قال له : الأمريكان لا يفهمون ..أوباما ينشر مذكراته عن ليلة ”خلع مبارك ”
كشف الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في مذكراته الجديدة "أرض الميعاد"، عن رأيه في الرئيس الراحل، حسني مبارك.
وكتب في مذكراته بحسب وكالة "فرانس برس" أنه بعد لقائه مبارك في عام 2009، في القاهرة "أصبح لديه انطباع سيصبح مألوفا جدا في تعامله مع الحكام المستبدين المسنين، وهو أنهم منغلقين على أنفسهم داخل قصورهم، وكل تفاعل لهم يكون من خلال الموظفين المتعصبين والمذلين الذين يحيطون بهم، كما أنهم غير قادرين على التمييز بين مصالحهم الشخصية ومصالح شعوبهم".
"حين أنظر للماضي، أحيانا ما أفكر في إجابة السؤال العتيق.. إلى أي مدى تؤثر الصفات الشخصية للقادة في حركة التاريخ.. أفكر في إن كانت مخاوفنا وآمالنا وصدمات طفولتنا وذكرياتنا عن الطيبة غير المتوقعة تلعب دورا لا يقل أهمية عن التطور التكنولوجي والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية"، هكذا يتحدث الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في كتابه الأخير "أرض موعودة"، وهو الجزء الأول من ذكرياته حول الرئاسة، والذي يغطي فترة رئاسته حتى إعلان مقتل أسامة بن لادن.
وعلى مدار الكتاب الذي يمتد لأكثر من ٨٥٠ صفحة، يمزج أوباما بين انطباعاته الشخصية وتوثيقه التاريخي عن قادة العالم الذين عاصرهم في فترة رئاسته، وفي هذه المذكرات اختص بالذكر الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك 75 مرة، في مواضع شتى لها علاقة بمحادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وتعامل الإدراة الأميركية مع مظاهرات الربيع العربي التي أطاحت بالرئيس الذي حكم مصر لأكثر من 30 عاما.
فكيف وصف أوباما مبارك وصفاته الشخصية، التي قد تكون أثرت في حركة التاريخ؟
شوارع القاهرة الخالية
ورد اسم مبارك للمرة الأولى في كتاب أوباما خلال وصفه القاهرة في زيارته لها يونيو 2009، حيث ألقى خطابا للعالم الإسلامي في جامعة القاهرة. ويلاحظ أوباما في كتابه أن الشوارع التي مر بها في المدينة المتروبوليتانية التي يقطنها ٦٠ مليون نسمة كانت خالية تماما "في دلالة على القوة الهائلة لقبضة مبارك الأمنية"، وقدرتها على بسط السيطرة على شوارع مدينة بهذا الحجم، وسكان بهذا العدد.
ويوجه أوباما اللوم في كتابه لمبارك، قائلا أنه "لم يهتم أبدا بإصلاح الاقتصاد الراكد لبلده، مما تسبب في ضيق الحال لجيل كامل من الشباب الذي لا يجد عملا"، وقبيل الخطاب، قضى أوباما مع مبارك ساعة كاملة يتناقشان في مكتب الأخير بقصر القبة الرئاسي.
ويصف أوباما مبارك بأنه كان يبدو بصحة جيدة رغم عمره الذي تجاوز الثمانين، وأنه في عمره المتقدم متيقن ومعتاد على موقعه على رأس السلطة. وتطرق النقاش للأوضاع الاقتصادية وكيفية تنشيط اتفاقية السلام مع إسرائيل، ولكن حين تحدث أوباما عن أوضاع حقوق الإنسان والسجناء السياسيين وحرية الصحافة، رد عليه مبارك بالتقليل من خطورة هذه الأمور، مؤكدا أن أجهزته الأمنية تستهدف فقط المتطرفين الإسلاميين، وأن هذه السياسات تلقى تأييدا واسعا بين المصريين.
ويقول أوباما أنه خرج من الاجتماع بانطباع صار يلازمه في كل مقابلاته مع "الأتوقراطيين كبار السن"، وهو أنهم معزولون داخل قصورهم، ولا يدركون حقيقة الأوضاع في بلادهم، وأنهم لا يفرقون بين مصالحهم الشخصية ومصالح دولهم، وأن ما يحرك قراراتهم حقا هو الحفاظ على شبكة المصالح المعقدة من المقربين ورجال الأعمال وأصحاب المصالح التي تحفظ لهم أماكنهم.
التغيير بعد فوات الأوان
يمدح أوباما في كتابه، الأكاديمية الأميركية سامنثا باور، أستاذة جامعة هارفارد التي طالما انتقدت مواقف أميركا من حوادث التطهير العرقي في العالم، وكلفها أوباما بعد ذلك بتولي منصب سفيرة أميركا في الأمم المتحدة.
ويروي أوباما أنه خلال وجبة غذاء مع باور في مايو 2010، واجهته بعدم رضاها عن موقف الإدارة الأميركية التي صمتت تماما دون تعليق على إعلان مبارك تمديد حالة الطوارئ التي ظلت ملازمة لحكمه، وهي الحالة التي توسع من سلطات الأجهزة الأمنية وتقوض الحقوق الدستورية للشعب المصري وحقوقه السياسية.
وقالت باور: "أنا متفهمة أن هناك اعتبارات استراتيجية متعلقة بمصر، لكن هل توقف أحد من قبل وفكر إن كانت هذه الاستراتيجية جيدة؟".
وعقب هذا اللقاء، تعاونت باور مع دينيس روس، مستشار معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وجايل سميث، الرئيس السابقة لوكالة الدعم الأميركي، وجيرمي وينستين، أستاذ العلوم السياسية، في تقديم خطوط عريضة لاستراتيجية أميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحاول خلق موازنة بين حفظ الاستقرار، والعمل على دفع الحكومات الأتوقراطية للتغيير.
ويقول أوباما أنه تحدث بعد ذلك مع البنتاجون ووزارة الاستخبارات الأميركية ووزارة الخارجية وغيرها من الجهات الحكومية، بهدف توحيد خطاب كافة أوجه الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط حول ضرورة الإصلاح السياسي وفتح الباب أمام المجتمع المدني، كوسيلة لحماية المنطقة من الاضطرابات والانتفاضات المفاجئة، غير أن هذه الجهود كانت متأخرة، على حد قول أوباما، ففي ديسمبر من ذلك العام، أشعل البائع الجائل محمد البوعزيزي النيران في نفسه، لتبدأ معها مظاهرات الربيع العربي في تونس.
مصر ليست تونس
اتخذت الإدراة الأميركية موقفا واضحا مؤيدا لحقوق المتظاهرين التونسيين، ويقول أوباما أنه تحدث مع مبارك على الهاتف حول احتمالية أن تمتد هذه المظاهرات في مصر.
ويروي أوباما أنه ناقش مع مبارك عبر الهاتف أمورا متعلقة بإقناع السلطتين الفلسطينية والإسرائيلية للعودة إلى مائدة التفاوض، إضافة للنقاش حول هجوم إرهابي استهدف كنيسة أرثوذكسية في الإسكندرية، ولكن حيث تكلم أوباما عن مظاهرات تونس، بدا مبارك غير مكترثا، وقال: "مصر ليست تونس"، وأن المظاهرات ضد حكومته ستنتهي بسرعة.
ويقول أوباما: "وقتها تخيلته وهو يجلس في مقعده الوثير داخل غرفة قصره ذي الستائر المغلقة، وحوله مساعديه المستعدون للاستجابة لأي شيئ يطلبه.. إنه يرى فقط ما يريد أن يراه.. ويسمع فقط ما يريد أن يسمعه، ولم يبشر هذا بنتائج جيدة".
ويقول أوباما أن المظاهرات حين اندلعت بالفعل في مصر وضعت إدارته أمام أسوأ سيناريو أرادوا تجنبه: ضرورة الاختيار بين حاكم مستبد، لكنه حليف يعتمد عليه، وشعب يطالب بالديمقراطية والحرية التي طالما قالت أميركا أنها تساندها، خاصة أن أغلب المتظاهرين بدوا وكأنهم من الشباب الواعد المطالب بالديمقراطية والدولة المدنية، مثل هؤلاء الذين قابلهم خلال خطابه في جامعة القاهرة.
يقول أوباما أنه قال لأحد مساعديه: "لو كنت مصريا في العشرينات لشاركت في المظاهرات"، لكن كان عليه أن يتذكر أنه ليس مصريا وليس في العشرينات، بل إنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وأن موقعه يحتم عليه أن يتفهم أن هؤلاء المتظاهرين لا يعبرون عن كل المجتمع المصري، وأن رحيل مبارك المفاجئ قد يترك فراغا في السلطة لا يملأه إلا الإخوان المسلمين.
وفي مكالمة هاتفية ثانية مع مبارك، حاول أوباما إقناعه بأن يعلن عن إصلاحات كبرى تهدئ من الأوضاع، لكن مبارك مرة أخرى قال إن المظاهرات وراءها تنظيم الإخوان المسلمين، وأنه أكد الأوضاع ستعود للهدوء.
يقول أوباما في كتابه أنه بعد وصول المظاهرات المصرية لأوجها في "جمعة الغضب" 28 يناير "استيقظ مبارك من سباته" وأعلن عن مجموعة إصلاحات محدودة، تضمنت إقالة الحكومة، لكنه لم يشر إلى ترك السلطة أو عدم الترشح مرة ثانية.
وقدر أوباما أن هذه الإصلاحات لن تكون كافية لإقناع المتظاهرين في ميدان التحرير بالرحيل، واجتمع مع مستشاريه وإداته وتدارك الأمر، وهنا وجد انقساما كبيرا في موقفهم، "يكاد يكون متطابقا مع فارق أعمار المتحدثين".
من ناحية، كان كبار السن في الإدارة، مثل نائب الرئيس الأميركي وقتها جو بايدن، ووزير الدفاع روبرت غيتس، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون يحذرون من التخلي عن مبارك، وكان في رأي هيلاري أن الانتقال السلس التدريجي للسطلة وإعطاء فرصة لمبارك أن يتقاعد بسلام هو أمر هام، لأنه من ناحية يعطي أحزاب المعارضة فرصة لتنظيم صفوفها وإعداد مرشحيها للرئاسة، ومن ناحية أخرى يرسل رسالة طمأنينة لحلفاء أميركا في الشرق الأوسط أنهم لم يتخلوا عن حليف قديم.
أما الأعضاء الأصغر سنا في الإدارة، فكانوا يرون أن على الإدارة الأميركية أن تعلن صراحة انحيازها لمتظاهري التحرير، وأن محاولة دعم نظام مبارك فاقد الشرعية مكلف وليس ذي جدوى، ولا يتسق مع الموقف الأخلاق الأميركي. فضلا عن ذلك كان الملك الأردني عبدالله بن الحسين يحذر أن نجاح المظاهرات قد يؤدي للفوضى، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو يحذر من التخلي عن مبارك قائلا "خلال ثانيتين ستجدون النفوذ الإيراني يظهر في مصر"، في حين كان الملك عبد الله آل سعود يرى أن هذه المظاهرات وراءها منظمة حماس وحزب الله والقاعدة والإخوان المسلمين، ولاتعبر عن المصريين.
ويقول أوباما أن هذه الإدعاءات لم يكن لها وجود على أرض الواقع، ولم يكن هناك أثر للنفوذ الإيراني أو القاعدة على المتظاهرين، وأنه حاول أن يجمع بين آمال الصغار ومخاوف الكبار، وأن يقنع مبارك باتخاذ خطوات أسرع للتغيير، لكن بعد مكالمة هاتفية، أصر مبارك على أن من يقف وراء المظاهرات هم الأخوان المسلمين، وأن الأمور ستعود لنصابها سريعا.
خطوة للوراء
مع اشتداد حدة المظاهرات، اضطر مبارك أن يلتزم علنا بأنه لن يترشح مرة أخرى للرئاسة، لكن لم يعط خطا زمنيا واضحا لانتقال السلطة أو خطوات فعلية تضمن حدوث ذلك، مما دفع المتظاهرين للتشكيك بمدى مصداقية هذه الوعود، لكن في ذات الوقت، ازداد الانقسام داخل إدارة أوباما بين من يرى أن وعد مبارك كاف، ومن يرى أنه ليس ملزما.
وفي خطابه الأخير، بعد أن خصص مبارك أغلب حديثه عن المؤامرات المحاكة ضد مصر، وأنه لم يكن أبدا طامعا في السلطة، قال أوباما "هذا لن يكون كافيا". وتحدث أوباما مع مبارك مرة أخرى من البيت الأبيض، قائلا بألفاظ حريصة: "الآن بعد أن أعلنت عن قرار تاريخي بانتقال السلطة، أريد أن أناقش معك كيف يمكن أن يحدث ذلك.. أنا أقول ذلك بمنتهى الاحترام، أريد أن أشاركك تقييمي الصادق حول كيفية تحقيق هذا الهدف".
يقول أوباما أنه واجه مبارك بمخاوفه أنه إن أطال فترة انتقال الحكم وظل في منصبه، قد تتطور المظاهرات إلى خارج السيطرة، وأنه إن أراد التأكد أن الإخوان المسلمين لن يكونوا الجهة المسيطرة في الانتخابات القادمة، فعليه التنحي واستخدام مكانته في أن يحرك العملية من الظل.
عندها، يقول أوباما أن مبارك اختار أن يرد عليه بالعربية، رغم تفضيله عادة أن يتحدثا بالإنجليزية، حيث قال الأخير: "أنت لا تفهم ثقافة الشعب المصري"، مضيفا بصوت أعلى: "الرئيس أوباما، إن بدأت في مرحلة نقل السلطة الآن، سيكون ذلك الأكثر خطورة على مصر".
ويقول أوباما أنه أكد على أنه لا يفهم ثقافة الشعب المصري مثل الرئيس مبارك بالطبع، "لكن هناك لحظات في التاريخ تتغير فيها الأمور.. أنت خدمت بلدك 30 عاما وأنا أريد أن أتأكد أنك انتهزت الفرصة التاريخية كي تترك وراءك سيرة رائعة".
لكن مبارك، بعد نقاش طويل، قال: "أنا أعرف شعبي. إنه شعب عاطفي، سأتصل بك بعد فترة وأخبرك أني كنت على صواب".
وعندها، قرر أوباما أن الاستمرار في دعم النظام المصري تحديدا أمر شديد الصعوبة، ففي حين لم تستطع الإدارة الأميركية أن تمنع الصين وروسيا من سحق المعارضين والمتظاهرين، فإن الحكومة المصرية تلقت المصرية مليارات الدولارات من المعونات الأميركية من أموال دافعي الضرائب، كما ساهمت أميركا في تدريب وتسليح الجيش المصري.
وانتهى أوباما إلى أن قال لمساعديه بعد المكالمة: "هيا بنا نحضر تصريحا. سندعو مبارك للتنحي".