الأسباب الحقيقية لإرسال أردوغان لقواته إلى أذربيجان
لا يكف نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن التدخل بأشكال مختلفة في شئون دول المنطقة، وصولا إلى منطقة "القوقاز".
وذلك في محاولات مستمرة لإثارة القلاقل وعدم الاستقرار؛ من أجل تحقيق أوهامه التوسعية، إضافة إلى المطامع الاقتصادية التي لا تغيب عن تحركاته؛ لتعويض النزيف الذي يعاني منه اقتصاده.
وأحدث تلك المحاولات والتحركات المريبة، موافقة برلمان تركيا الإثنين على مذكرة لـ"أردوغان" بإرسال قوات تركية لمدة عام إلى أذربيجان.
خطوة اعتبرها محللون سياسيون لـ"العين الإخبارية" أنها تهدف إلى شرعنة تموضع عسكري تركي في إقليم ناجورني كارا باخ، حتى لا تكون أنقرة بعيدة عن أي تسوية للصراع الأرميني – الأذربيجاني، وصولا لمرحلة تالية تتمثل في الحصول على الثمن مقابل الدعم.
وأضافوا أن إرسال أنقرة جنودها لأذربيجان بمثابة موضع قدم ثقيل في منطقة القوقاز لإخضاع أرمينيا لسطوتهم، وتحقيق مطامع اقتصادية في المستقبل عبر اتفاقات الغاز التي سيعقدها.
وأبرز هؤلاء الخبراء أن النظام التركي يسعى لترتيب موقعه على خريطة الإقليم كطرف في العديد من المعادلات؛ من أجل فرض أمر واقع أمام إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن الجديدة قبل تنصيبه رسميا في 20 يناير المقبل.
الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير في الشئون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية رأى في حديث لـ"العين الإخبارية" أن موافقة البرلمان التركي من شأنها "شرعنة تموضع عسكري تركي في إقليم ناجورني كارا باخ، حتى لا تكون أنقرة بعيدة عن أي تسوية للصراع الأرميني – الأذربيجاني، كطرف رئيسي فيه.
وأردف: "من شأن ذلك ضمان إتمام المساندة التركية لأذربيجان حتى تتجه لمرحلة لاحقة هي الحصول على الثمن مقابل هذا الدعم".
وشدد عبد الفتاح، على أن أردوغان يسعى بالأساس إلى تموضع شرعي وقانوني في ناجورني كارا باخ عبر وجود قوات ومرتزقة هناك بالاتفاق مع روسيا.
ومن ضمن أسباب إرسال قواته لأذربيجان، أبرز الخبير بمركز الأهرام أن أردوغان يريد أن يضمن عدم دعم روسيا أو أي دولة أخرى في المستقبل لأرمينيا، في حال أقدمت الأخيرة على هجوم على أذربيجان لاسترداد المناطق التي أصبحت في يد الأخيرة.
ونوه عبد الفتاح إلى أهداف اقتصادية أخرى تحرك الجانب التركي تتمثل في أن أذربيجان تزود أنقرة بـ 60% من احتياجاتها من الغاز، وتريد الأخيرة زيادة تلك النسبة لـ 80% أو أكثر حتي توقف اعتمادها على روسيا، لأن علاقتهما مرتبكة في العديد من الملفات.
وفي تعقيبه، قال السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب في حديث لـ"العين الإخبارية" إن أردوغان يسعى للظهور بموقف الداعم القوي لأذربيجان، بحكم العلاقات التقليدية بين البلدين، وحتى يجد موضع قدم ثقيل له بتلك البلد في محاولة لإخضاع أرمينيا.
وأكد العرابي سعي أردوغان لتحقيق مكاسب وأهداف اقتصادية وتجارية في منطقة القوقاز انطلاقا من أرمينيا.
وتوقع "العرابي" أن ينشط نظام أردوغان حتى 20 يناير المقبل وهو موعد تنصيب الرئيس جو بايدن؛ من أجل محاولة تحقيق مكاسب على الأرض؛ لفرض أمر واقع تتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة على أساسه.
وتابع: "يقوم أردوغان حاليا بترتيب موقعه على خريطة الإقليم حتى يبدأ مع إدارة بايدن من موقف القوي الذي يملك العديد من الأوراق، وفرض نفسه كطرف موجود في العديد من المعادلات".
إزاء هذا التصور، يتوقع "العرابي" أن ينشط النظام التركي عبر التدخل المباشر من جديد في الشأن الليبي وعرقلة الجهود السلمية.
الوجود التركي في أذربيجان لن يصل لاحتلال عسكري مباشر للبلاد، وفقا للعرابي، وهو الأمر الذي أرجعه الدبلوماسي المصري السابق إلى "الرفض الروسي للأمر، ورغبة أنقرة في عدم إفساد علاقاتها مع موسكو، علاوة على أن إرسال قوات عسكرية تركية أمر سيكون خاضعا للقبول والرفض من جانب أذربيجان".
وأبدت دول غربية على رأسها فرنسا انزعاجها من مساعي أنقرة لإشعال التوتر في القوقاز، حيث يجاهر أردوغان بعدائه لأرمينيا، في الصراع التاريخي المتجدد مع أذربيجان، والذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص.
موافقة البرلمان التركي تأتي بعد توقيع أرمينيا وأذربيجان اتفاقا لإنهاء القتال في إقليم ناغورني قره باغ برعاية موسكو، وحقن الدماء التي كانت تسيل في أسوأ قتال بتلك المنطقة منذ عقود.
وانخرطت تركيا في تزكية نيران الحرب بين الطرفين بإرسال نحو 4 آلاف مرتزق سوري إلى القتال بجانب أذريبجان ضد القوات الأرمينية، وهو ما تنفيه باكو.
الانخراط التركي المثير للفتن، دفع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إلى دعوة القوى العظمى لمنع أنقرة من صب الزيت على نار النزاع.
ووقعت أرمينيا وأذربيجان برعاية روسيا في ال ـ9 من الشهر الجاري، اتفاقا لوقف إطلاق النار في كارا باخ وأعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان وقعوا إعلانا مشتركا حول التهدئة.