من تأميم الثورة لممتلكات عائلته..إلى وفاة نجله وزوجته..أزمات في حياة ”عزيز بك الأليت” أشهر من قدم ”بابا نويل”

الموجز

فنان لم تفارقه ابتسامته رغم حياة امتلأت بالخسائر والفقد الذي لا تعوضه عظمة ما حقق من إنجازات عالمية، ففي بداية حياة الفنان حسن كامي، تم تأميم ثروة عائلته، ثم فقد ابنه الوحيد شريف عن عمر يناهز 18 عاماً، أعقب ذلك وفاة زوجته "التي أحبها كثيراً" ثم اعتزل الفن بعدها عام 2001، وظل كامي محتفظاً بـ"ابتسامته المبهجة" حتى آخر لحظة في حياته.

وُلد كامي في الثاني من نوفمبر عام 1936، وكانت جدته ابنة محمد علي باشا، صانع نهضة مصر الحديثة، وقد يفسر ذلك ملامحه الأجنبية وشخصيته الأرستقراطية، درس في مدارس "الجيزويت"، وحصل على بكالوريوس الحقوق من جامعة القاهرة، بعدها انتقل إلى معهد الكونسرفتوار لأنه أحب الأوبرا منذ دخلها أول مرة في سن 11 عاماً، وكان يرغب أن يصبح مغنياً أوبرالياً رغم أن صوته، على حد قوله، كان سيئاً وطالما سخر منه رفاقه لهذا السبب، حتى حصل على الدراسات العليا من إيطاليا.

كانت أولى صدمات حياته "تأميم ثروة عائلته" عقب قيام ثورة يوليو عام 1952، وتحدث عن ذلك في لقاءات تلفزيونية وصحافية عديدة، وقال:"تعلمت أن الفلوس تذهب وتأتي ويبقى التعليم والخبرة في الحياة".

بعدها بدأ حياته من الصفر واشتغل في مجال السياحة والطيران، فعمل بدايةً موظف حجوزات في إحدى الشركات السياحية، ثم ترّقى مديراً لمحطة طيران في مطار القاهرة، وبعدها أصبح مديراً وممثلاً للخطوط الجوية التونسية، ومنها عمل وكيلاً عاماً للخطوط الجوية اﻷمريكية، الخطوط التايلاندية والخطوط القبرصية والاسكندنافية.

وكان لتأميم ثروة أسرته أثر كبير في نجاحه الفني، إذ أصرّ على النجاح رغم "صوته البشع" حينها، وخضع للكثير من التدريبات حتى تمكن من الغناء في الأوبرا لأول مرة، علماً أن بدايته، بين عامي 1962 و1963، لم تكن سهلة أبداً.

قام كامي بدور البطولة في "أوبرا عايدة" على مسارح الأوبرا في الاتحاد السوفياتي عام 1974، ليصبح أول مصري يقوم ببطولة الأوبرا الأشهر في العالم، وذكر ذات مرة أن "أوبرا عايدة تم تقديمها في التاريخ 1600 مرة حول العالم، من ضمنهم 440 مرة كانت من غنائه".

توالت إنجازاته على مسارح الأوبرا العالمية، فشارك في بطولة 270 أوبرا على مدار حياته الفنية، في إيطاليا، الاتحاد السوفياتي، بولندا، فرنسا، الولايات المتحدة، اليابان، كوريا والدنمارك، وترأس دار الأوبرا المصرية منذ عدة سنوات.

وصل الراحل خلال مسيرته الأوبرالية إلى درجة (تينور)، وهي أعلى طبقة في الأصوات الغنائية للرجال في الفن الأوبرالي، كما تم تكريمه في العديد من المحافل الدولية، من بينها حصوله على الجائزة الثالثة العالمية في الغناء الأوبرالي من إيطاليا عام 1969، الجائزة الرابعة العالمية عام 1973، الجائزة السادسة من اليابان 1976 والجائزة الأولى في مهرجان موسيقى الألعاب الأولمبية في سيول في كوريا الجنوبية عام 1988.

لم تقتصر مسيرته على الغناء الأوبرالي، حيث اكتشفه للمسرح الفنان والمطرب محمد نوح، في أواخر الستينات، وشارك في مسرحية "انقلاب" و"دلع الهوانم" و"لا مؤاخذة يا منعم"، وقد اشتهر منذ ذلك الحين بأدوار "الباشا" ليعوّض غياب سليمان نجيب وزكي رستم، ودعمته في ذلك أصوله وملامحه.

أما عن الأفلام فأهم أعماله هي: وسمع هس، يا مهلبية يا، زكي شان، ناصر 56، دموع صاحبة الجلالة، الحب والرعب وكونشرتو في درب السعادة.

شارك في العديد من المسلسلات الهامة أيضاً، أبرزها: أنا وأنت وبابا في المشمش، بوابة الحلواني، رأفت الهجان، الخواجة عبد القادر، العراف والبنات وقشتمر، المصراوية، ناس وناس، الملك فاروق، ودمي ودموعي وابتسامتي.

لا يوجد متابع أو محب للفنان الراحل لا يعرف قصة حبه الصعبة التي انتهت بالزواج ممن أصر على وصفها دوماً "حبيبته وعشيقته وأمه وابنته وأم ابنه وكل حياته"، والتقى كامي زوجته نجوى للمرة الأولى حين كان عمره 29 عاماً في "نادي الجزيرة"، وقد عانى كثيراً حتى يتزوجها.

كانت نجوى مسيحية، من أصول صعيدية، وقد تشدد والدها الذي عمل لواءً في الجيش إبان حكم الملك فاروق في الموافقة على الزواج وبالغ في تهديده، إلا أن كامي استمر في علاقته بها وتزوجا بالفعل وعاشا معاً قصة حب مميزة للغاية.

تعرض كامي لثاني وأقوى صدمة في حياته عندما تُوفي ابنه الوحيد شريف في حادث، وكان خارج مصر حينما أبلغته زوجته الخبر، وقال مراراً إن وجود زوجته إلى جانبه هو وحده الذي ساعده على تخطي الأزمة التي جعلت منه "سيارة ساكند هاند"، عديم الفائدة.

وليس صعباً أن نتخيل أن الفنان الراقي لم يكن يحرج كأي رجل شرقي في إبراز حبه لزوجته، حتى أنه اعترف في أحد اللقاءات التلفزيونية أنه قبل قدميها، وأهداها مكتبة للكتب والتذكارات، تضم 40 ألف كتاب اشتراها من أحد المستشرقين اليهود، تعبيراً عن أسفه عندما "جرح أنوثتها ذات مرة وأبكاها للمرة الأولى"، قبل أن يكتب كل ممتلكاته باسمها.

ذهب حب كامي لزوجته أبعد كثيراً عقب وفاتها المفاجئة، وهي الصدمة الثالثة في حياته، فاعتزل بعدها الغناء والفن عام 2001، وابتعد عن الأضواء إلا من بعض "لقاءات حوارية كرسها لذكر محاسن زوجته وقصة حبه لها"، وعكف منذ ذلك الحين على إدارة المكتبة التي اشتراها لها سابقاً حتى وفاته.

استمر أيضاً في نشر الرسائل المؤثرة في كل مناسبة عبر حساباتها، ويملأ حساباته عبر مواقع التواصل بصور تجمعهما معاً حينما كانا يسافران حول العالم، ومن أكثر الرسائل المؤثرة التي بعث بها إليها :"أمس الجمعة 28 أغسطس ذكرى عيد ميلادك، وأنتِ بعيدة عني، أنتِ تعيشين في قلبي وروحي إلى آخر العمر، وأنا على مشارف العام الرابع من رحيلك، أتذكر في هذا اليوم حبك للحياة، والمتعة فى العيش، وكل ما يجعل هذه المناسبة يوماً من أيامنا الجميلة يا نجوى، فليرحم الله روحك، وأنت الآن في مكان أفضل".

وفي المسلسل الكوميدي الشهير ناس وناس، عن قصة الكاتب الكبير أحمد رجب، أدى كامي أبرز شخصياته التي علقت بأذهان جميع محبيه "عزيز بك الأليت"، وكانت الشخصية التي تؤدي البطولة أمامه هي شخصية "الكحيت" وقام بدوره الفنان الراحل أحمد راتب، ومن سخرية القدر أن يرحل "عزيز بيك" في ذكرى وفاة الكحيت الموافق 14 ديسمبر 2016.

وجاء رحيل أشهر من جسّد شخصية "بابا نويل" عندما ظهر مرتدياً زيه الشهير في أغنية "هات أحلامنا يا بابا نويل"، وشارك فيها الغناء مع الفنانة نيللي ومصطفى قمر، مؤثراً، إذ لم تتحقق أمنيته الخاصة وربما الأخيرة بالاحتفال بـ"الكريسماس".

تم نسخ الرابط