علي جمعة يكشف خطوات الإقلاع عن اتباع الشهوات
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إن كثيرا من المسلمين يسأل ،ويشتكي من أن الشهوات تغلب عليهم، ثم يبصرون فيستغفرون ويرجعون ويتركون، ثم فورًا ينسون ويعودون إلى الشهوات كما كان الحال، فما المخرج من ذلك؟ وقد تتكرر على الإنسان إلى أن يكاد ييأس من نفسه ومن هذا الأمر، لا أقول ييأس من روح الله فـ (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ).
وأضاف في بيان له عبر صفحته الرسمية قائلا: كثرت الذنوب وأحاطت بنا المعاصي ومالت النفس إلى الشهوات؛ ردعها المسلم فلم ترتدع، وكرر عليها فلم تفعل، وكلما ذهب بها فرارًا إلى الله والى طريق الله خالفته وعصته، ورجعت به إلى طريق الشهوات (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ) فكيف المخرج من ذلك؟ ، قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) .
وأوضح جمعة هذه الآياتٌ نتلوها وكثير منا يحفظها، وقفت عندها ورأيت فيها دستورًا في خطوات إذا ما فعلته أيها المسلم أعانك على طريق الله، فقد أرسل الله لك رسولا ولم يجعله أبًا لأحد من الرجال، ليكون خالصًا في أبوته لأمته، وفيما رواه الدارمي في سننه يقول رسول الله : (إنما أنا لَكُمْ مِثْلُ الوالِدِ للوَلَدِ؛ أُعَلّمُكُمْ)، وقال تعالى: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) فأي شرف أعظم من هذا! .
خطوات للإقلاع عن اتباع الشهوات
الخطوة الأولى: أن تجعل نفسك ابنًا للنبي حيث إن الله سبحانه وتعالى قد خلاه من الولد، وماتوا جميعًا في حياته صغارًا أطفالاً ولم يبلغوا دَور الرجولة، اعتز بنبيك اعتزازك بأبيك، بل أكثر من ذلك بكثير، بحيث لا تكون هناك مقارنة بين أبيك وبين النبي ، وقد تصاب العلاقة بينك وبين أبيك بشيء من الكدر أو الفتور، لكنها لا تصاب بينك وبين حبيب الله ؛ استحضر صورته أمامك بالليل والنهار، عش معه فإن هذا سيعينك بلا شك على كل خطوات الطريق إلى الله.
وبعد ما أنزلتَ رسول الله منزلة المصاحب لك في كل وقت وحين، فإذ بك تستحي أن تفعل الذنب، وتستحي أن لا تكون هناك همة، وتستحي من أن لا تذكر الله أو أن تنقطع عن ذكره سبحانه وتعالى– لأن أباك يراقبك ولأنه معك ولأنه مصاحبك- تستطيع أن تتخيله، لكن لا تستطيع أن تتخيل ربك؛ لأنها وثنية مفرطة، أما هذا فهو الذي جعله الله واسطة بينه وبيننا- ولا واسطة بيننا وبينه سبحانه وتعالى، لكن لا يكلمنا- فاجعل رسول الله والدك ومصاحبك.
الخطوة الثانية: بعد ذلك أن تذكر الله ذكراً كثيرا بكرة وأصيلا، (لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ الله) (مسند الإمام أحمد).
الخطوة الثالثة: أن ترى دائرة نور ودائرة ظلام، النور فيه طاقة وفيه بيان وفيه حلاوة وله طلاوة يكشف عن الحقائق، والظلام فيه برودة ورائحته كريهة وأحواله مردية، والله جل جلاله يثني عليك لإتباعك لنبيك، ولإدراكك النور والظلمة، ولذكرك له كثيرا، فينقلك من الظلام إلى النور، ومن الضيق إلى السعة، ومن الاضطراب إلى الأمن والأمان والسلام في الدنيا أولاً، يعنى ستأخذ نصيبك هنا لأن كثيرًا من الناس قد تعلقت قلوبهم بالدنيا، ولا يمكن أن نجذبهم إلى الله إلا منها، في الدنيا سيعطيك الله تعالى، وله ملكوت السموات والأرض، ثم بعد ذلك يعطيك في الآخرة.
ثم انظر في هذه الكلمات التي لا يمكن لبشر أن يكتبها، إنما هي من عند الله (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) فسيكون فيه إعداد؛ عندما تعد لضيفك الطعام فإنك تتجهز له، بخلاف الطارق الذي يأتي من غير إعداد فإنك تقدم له ما وجد كثر أو قل، لكنه هنا فيه إعداد. والكرم حب والحب عطاء، والكرم في غير مقابل، فالله يعطيك من غير مقابل من غير حساب، والكرم مستمر، و(كريم) أي نفيس جيد غالٍ في مادته؛ فالأجر في مادته سيكون نفيسًا وفى شكله وفى مضمونه وفى أثره، وفى تلذذك به، كلمة وُصف بها القرآن "القرآن الكريم"؛ لأنه لا مثيل له، وحفظ الله سبحانه وتعالى من أن نصف بالكرم كتابًا غيره؛ فيقولون كتاب مبرور أو كتاب ثمين إلا كلمة الكريم؛ فإنها لا تستعمل في خطابات الملوك، والحمد لله رب العالمين، (كريم) هذه كلمة واحدة تجعلك تخرج من الدنيا بحذافيرها.
واختتم علي جمعه كلامه قائلا: أيها المسلم إذا أردت أن تُنقل من دوامة الشهوات إلى طريق الله فعليك باتخاذ النبي والدًا لك، ومصاحبًا في طريقك إلى الله؛ فإنه هو المبشر والنذير، وهو المبشر والشاهد، وهو المبشر والآخذ بيدك إليه سبحانه، واذكر الله ذكرًا كثيرا، وانتقل من دائرة الظلمة إلى دائرة النور بصلاة الله وملائكته عليك، ثم بعد ذلك استحضر نفاسة أجر الآخرة في مقابلة تفاهة الدنيا بما فيها ومن فيها، فإذا فهمت ذلك واستوعبته وغيرت مفهموك عن الحياة الدنيا وعن الآخرة، واستصحبت رسول الله معك كل يوم ؛ فسيعينك ذلك على نفسك في طريق ربك.