حرم حفلات القصر.. اعترض علي قرارات الحكومة.. رفض التدخل في شؤون الأزهر..ما لا تعرفه عن الإمام الاكبر الذي تحدى الزعيم
تقلد العديد من المناصب فدرس بالمعاهد الدينية ثم بمدرسة القضاء الشرعي كما ولي القضاء وتدرج حتى وصل إلى عدة مناصب .
ففى 2 ذو الحجة 1346هـ الموافق 22 مايو 1928م عين مفتيا للديار المصرية، وظل يباشر شئون الإفتاء قرابة عشرين سنة، تولى مشيخة الأزهر أول مرة في 26 ذي الحجة سنة 1369هـ الموافق 8 أكتوبر سنة 1950م ثم أعفي من منصبه في 4 سبتمبر سنة 1951م لاعتراضه على الحكومة عندما خفضت من ميزانية الأزهر، ثم تولى المشيخة للمرة الثانية في 10 فبراير سنة 1952م واستقال في 17 سبتمبر سنة 1952م .
إنه الشيخ الجليل "عبد المجيد سليم" الذي اتسم بسعة الأفق و جلال الخلق و عظمة النفس وصلابة في قول الحق والدفاع عنه.
ولد الشيخ عبدالمجيد سليم في قرية ميت شهالة قرب مدينة الشهداء بالمنوفية في ١٣ أكتوبر العام ١٨٨٢ ، أتم حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة جدا ، ودرس في الأزهر حيث أتيح له أن يتتلمذ على يد الإمام محمد عبده ، وأن يستمع إلى دروسه في التفسير والبلاغة، وقد أعجب بالإمام واعتبره مثله الأعلى في حسن الفهم وسعة الاطلاع وبلاغة التعبير، و أثناء دراسته في الأزهر الشريف أظهر نبوغا و تفوقا لا مثيل له ، حتى أنهم أطلقوا عليه "ابن سينا" لقدرته على التفلسف والعلم .
ولم يكد الشيخ عبدالمجيد سليم ينال درجة العالمية ، حتى اختير مدرسا للفقه والأصول بالأزهر و سرعان ما وصل صيت الشيخ عبدالمجيد سليم العلمي إلى عاطف بركات باشا ناظر مدرسة القضاء الشرعي، فاختاره هو و زميل دفعته الشيخ مصطفى عبدالرازق على صغر سنهما لتدريس الفقه والأصول ورشح هو والشيخ المراغي لتولي منصبي الإفتاء ومشيخة الأزهر في وقت واحد، حيث قام بترشيحهما مصطفى النحاس باشا في وزارته الأولى العام ١٩٢٨ ، و اختار الشيخ عبدالمجيد سليم لمنصب المفتي و استقر على اختيار الشيخ المراغي شيخا للأزهر .
و للشيخ الجليل مواقفه المأثورة و المشرفة و التي تعكس مدى شجاعة الشيخ الجسور و جهره بالحق ، لا يخشى فيه لومة لائم ، لنستعرض بعضها عليكم :
تحدى الملوك
من مواقف الشيخ المشرفة أن الملك فؤاد حاول أن يستبدل بعض ممتلكاته الجديبة الجرداء ، بأرضاً مخصبة من أملاك الأوقاف وتلمس الفتوى الميسرة من الشيخ عبد المجيد ،فأعلن الشيخ في وضوح ساطع أن الاستبدال باطل لأنه لايجوز لغير مصلحة الوقف .
وذات مرة تلقى الشيخ الجليل سؤالا عن شرعية إقامة الحفلات الراقصة و كان ذلك بعد حفلة أقامتها إحدى الأميرات وحضرها الملك فاروق، ونشرت بعض الصحف صورها، وقد أدرك عبدالمجيد سليم من المقصود بالفتوى، لكنه لم يؤثر السلامة و واجه المخطيء ، وأصدر الشيخ الجليل فتوة بحرمة هذه الحفلات و نشرت المجلة الفتوى مؤيدة بالأدلة الشرعية ، وحدثت الأزمة بين الملك والمفتي .
معارضة الحكومة
ترك الشيخ عبدالمجيد سليم منصب الإفتاء احتجاجا على تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخا للأزهر لأنه لم يكن عضوا بهيئة كبار العلماء و هو شرط أساسي للتعيين و لإدراكه أن القصر يناويء الوفد بالشيخ مصطفى عبدالرازق وفي تلك الأثناء استدعى النقراشي باشا رئيس الوزراء آنذاك فضيلة الشيخ عبد المجيد وحاول إغراءه بالمال و قد كان للشيخ مبلغ كبير من المال يصل الى عدة آلاف من الجنيهات بوزارة الأوقاف و هي مكافأة علمية لقيامه على مشيخة الأحناف بالأزهر لفترة طويلة، لكن تلك المكافأة كانت مجمدة لعدة سنوات لاعتراض المالية على أن يجمع الشيخ بين راتبين في وقت واحد، فعرض النقراشي على الشيخ سرعة صرف المكافأة المجمدة إذا وافق على تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق ، فغضب الشيخ غضبا شديدا في وجه النقراشي و قام بالانسحاب الفوري دون استئذان ، فلما أتمت الحكومة تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخا للأزهر صمم الشيخ سليم على الاستقالة .
ميزانية الأزهر
عندما قامت الحكومة بضغط ميزانية الأزهر، وغضب الشيخ سليم، وقال عبارته المشهورة : "هنا تقتير و إسراف هناك" وكان الملك وقتها يقضي عطلته الصيفية باستراحته في كابري في إيطاليا، فقامت الحكومة بإعفاء الشيخ من منصبه في سبتمبر عام ١٩٥١ بدعوى اتهامه بنقد الملك وسياساته، ولكن سرعان ما أعاده الملك فاروق الى منصبه في مشيخة الأزهر بعد شهور قليلة في فبراير ١٩٥٢ .
حكومة الثورة
و بعد أحداث يوليو ١٩٥٢ و في بداية عهدها ، كان للشيخ الجليل مواقفه الشجاعة الصامدة فقد رفض تدخل الثورة في شؤون الأزهر بعدما حاولت أن تفرض على الشيخ تعيين أشخاص بعينهم في مناصب قيادية بالأزهر ، و تصدى لكل تدخل، فطالبته حكومة الثورة بالاستقالة إذا أصر على موقفه ، فقدمها طواعية دون تردد أو أسف و لقى الشيخ الجليل ربه في ٧ اكتوبر عام ١٩٥٤ م.