المعزول.. المقاطعة العربية تهز عرش أردوغان.. والاقتصاد التركي يدخل النفق المظلم

أردوغان
أردوغان

لا يزال الاقتصاد التركي حسب دراسة للمرصد المصري يتلقى صدماتٍ متعددة وبشكل متكرر خلال الآونة الأخيرة ابتداءً من انهيار الليرة التركية وتسجيلها أدنى مستوياتها على الإطلاق خلال أكتوبر 2020، وتراجع مستوى الاحتياطي النقدي وتزايد مخاطر عدم سداد الديون وحتى القرارين السعودي والمغربي الهادفان لتضييق الخناق على الاقتصاد وحرمانه من مصدر مهم من مصادر النقد الأجنبي؛ وهو العائدات المتولدة من التصدير.

حملات شعبية في السعودية لحظر المنتجات التركية
تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثالثة عشر ضمن أكثر الدول المستوردة من تركيا، ويتصدر كلٌ من الأثاث ومنتجات قطاع الفنادق والمنسوجات والسلع الغذائية قائمة الصادرات التركية. ورغم العلاقات التجارية القوية التي شهدتها الدولتان خلال السنوات الأخيرة، إلا أن حملة شعبية انطلقت بداية من 3 أكتوبر 2020، بدعوة من رئيس الغرف التجارية “عجلان العجلان” إلى مقاطعة تركيا بشكل كامل على مستويات التجارة والاستثمار والسياحة، وهو ما استجاب له الآلاف من السعوديين.

وتعتبر الحملة الشعبية أداة اقتصادية –ناتجة عن خلاف سياسي بين الدولتين- لتوجيه ضربة قوية للاقتصاد التركي، حيث إن قرار إغلاق أحد الأسواق الهامة للمنتجات التركية قد ينتج عنه أضرار بالغة الشدة على الشركات التركية المُصدرة.

ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها السعودية لحل اقتصادي يهدف إلى مواجهة المضايقات التركية، حيث قررت رفع ضريبة القيمة المضافة على المنتجات التركية المستوردة من 5% إلى 15% خلال العامين الماضيين، كما قامت بتأجيل السماح بدخول شحنات البضائع التركية وتركها عالقة في المعابر الجمركية، مما أسفر عن تلف البضائع المحملة على متنها، وتكبد المصدرين الأتراك خسائر مالية فادحة.

وقد يؤول هذا القرار إلى تقليل حجم العجز التجاري بين الدولتين والذي يصب لصالح تركيا، حيث يتفوق حجم الواردات السعودية من تركيا على حجم صادراتها إليها، وهو ما يُمكن عرضه على النحو الآتي:

ارتفع حجم الواردات السعودية من تركيا بنحو 40.5% من 2.12 مليار دولار في 2010 إلى 2.98 مليار دولار في 2019، كما صعد حجم الصادرات السعودية إلى تركيا بحوالي 68.6% خلال نفس الفترةحيث قفزت إلى 1.99 مليار دولار بحلول نهاية العام الماضي. وفيما يلي عرض للميزان التجاري بين الدولتين:

تركيا هي المُستفيد الأكبر من التبادل التجاري مع السعودية حيث ارتفع عجز الميزان التجاري بين الدولتين بنحو 6.45% من 0.93 مليار دولار خلال 2010 إلى 0.99 مليار دولار في 2019. ويتضح أن العجز قد أزداد في بعض السنوات مقارنة بالبعض الأخر حيث سجل أعلى مستوياته خلال الفترة محل الدراسة خلال 2012 عند 1.52 مليار دولار، وهو ما يمثل ارتفاعًا بحوالي 123% على أساس سنوي.

لم تفق تركيا من القرار السعودي حتى تلقت ضربة أخرى من المغرب، حيث قامت الأخيرة بتعديل اتفاقية التجارة الحرة بين الدولتين عبر زيادة الرسوم الجمركية بنحو 90% على 1200 سلعة تركية-أبرزها الملابس الجاهزة والمنسوجات والسيارات والخشب والكهرباء- لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.

ولم تكتفِ المغرب بهذا القرار فقط بل فرضت قيودًا مشددة على سلاسل المتاجر التركية المتواجدة في البلاد وأطلقت تحذيرات بشأن إغلاقها حال عدم التزامها بتلك القرارات. كما اشترطت الرباط على سلسلة متاجر”بيم” التركيةبأن يكون نصف المعروض في جميع متاجرها من إنتاج المصانع المغربية، مؤكدة أنه في حالة عدم الالتزام سيتم غلق 500 متجرًا تمتلكها العلامة التجارية في المغرب.

وتهدف الخطوة المغربية إلى دعم الصناعات الوطنية–لاسيما في قطاع الملابس والمنسوجات- وتقليص حجم العجز في الميزان التجاري بين البلدين، حيث أدت اتفاقية التجارة الحرة –الموقعة بين تركيا والمغرب عام 2004 ودخلت حيز النفاذ بحلول 2006- إلى زيادة حجم التبادل التجاري لصالح تركيا. وبناء على ذلك، طالبت المغرب أنقرة في منتصف يناير بمراجعة اتفاقية التجارة الحرة، ومن ثم وقع البلدان القانون رقم 54.20، في الرابع والعشرين من أغسطس 2020 الذي اتخذت الحكومة المغربية بموجبه قرار فرض الرسوم الجمركية الأخير.

ولطالما أعربت المغرب عن حجم الضرر الواقع عليها من قِبل اتفاقية التجارة مع تركيا؛ إذ صرح وزير الصناعة “مولاي حفيظ العلمي” أن الاتفاقية أضرت بقطاع النسيج المغربي بسبب إغراق السوق بالمنتجات التركية وتراجع متوسط أسعار واردات النسيج والملابس من تركيا، مقارنةً بالواردات القادمة من الدول الأخرى والمنتجات المحلية، بما يجعلها جاذبة للمستهلكين. وهكذا استفادت تركيا من الاتفاقية على نحو غير متكافئ، ويُمكن الاستعانة بالرسوم البيانية الآتية لتوضيح ذلك:

ساهمت اتفاقية التجارة الحرة في زيادة حجم كلٍ من الصادرات والواردات بين الدولتين؛ إذ قفزت الصادرات المغربية لتركيا من 0.06 مليار دولار إلى 0.64 مليار دولار منذ عام 2004 وحتى العام الماضي. كما ارتفعت الواردات المغربية من تركيا إلى 2.67 مليار دولار بحلول عام 2019. ويلاحظ أن منحنى الصادرات المغربية يقع أسفل منحنى الواردات خلال الفترة محل الدراسة، وهو ما يعني عجزًا دائمًا لصالح تركيا،
ارتفعت قيمة العجز التجاري بين تركيا والمغرب بنحو 576.6% منذ توقيع اتفاقية التجارة الحرة وحتى 2019 من 0.3 مليار دولار إلى 2.03 مليار دولار، مما يؤكد على استفادة تركيا على حساب المغرب من الاتفاقية.

من المرجح أن تنعكس القرارات سالفة الذكر سلبًا على الاقتصاد التركي الذي يعاني بالفعل من عدة أزمات خانقة، وفيما يلي عرض لأهم التداعيات الاقتصادية للخطوات السعودية والمغربية الأخيرة.

1. تراجع حجم الصادرات التركية:

يستهدف القراران السعودي والمغربي الصادرات التركية بشكل أساسي، سواء عبر رفع الرسوم الجمركية أو حظر المنتجات التركية. ولهذا فمن المرجح أن تتراجع الصادرات التركية وأن يتزايد عجز الميزان التجاري التركي الذي بلغ نحو 23.87 مليار دولار خلال النصف الأول من 2020 مقارنة مع 13.7 مليار دولار في نفس الفترة من 2019، بحسب هيئة الإحصاء التركية.

وقد ينتج عن ذلك، تراجع حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي مما سيسفر عنه انخفاض قيمة العملة المحلية، وتراجع القدرة على سداد الديون،

2. تأثير سلبي على الليرة التركية:

تعاني الليرة التركية بالفعل من انهيارٍ في قيمتها منذ عام 2018 بضغطٍ من تراجع الاحتياطي النقدي وهو ما يمثل عبئًا على فاتورة الاستيراد وقدرة الدولة على سداد الديون، وفيما يلي عرضًا لانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار منذ أوائل 2019 وحتى أكتوبر 2020.

.

3. خسارة جزء من الاستثمار الأجنبي المباشر:

في حالة توسيع نطاق الحملة الشعبية من الممكن أن تتجه المصانع العالمية، التي تمتلك فروعًا في تركيا تصدرمنها منتجاتها للسعودية، إلى نقل مصانعها من تركيا لأي بلد أخرى خشية أن يؤثر قرار الحظر السعودي على حجم مبيعاتها في المنطقة، وللحيلولة دون خسارة حصتها في السوق السعودي.

كما أنه من المرجح أن تتراجع بعض الشركات عن خططها المستقبليةللاتجاه للاستثمار في تركيا خوفًا من نفس الأمر، وهو ما قد يؤول إلى تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا الذي سجل انخفاضًا بالفعل خلال 2019 .

4. الإضرار بقطاع الملابس والمنسوجات التركي:

من المرجح أن يتضرر قطاع المنسوجات التركي من قبل القرار المغربي على وجه التحديد، حيث تستورد الرباط غالبية احتياجاتها من الملابس من أنقرة. ولهذا يُمكن أن تخسر الأخيرة حصتها السوقية في المغرب وهو ما سينتج عن الإضرار بشركات المنسوجات والملابس التركية.

ويُمثل هذا القطاع عنصرًا رئيسيًا على صعيد المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف والصادرات؛ حيث يمثل قطاع المنسوجات والملابس 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي التركي، ويعمل به ما يقرب من 750 ألف شخص. وقد بلغت الصادرات التركية من الملابس الجاهزة، خلال أغسطس الماضي 1.54 مليار دولار، بزيادة قدرها 10.87% على أساس سنوي.

خلاصة القول، يُمكن الجزم بأن القرارين السعودي والمغربي سيساهمان في تفاقم الأوضاع الاقتصادية في تركيا مما سينعكس على انخفاض معدل النمو، وارتفاع معدل البطالة وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين.

تم نسخ الرابط