خيانة صديقه قضت على أسطورته ... حكاية ” أدهم الشرقاوى” بطل الافلام والمواويل
أدهم عبدالحليم عبدالرحمن الشرقاوي، أو «أدهم الشرقاوي»، شخصية أسطورية، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك براعة وقوة ودهاء الإنسان المصرى، فاستطاع صاحبها أن يقاوم فى الإنجليز، ويواجه قوى الشر من الأثرياء، على الرغم من أنه كان ينتمى إلى أسرة ثرية، وكانت براعته فى التعامل مع الآخرين، والحديث بأكثر من لغة، ونبرة صوته، هى السبب الرئيسى فى تصعيب أمر القبض عليه من قبل الإنجليز مرات عديدة، فكان يواجههم ويتحدث إليهم كشخص إنجليزى، أو امرأة عجوز، فكان مكره لا يتوقف عند نقطة بعينها، ولأن تضارب الأحداث والمعلومات التى لا تتفق مع بعضها البعض، بحثنا فى تاريخ صاحب الشخصية، واستطعنا أن نرصد منها بعض الحقائق، وإن كانت تبدلت فى السينما، وهذا أمر طبيعى، لإطالة الأحداث بالإضافة إلى أن هناك أحداث ومواقف غامضة وغائبة عن الرواة وهى ما تضطر صناع السينما إلى إعادة صياغتها، وصارت سيرته ملحمة وبطولة تاريخية يتحدث عنها القاصى والدانى، وهو لم يتخطى التاسعة والعشرين عاما.
كانت قرية زبيدة التابعة لمركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، شاهدة على ميلاد بطل شعبى كبير فى عام 1898، وتداولت بعض الشائعات عن أن جذوره تمتد إلى محافظة الشرقية، وهذا على غير الحقيقة، وينتمي «أدهم»، إلى إحدى الأسر العاملة فى مجال الزراعة والفلاحة، يتوالون العمدية بالقرية فيما بينهم بالتناوب، وكان الجميع ينتظر دور أدهم فى اعتلاء كرسى عمدة البلد، حيث تنبأ له أحد أجداده بأنه سيكون له شأن كبير فى البلد، وسيحقق شهرة وانتصارات عظيمة، وسيمتلك شجاعة وقوة لا يمكن مقارنتها بأبناء جيله، وهو ما حدث بالفعل، حيث امتدت شهرته حتى بلدان العالم، وبل وتخطت الحدود الفاصلة مع الإنجليز –إن صح القول-، وتشير الروايات الصحيحة التى أذيعت بشأن أدهم الشرقاوى، أنه كان ذو ذكاء حاد، وبلغ من القوة والصلابة مالا يبلغه أحد، حيث وصل به الأمر أكثر من مرة أن يرفع «رحى الطاحونة»، وحده، وكان أدهم يجيد ركوب الخيل والسباحة، وانتشر خلال هذه الروايات الصحيحة أنه كان يجيد اللغة الإنجليزية، وأنه تعلمها داخل إحدى مدارس كفر الزيات.
وتتفق الروايات على أنه ثار لمقتل عمه "محمود"، بإيعاز من رجل يدعى إبراهيم حافظ كان يمتلك عزبة مجاورة لأرضهم، ولما علم إبراهيم بنية «أدهم»، للانتقام منه فأسرع على الفور بتدبير محاولة للتخلص منه، لكن أدهم، اكتشفها وقتل من حاولوا قتله والتخلص منه، وتم القبض عليه، وعوقب وقتها بالسجن، وإن كانت هناك روايات أخرى مختلفة فى المضمون لكنها تتفق فى عقوبة السجن.
وتشير الدلائل إلى أن أسطورة وملحمة البطولة التى أسسها «أدهم الشرقاوى»، بدأت وهو فى سن التاسعة عشرة عندما ارتكب حادثة قتل، وقيل إن عمه وقتها «عبدالمجيد بك الشرقاوي»، عمدة زبيدة، كان أحد شهود الإثبات في جريمة القتل، وشهد ضد ابن أخيه، وأثناء مثوله للمحاكمة، سمع أحد الناس، يشهد ضده فهجم على أحد الحراس محاولا نزع سنجته ليطعن بها الشاهد، فعوقب يومها بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة، وتم إيداعه فى ليمان طره، وهناك كان له نصيب فى إزهاق روح أخرى عندما التقى بقاتل عمه «عبدالرءوف عيد»، حيث كان يقضى عقوبة السجن فى قضية أخرى، فما كان من أدهم إلا أن أعد نفسه وقتله مستخدما الآلة التي يقطعون بها حجارة الجبل، وقتها، وكان العقاب الذى تم إنزاله على أدهم الشرقاوى، الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
وقيل إن الأحداث المتفاوتة فى البلاد والتى انتهت وقتها باشتعال نيران ثورة 1919، اضطرته للهروب مع عدد كبير من السجناء، ومنذ ذلك الحين، وقيل إنه ارتكب عشرات بل مئات من البطولات الخارقة والمواقف الوطنية، وقيل إنه استطاع أن يخلع بوابة الزنزانة الحديدية، -وإن كانت هناك روايات شككت فى قوته العضلية، وقيل إنه كان يتميز بالجرأة فقط-، وقيد حارسه بالسلاسل، وهرب مع زملائه بعد معركة دامية مع البوليس سقط فيها حوالى 80 قتيلا، وبعدها اختفى داخل بلدته، وكون مجموعة من أبناء قريته نفذ من خلالهم العمليات الفدائية، وهذا سبب ما أشيع بأنه كان مجرما وقاطع طريق، لكنه كان شغوفا بقتل عمه «العمدة عبدالمجيد»، والذى كان سببا بشهادته فى التحاقه بالسجن، بل واضطره أيضا أن يندمج فى طريق الشيطان والجريمة بشتى أنواعها، بقرية زبيدة، وقيل إنه كان يحاول أن يزيد من نسبة الجريمة فى ظل عدم تمكن عمه للسيطرة عليها وتحقيق الأمن والاستقرار، وهو ما يعطى احتمالية للاستغناء عن عمه وفصله من العمودية، لكن محاولاته لم تحقق هدفها، حيث كان عمه من أهل الحظ والثقة، لدى السلطة.
وقيل إنه بعد فشل محاولاته بدأ أدهم الشرقواى ينفذ الجرائم لحساب الآخرين مقابل المال فقتل الكثيرين وكان يهدد العمد والأعيان ليحصل منهم على مبالغ طائلة مقابل المحافظة على أرواحهم فكانوا ينفذون ما يطلب خوفا من بطشه، كما كان يسطو على التجار وأشاع الرعب بين الناس، وعندما ارتفعت نسبة جرائمه فوضع البوليس خطة لقتله، والثابت فيها تاريخيا، أنه تمت الاستعانة بأقرب صديق له وهو بدران، وهو ما أثبته الموال الشعبى الذى أنشده محمد رشدي غناءه بعجما تم حذف اسم بدران من واقعة الغدر بصاحب عمره أدهم، لينتهى الموال بهذه الجملة «آه يا خوفي يا صاحبي ليكون ده آخر عشاء»، ورحل الشرقاوي فى عام 1921 عن ثلاثة وعشرين عاماً فقط، لكنها امتلأت بالمزيد من المقاومات ضد الإنجليز الذين حاولوا تشويه صورته .