غنت لفلسطين ولم تترك بلدها في الحرب اللبنانية ورفضت الغناء للرؤساء وانحازت للشعوب العربية وماكرون منحها وسام الشرف.. حكايات من حياة جارة القمر فيروز
فنانة من طراز خاص سكنت قلوب جمهورها بسبب فنها الراقي وموهبتها الفريدة أستطاعت أن تخطف الأنظار بقدرتها وذكائها الشديد على الجمع بين فخامة الكلمة ورقي الأداء، حيث حققت نجاح كبير عبر مشوار طويل امتد نحو 65 عامًا في خطف القلوب وأسر الأسماع بصوت خلاب عبر الأعماق وسكن الوجدان، ليضعها علي القمة أنها الفنانة القديرة فيروز.
اسمها الحقيقي نهاد رزق وديع حداد ولدت في مثل هذا اليوم عام 1935 في زقاق البلاط أحد أحياء بيروت القديمة لأسرة بسيطة، بدأت قصتها مع الغناء في سن صغير، فخرجت من منزلها تطارد أصوات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وليلى مراد في الشوارع والحارات لعجز أسرتها عن شراء جهاز راديو.
ظهرت موهبتها وهي في سن الطفولة في المدرسة ووقتها تحمس لها الموسيقي اللبناني محمد فليفل ليساعدها على الإنضمام إلى فرقة الإذاعة اللبنانية، وبمرور الأيام بدأ الحلم ينمو بداخلها، ورغم رفض الأب احترافها الغناء فإنها أصرت على المضي قدمًا في طريق الحلم ودرست في المعهد الوطني للموسيقى، لتصبح ذات شأن عظيم.
وبعد النجاح الذي حققته فيروز التقت مع الأخوين عاصى ومنصور الرحبانى، اللذين كانا يشقان طريقهما الموسيقى ويقدمان المواهب من خلال ألحانهما وكلمات أغانيهما، ورغم ما حققاه من نجاحات، إلا أن تعاونهما مع فيروز سجل لهما النجاح والشهرة الحقيقية، وارتباط فيروز بابن عائلة الرحباني لم يقتصر على العمل، إذ تطورت علاقة الصداقة إلى حب كبير توجاه بالزواج عام 1955، ورزقا بأربع أبناء هم: زياد، هالي، ريما وليال.
قدمت جارة القمر في عام 1957 أول عرضاً مباشراً بعد أن كانت أعمالها مقتصرة على التسجيلات، حيث أدت استعراضاً موسيقياً بعنوان "أيام الحصاد" أمام حشد فى معبد جوبتر الأثرى فى بعلبك، وكان ظهورها الأول فى مهرجان بعلبك الدولى، حيث كرمها الرئيس اللبنانى آنذاك كميل شمعون بمنحها وسام "فارس"، نظراً لإسهاماتها الفنية، بعد ذلك بأربعة عشر عاماً أصدرت الحكومة اللبنانية طابعاً يُخلد اسمها، وأصبحت فيروز أحد عوامل الجذب الأساسية لمهرجان بعلبك الدولى، حيث قدمت سنوياً مسرحيات موسيقية كتبت من الأخوين الرحبانى خصيصا لها، وصلت إلى 15 مسرحية.
وتخطت شهرة فيروز العالم العربى لتصل إلى أوروبا وأمريكا وجعلت العديد من الملحنين والشعراء يتسابقون لتقديم الأعمال لها، فتعاونت مع كل من فيلمون وهبى، ومحمد عبد الوهاب، وإلياس الرحبانى، ومحمد محسن، وزكى ناصيف، وهو ما كانت حصيلته أكثر من 800 أغنية، و3 أفلام و400 ألبوم خلال فترة زمنية امتدت لثلاث عقود، كما دُعيت فيروز لتؤدى فى مختلف العواصم العربية وقدَّمت حفلات موسيقية فى نيويورك، وسان فرانسيسكو، ومونتريال، ولندن وباريس، وحصلت على وسام الشرف عام 1963 والميدالية الذهبية عام 1975 من قبل ملك الأردن حسين، كما رشحت لوسام الاستحقاق الفرنسى من الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، وكان آخر ظهور لها على المسرح فى يناير 2011 فى مسرحية "صح النوم".
عرف عن فيروز وطنيتها الشديدة وحبها للعروبة، فلم تترك لبنان أثناء الحرب اللبنانية، وظلت في منزلها تنادي بوحدة شعبها، وغنت لدولة الأرز "بحبك يا لبنان"، "يا هوى بيروت"، و"لبنان يا أخضر لونك حلو"، كما أنها رفضت ط الغناء للرؤساء وانحازت للأوطان والشعوب، فغنت للقدس "زهرة المدائن" و"القدس العتيقة"، ولـ"أم الدنيا" غنت فيروز "مصر عادت شمسك الذهبي" و"شط إسكندرية" وهادت سوريا "إلى دمشق".
وفي وقت سابق منح الرئيس الفرنسي ماكرون الفنانة فيروز وسام جوقة الشرف الفرنسي، وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا انشأه نابليون بونابرت عام 1802، وزينت بلدية الرابية المنطقة بالاعلام الفرنسية واللبنانية ورفعت اللافتات المرحبة بالرئيس الضيف باللغة الفرنسية.
وتجمع محتجون أمام منزل السيدة فيروز في محاولة منهم للقاء الرئيس ماكرون ولينقلوا إليه رسالة يطلبون منه فيها العمل على إنقاذ لبنان من الطبقة الحاكمة ومن الوضع المعيشي المتردي الذي يتخبط به اللبنانيون، خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت.