشرين خلقت مجالات للكثير من فرص العمل للمجرمين، إذ كان بإمكانهم الاتصال بأصدقائهم للتخلص من المنافسين الشرسين.
وبقي بريجوجين في الظل لسنوات طويلة، لكن في عام 2011، ذكر في حوار مع صحيفة محلية في سانت بطرسبيرج أنه كتب حكاية أطفال عن مجموعة من الأقزام يدافعون عن الملك ضد الأعداء.
علاقته بنظام الأسد
يقوم "طباخ بوتين" بإدارة شركة فاغنر الروسية، وهي المسئولة عن المرتزقة الروس في ليبيا وسوريا بشكل خاص، ويرتبط بعلاقات مختلفة مع نظام الأسد في سوريا.
وسبق أن نشرت صحيفة "موسكو تايم" الروسية العام الماضي، تفاصيل تكشف صفقات الغاز والنفط الموقعة بين بريجوجين ونظام الأسد في سوريا، وأبرزها عقود نفطية في مناطق شرق سوريا، إلى جانب صفقات اقتصادية لدعم نظام الأسد، وتصب الصفقات والعقود في دعم مرتزقة "فاغنر" التي يُديرها بريجوجين، حيث دعم ميليشيا الأسد بمئات المقاتلين في مناطق مختلفة في سوريا خلال الأعوام الماضية.
فضلا عن ذلك، يمتلك "طباخ بوتين" شركات اقتصادية ضخمة في سوريا، تهدف للتهرب من العقوبات الدولية (الأمريكية والأوروبية) وعلى رأسها شركتا "فيلادا وميركوري" التابعتان لما يسمى (إمبراطورية بريجوجين) في مناطق سيطرة نظام الأسد في سوريا.
وتشير المعلومات الواردة في الصحيفة الروسية إلى أن الحصة الأكبر من ثروات النفط في سوريا تعود لشركة "يورو بوليس" التي يمكلها بريجوجين، والتي وصلت عائداتها عام 2018 إلى ما يقارب 20 مليون دولار أمريكي شهريًا.
وخلال الأعوام الماضية وقع نظام الأسد عددًا من العقود النفطية، أبرزها في مطلع عام 2019، حين صادق برلمان الأسد على ثلاثة عقود موقعة مع وزارة النفط التابعة لحكومته، ليفسح المجال أمام الشركتين الروسيتين "ميركوري" و "فيلادا" بالبدء بالتنقيب عن البترول وتنمية إنتاجه في سوريا.
تدخله فى الشأن الإفريقي
كشف موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ومتخصصون في علوم الإنترنت في جامعة ستانفورد عن وجود عمليات تأثير على الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي في إفريقيا، ويمكن ربطها بـ بريجوجين.
وفي 30 أكتوبر الماضي، أعلن فيس بوك عن إيقاف ثلاث شبكات من حسابات الإنترنت الروسية، التي تهدف إلى التأثير على الأحداث في عدد من البلدان الإفريقية.
وقال: "إن النشاط "غير الموثوق" لهذه الحسابات الروسية كان متستر بأسماء مواطنين محليين".
واستهدفت الشبكة الأولى دول مدغشقر، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وموزامبيق، والكونغو الديمقراطية، وساحل العاج، والكاميرون، أما الشبكة الثانية فكانت تستهدف السودان، في حين ركزت الثالثة على ليبيا.
وكشف تحقيق أجرته بي بي سي أن ستة مرشحين على الأقل في الانتخابات الرئاسية في مدغشقر عام 2018 عُرضت عليهم أموال من مواطنين روس.
ونفى بريجوجين بدوره الاتهامات التي ذكرها فيس بوك، وقال إن عملاق الإعلام الأمريكي يقود حملة علاقات عامة لصالح نفسه.
ومنذ حوالي عام، أرسلت روسيا 175 مدربًا عسكريًا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، التي تواجه تمردًا مسلحًا لمساعدة الجيش التابع للرئيس فوستين-أرشانغ تواديرا.
كما تشير تقارير إلى رصد أنشطة للمرتزقة التابعين لشركة فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث حصلت روسيا على صفقات للتنقيب عن الذهب والألماس.
كما كشف تحقيق أجرته شبكة سي إن إن عن صفقات تنقيب بين جمهورية إفريقيا الوسطى وشركة لوبايي إنفست الروسية التي يُديرها يفجيني خودوتوف، أحد رجال الأعمال المحسوبين على شبكة علاقات بريجوجين، لكن لوبايي إنفست اختفت فجأة، ونفى بريجوزين أي علاقة بها.
ويقوم جنود روس من شركة سيوا الأمنية بحماية رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، وثمة شكوك أن سيوا إحدى شركات الواجهة لفاغنر.
ويرجح أن ما يربط بريجوجين بفاغنر هو أعماله كمتعهد غذائي للجيش، فقد فاز بصفقات إطعام للقوات المسلحة بفضل بوتين.
كما أن وزارة الخزانة الأمريكية أدرجت فاغنر على قائمة العقوبات، وقالت إنها أرسلت جنودًا للقتال بجانب الانفصاليين في شرق أوكرانيا.
وأضافت أن بريجوجين لديه تعاملات مالية متشعبة مع وزارة الدفاع الروسية.
عمله لخدمة أجندة بوتين
هناك مشروع آخر لرجل الأعمال الروسي يأتى بالتنسيق مع أجندة بوتين، إذ يرأس حاليًا مجموعة إعلامية موالية للكرملين تحمل اسم "الوطني"، وتقول إنها ستعمل على مواجهة الإعلام "المعادي لروسيا" الذي "لا يُلاحظ الإيجابيات التي تحدث في البلاد".
وتجمع هذه الشركة أربع مواقع إخبارية مقرها سانت بطرسبيرج، هي وكالة "آر آي إي فان" للأنباء، ونارودني نوفوستي، وإيكونوميكا سيغودينيا، وبوليتيكا سيغودينيا.
ويرجح أن يتجاوز إجمالي عدد متابعي المواقع الأربعة عدد متابعي وكالة أنباء تاس المملوكة للدولة، وقناة آر تي الموالية للكرملين.
وقال بريجوزين إنه سعيد برئاسة مجلس أمناء "الوطني".