أبرزها ”البروباجندا التحريضية”.. مرصد الأزهر يكشف مهام خطيرة للجناح الإعلامي بداعش

الموجز

استعرض مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، دراسة تحليلية حول الخطاب الإعلامي لتنظيم داعش الإرهابي خلال العام الماضي 2020 من خلال مقارنته بالخطاب السابق في 2019.

وقال مرصد الأزهر في تقرير له، إنه في مثل هذه الأيام من العام الماضي قدم المرصد تحليلًا للخطاب الإعلامي لتنظيم داعش الإرهابي خلال عام 2019، وتحديدًا المقاطع المرئية "الفيديوهات"، وقدَّم لها قراءةً، وضَّح خلالها أن التنظيم خلال العام سالف الذكر، قدَّم خطابًا تقليديًّا يُشبه إلى حدٍّ كبيرٍ خطابه القديم، خطابًا لم يكن فيه جديد؛ حيث استخدم التنظيم أساليبه المعتادة والمركبة، والتي منها توظيف "خطاب المظلومية في مقابل خطاب العنف والتهديد"؛ ليمنح عنفَه ووحشيته غِطاءً شرعيًّا.

كما استخدم أسلوب "التحريض في مقابل الدمج"، وهو من أهم أساليب "البروباجندا" الداعشية وفقًا للباحث "تشارلي وينتر" الذي يقول: إن البروباجندا التحريضية تهدف إلى نقل المؤيدين من التأييد السلبي إلى الإيجابي، ومن حالة رفض الواقع إلى التمرد عليه، وتركز "بروباجندا التحريض" على الفعل بينما تركز "بروباجندا الدمج" على تهيئة المؤيدين وتطبيعهم على مجموعة الأفكار التي ستطرح مستقبلًا أو مجموعة العمليات التي ستُشن لاحقًا كمبرر لها حين التنفيذ.

كما كان خطاب "اليوتوبيا" حاضرًا بقوة لدى تنظيم داعش الإرهابي خلال عام 2019، خصوصًا في خطاب التنظيم الموجَّه للغرب. وهو خطاب لا مكان فيه للمظلومية، وذلك لأن خطاب المظلومية، وإنْ كان يُكسب التعاطفَ مع التنظيم، لكنَّه لا يكسب الحماس للانضمام إليه، ولا يبرزه كشيء يستحق التضحية والتنازل بعض الشيء عن الثوابت، وارتكاب العمليات الدموية التي لا يُقرُّها شرع ولا يقبلها عُرْفٌ، في سبيل الوصول في النهاية إلى حِلمِ المدينة الفاضلة، ومن خلال خطاب "اليوتوبيا" صوَّر التنظيم لمتابعيه، كذبًا حلاوة الانتماء لصفوفه.

واليوم نتحدث عن خطاب تنظيم داعش الإرهابي خلال عام 2020، وقبل أن نبدأ الحديث نشيرُ إلى أن التنظيم قد فقد نهاية عام 2019، متحدثه الرسمي "أبو الحسن المهاجر"، الذراع الأيمن للبغدادي قبل مقتله، ومسئول ديوان الإعلام المركزي للتنظيم، والذي استطاع أن يدير إعلام التوحش والاستقطاب بعد مقتل "أبو محمد العدناني" و"أبو محمد الفرقان" عام 2016. وكان مقتل "المهاجر" في قرية "عين البيضا" بالقرب من مدينة "جرابلس" السورية، ضربةً قويّةً ومربكةً للتنظيم، ولجهازه الإعلامي، وخصوصًا أنها جاءت بعد مقتل زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي" بأيام قليلة.

ووفقًا لبعض الخبراء؛ فإنه بمقتل هذا الرجل انتهت قدرة التنظيم الإرهابي على تعويض شخصية قيادية لإدارة جهازه الإعلامي بالاحترافية التي كان التنظيم معروفًا بها.

أبواق التنظيم الإعلامية في 2020

خلال عام 2020، ازدادت أعداد حسابات تنظيم داعش الإرهابي وأنصاره على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا "الفيسبوك" وفقًا للباحث هشام الهاشمي، والذي أكَّد أن هذه الزيادة أتت في الأشهر الأولى من عام 2020، ورافقت بداية أزمة جائحة "كورونا"، التي بدورها لعبت دورًا كبيرًا في تأخير استجابة "فيسبوك" لطلبات حذف هذه الحسابات.

ومن حيث أدوات النَّشر، فقد اقتصرت أبواق داعش الإعلامية خلال عام 2020 على مواقع فيس بوك وتويتر والتيليجرام، والتي كان يتم إغلاقها باستمرار بالتنسيق بين دول التحالف وشركات مثل جوجل وتويتر وفيسبوك، وكذلك صحيفته الأسبوعية الناطقة بالعربية، التي تنشر أخبار الولايات المزعومة، وبعض المسائل الشرعية والعقائدية التي يفسرها التنظيم وفقًا لمفهومه المتطرف. وكذلك مؤسسته المركزية المرتبطة بقيادات التنظيم، ووكالة أنبائه الخاصة بالأحداث الميدانية، والتي نشر من خلالها العديد من الأخبار في عام 2020، كان أشهرها "فيديو" مبايعة مرتكب حادث النمسا لخليفة التنظيم المزعوم. ولم يُصدر تنظيم داعش الإرهابي خلال عام 2020 أيَّ عدد من مجلاته المعروفة التي كان يصدرها قبل ذلك بعددٍ من اللغات الأجنبية، اللهمَّ إلا إصدارًا أسبوعيًا باللغة التركية، كان ينشره بصورة غير منتظمة على إحدى منصاته التي أُغلقت الآن.

ووفقًا لتقرير نشرته قناة "أخبار الآن" العربية، فإن الجناح الإعلامي لتنظيم داعش الإرهابي اعتبارًا من نهاية 2019 وبداية 2020، لجأ إلى استخدام تطبيق (HOOP)، واعتمد في استخدامه لهذا التطبيق على إنشاء قنوات خاصة، تحمل الأسماء ذاتها المعتادة لحساباته العامة، أو تلك التي تعود لمناصريه. كما أوضح فريق القناة أن هذا التطبيق يسمح للتنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة بنشر جميع المواد التي توثق عملياتهم سواءً كانت صورًا أو مقاطع مرئية، كما أنه يتيح لمستخدميه خاصية إنشاء معرفات مختلفة، وقابلة للتغيير بحيث يصعب معرفة وتحديد مكان المستخدم.

ملامح محتوى الخطاب الإعلامي لداعش خلال عام 2020

ومن حيث المحتوى الإعلامي فقد كان لأزمة "كورونا" في النصف الأول من عام 2020 نصيبٌ كبيرٌ من المحتوى الإعلامي للتنظيم. حيث اجتمعت رغبة التنظيم في القيام بعملياتٍ إرهابية شرقًا وغربًا، مع انتشار فيروس كورونا المستجد، وانشغال العالم به، فاستغل التنظيم الإرهابي الفرصة وقام بالتحرك، وتنفيذ عمليات إرهابية ذات طابع فردي في أماكن مختلفة، صاحبها خطاب إعلامي وإفتائي ضالٌّ ومُضلِّلٌ، لا يُصدِّقه إلا من حُرم نعمة العقل، ومهارة التفكير النقدي. حيث خاطب التنظيم أتباعه مصورًا لهم الفيروس بأنه جند من جنود الله، يضرب به الدول التي شكَّلت تحالفًا لمحاربته، متجاهلًا أن الدول الإسلامية ذاتها انتشر بها هذا الفيروس الذي أصاب الإنسانية كلَّها، دون تمييز بين لون أو عِرْقٍ أو دين.

وفي أحد الأخبار التي نشرها التنظيم على إحدى منصاته الإعلامية الناطقة بالتركية، أظهر شماتته الواضحة بأوربا والولايات المتحدة.

ولا شكَّ أن هذا الخطاب خطاب مظلومية يبرر به التنظيم شماتته في الإنسانية، وبالرغم من أنه يتحدث فيه عن الغرب؛ إلا أنه موجَّه للشرق، إذ يسعى من خلاله إلى إثبات أن ما يعانيه الغرب من الفيروس، هو نتيجة طبيعية لما قامت به دوله من حربٍ ضد دولة التنظيم المزعومة. كما أن هذا الخطاب يتعارض مع خطابهم في بداية الأزمة وانتشار الفيروس، حيث حذَّر التنظيم أفراده من التواجد في الأماكن التي يُمكن أن يُصابوا فيها بالفيروس، ورسم لهم انفوجراف لطرق الوقاية والسلامة منه.

الذئاب المنفردة

كما كان للذئاب المنفردة في الغرب نصيبٌ كبيرٌ من محتوى الخطاب الإعلامي لتنظيم داعش الإرهابي، لا سيَّما بعد حادثة مقتل المدرس الفرنسي نهاية أكتوبر الماضي حيث وجهت أبواق التنظيم تحريضًا واضحًا للذئاب المنفردة، وشجَّعتهم على ارتكاب عمليات إرهابية ضد الجميع دون تفرقة بين مدنيين وغيرهم. وهذا ما حدث في الإصدار المرئي الذي أصدره التنظيم عقب مقتل المدرس مباشرة، حيث مدح القاتل وأثنى عليه، ووصفه بالسابق لِسِنِّه. ثم مارس حربه النفسية واغتياله المعنوي لكل من حاول الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأيِّ طريقة سلمية أو فكرية أو عقلانية، واتهمه بالتهاون والنفاق وغير ذلك من الأوصاف السيئة، وحاول تشكيكه في أيِّ حلٍ أو علاج سلمي ينتهجه في الدفاع عن نبيه. وقصَرَ التنظيمُ الدفاعَ عن سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- على العنف والقتل فقط، في مشهد لا يمكن لعاقل أو من لديه أدنى حد من التفكير أن يصدقه. ثم مزج المتحدث بعد ذلك هذا الخطاب التحريضي بخطاب العنف والتوحش، مخاطبًا جموع الشباب المسلم في الغرب، ومحرِّضًا لهم صراحة على القيام بعمليات إرهابية ضد المجتمعات الغربية دون استثناء، مصورًا لهم أن الاستهزاء بالإسلام ونبيه هو دأب جميع هذه المجتمعات، في تعميم ثبت عدم مصداقيته ومنطقيته بعد ذلك، وأظهر مدى جهل أعضاء هذا التنظيم ودمويتهم، ومخالفتهم لكل قواعد العقل والمنطق.

كما كان أيضًا للمحتوى العنيف والوحشي نصيبٌ كبيرٌ في المقاطع المرئية القصيرة التي نشرها التنظيم خلال عام 2020، خصوصًا المقاطع المتعلقة بسوريا التي شهدت 480 عملية داعشية خلال العام سالف الذكر، معظمها في "الرقة، والحسكة، ودير الزور، وجنوب منبج". وقد شهدت هذه المقاطع عمليات إعدام بطرق وحشية، صاحَبها حديثٌ عن تحقيق التنظيم لانتصارات مزعومة.

ولا شك أن هذا ليس جديدًا على التنظيم الإرهابي، الذي اتخذ من التوحش منهجًا. هذا التوحش الذي يقوم به هذا التنظيم الإرهابي يرجع سببه إلى عدة منظرين رسَّخوا في كتبهم لمفاهيم مغلوطة، حجروا بها على عقول من يقرأ لهم، وحاولوا اغتياله معنويًّا، فحكموا في مقدمة هذه الكتب على من لم يقتنع بما كتب فيها بأنه مستهزئ بالأحكام، وكارهٌ لها، كما حقَّروا في هذه المقدمات من العقل البشري، وحثَّوا على توقيفه عن العمل، واصفين من يُعمل عقله فيما يصل إليه من معلومات منهم "أي من هؤلاء المنظرين"، بأنه يتبع هواه، ويسير على طريق الكفر، في صورة توضح بجلاء أهم ملمحٍ من ملامح الشخصية المتطرفة وهو إلغاء العقل وعدم امتلاك أدنى حدٍ من مهارة التفكير النقدي. فلا مكان لمن يُعملون عقولهم في هذه التنظيمات.

كما كان لـ"بروباجندا الدمج" -القادرة على تهيئة المؤيدين لما سيطرح عليهم من أفكار صادمة- نصيبٌ كبيرٌ في خطاب داعش خلال عام 2020. وهذه البروباجندا إنما يعتمد عليها التنظيم في حالة ضعفه، أو في الأماكن التي يصعب عليه تنفيذ عملياتٍ فيها، ومن ثمَّ يقدم لأتباعه خطابًا تحريضيًا ممهدًا ببروباجندا الدمج. تعتمد هذه البروباجندا على مخاطبة المشاهد أو القارئ أو المستمع، كأنَّه واحدٌ من أفراد التنظيم (دمج)، وأنه جزء مما يتعرضون له (مظلومية)، ليأتي بعد ذلك تحريضه على القيام بعمليات إرهابية (تحريض)، مستخدمة عبارات دمج مثل "نعلم أنك تريد.."، أو "نعلم حزنك على ..."، أو "نعرف خوفك من ...". ثم بعد ذلك تسرد له مجموعة من الإجراءات التي تفرضُ عليه قبولها مثل "نعلم أنك تريد أن تؤدي عباداتك في أمن وطمأنينة"، "نعلم أنك تريدين ارتداء الحجاب ..."، ثم بعد ذلك تفرض عليه مجموعة من الإجراءات العنيفة التي ينبغي عليه القيام بها، إن أراد تنفيذ ما يريد. مثل "نعلم أنك تريد أن تؤدي عبادتك وأنت آمنٌ مطمئنٌ ... إذن عليك أن تستغل كل ما في يدك من أدوات لتنفيذ عمليات ضد أعداء الله". وذلك يمكن أن يطلق عليه "التحريض في مقابل الدمج"، أو "المظلومية في مقابل الدمج".

بعد هذا السرد يمكننا القول: إن الخطاب الإعلامي الداعشي في 2020 كان خطابًا إعلاميًا خليطًا بين المظلومية، والعنف، والتوحش، والدمج، والتحريض مع قليل من خطاب اليوتوبيا، الذي كان موجودًا بصورة أكبر في خطاب التنظيم خلال عام 2019.

كما يمكننا القول أيضًا: إن تحليل الخطاب الإعلامي لأيِّ تنظيم إرهابي هو جزء لا يتجزأ من مكافحة التطرف، وحماية الشباب من الاستقطاب؛ لأن الخطاب الاستقطابي لم يعد خطابًا تلقائيًا يعتمد على الكلمة، ويُلقيه مُنَظِّرٌ أو خطيب، بل صار عبارة عن منظومة تأثير كاملة يدخل فيها العديد من المؤثرات البصرية والسمعية، التي يستطيع التنظيمُ من خلالها التأثير على المشاهد، وإلغاء عقله وإثارة حماسه، وقد أكَّد على ذلك "أبو محمد الفرقان" مؤسس الآلة الإعلامية الداعشية بقوله لمن اتهم إعلام داعش بعدم القيام بمهامه: "لا تقنعني أن الشباب يأتي إلى القتال بقال ابن القيم وقال ابن تيمية، إنما يأتي بالخطاب الإعلامي المثير للحماس".

ومن هنا نرى أن تفكيك الخطاب الإعلامي لأيِّ تنظيم إرهابي خطوة مهمة على طريق مكافحة هذا التنظيم، وهو ما يسعى مرصد للقيام به من خلال متابعاته المختلفة وإصداراته المتعددة والمتنوعة بأكثر من عشر لغات عاملة في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف.

تم نسخ الرابط