احتفل معه عبدالناصر بعيد الشرطة..وكاد السادات أن يتسبب في إفلاسه..ولبى مبارك طلبه الأخير..وهذه الأعمال ندم على تقديمها..حكاية ”أبو ضحكة جنان” فؤاد المهندس
يعتبر الفنان الراحل فؤاد المهندس، من كبار الفنانين الذين مثلوا في المسرح والسينما والتلفزيون والراديو، وكان له برنامج خاص يحمل اسم "كلمتين وبس"، بدأت إذاعته منذ 1968.
قدم الفنان الراحل خلال أعماله الفنية العديد من الأغاني، وتميز بتقديم أعمال كثيرة للأطفال أشهرها فوازير "عمو فؤاد"، في شهر رمضان والتي لاقت نجاحًا كبيرًا وكان جمهوره الأول فيه الأطفال بالثمانينيات والتسعينات، كما قدم مسرحيات كثيرة للأطفال منها "هالة حبيبتي"، وغنى أغنيات للأطفال أشهرها "هنوا أبو الفصاد"، و"رايح أجيب الديب من ديله"، اللتين لا يزال يرددها الأطفال إلى الآن، كما أنه خاض تجربة الإنتاج السينمائي عندما أنتج فيلم "فيفا زلاطا" الكوميدي إلا أنه لم يلق نجاحا في وقتها.
وعلى الرغم من فؤاد المهندس قدم ما يقرب من 70 فيلمًا سينمائيًا إلا أنه أحب المسرح وظل معشوقه الأول، وآمن بضرورة تقديم رسالة مجتمعية من خلال أعماله؛ فقدم مشكلة الملاجئ من خلال مسرحية "هالة حبيبتي" التي أوضحت سوء المعاملة التي يلقاها الأطفال في الملاجئ وقد كانت المسرحية كوميدية فأضحكت الأطفال ونبهت الكبار لما يحدث في الملاجئ من تجاوزات بحق الأطفال، كما قدم مشكلات الأبناء في "سك على بناتك"، لدرجة أنه كان يقدم مسرحية "إنها حقاً عائلة محترمة" مع أمينة رزق وشويكار وهو مصاب بجلطة في القلب، وأكد له الأطباء أنه شفي منها من خلال عمله على المسرح.
قدم دور البطولة السينمائية عام 1954 في أول أفلامه "بنت الجيران" لمحمود ذو الفقار، إلا أنه عاد إلى الأدوار الثانية على مدى حوالي عشر سنوات حيث كان يؤدي مساعدا في أفلام أسندت بطولتها لنجوم تلك الفترة من عمر السينما المصرية.
وكان من بين الأدوار الثانية التي مثلها عمله مساعدا لكمال الشناوي في فيلم "الأرض الطيبة" ولعماد حمدي في فيلم "بين الأطلال" ولرشدي أباظة في فيلم "أميرة العرب" و"الساحرة الصغيرة"، وكذلك لـعمر الشريف في فيلم "نهر الحب" وشكري سرحان وعادل مأمون في فيلم "ألمظ وعبده الحامولي"، بالإضافة إلى لاعب كرة القدم صالح سليم في فيلم "الشموع السوداء".
وكان فيلم "عائلة زيزي" الذي أخرجه فطين عبد الوهاب بمثابة محطة بارزة في مشواره الفني حيث اختير بعدها لأدوار البطولة المطلقة، خاصةً بعدما شكل مع زوجته آنذاك الفنانة شويكار ثنائيا فنيا أثمر عددا من الأفلام الكوميدية منها "مطاردة غرامية" و"شنبو في المصيدة" و"أرض النفاق"و"أخطر رجل في العالم".
ويرى المهندس أن الفن له رسالة سامية وهي خدمة المجتمع ولأنه يحب الأطفال فقد كان يبحث عن عمل يلتقى به بالأطفال وقد حالفه التوفيق في ذلك بعد أن قدم فوازير عمو فؤاد التي تابعها كل الأطفال في مصر والعالم العربي.
قدم الأستاذ جيلا كوميديا من الطراز الرفيع، وكان عادل إمام هو ابنه البكر كما كان يحلو له دائما أن يناديه، ولم يبخل الأستاذ بالوقوف خلف تلميذه في عدد من أفلامه، لذا استحق اللقب الذي يطلقه عليه الجميع بلا استثناء الأستاذ.
وفي لقاء له مع الفنانة منى جبر، قال المهندس: "إنه كان يتمنى أن يخرج فيلم "أخطر رجل في العالم"، والذي جسد في أحداثه أشهر شخصياته الفنية على الإطلاق، وهو رجل العصابات الدولي "مستر إكس".
كما كشف المهندس في لقائه أنه غير راضي عن كل الأفلام التي لعب بطولتها، على الرغم من تحقيقها لنجاح ساحق وقت عرضها، وحتى يومنا هذا، وعندما سألته منى جبر عن سبب تقديمه لتلك الأفلام، أجاب المهندس بكل صدق وعفوية أنه وافق عليها بسبب حاجته للمال، وهو ما أكده أيضا في لقائه الأخير قبل رحيله مع الفنانة صفاء أبو السعود في برنامج "ساعة صفا"، عندما أكد أنه وافق على تقديم كل أفلامه من أجل الإنفاق على مسرحياته.
وفي إحدى المرات حضر الرئيس جمال عبدالناصر يرافقه عبدالحكيم عامر وأنور السادات عرض مسرحية "الوصية" وذلك في عيد الشرطة، وهي مسرحية كوميدية اجتماعية من فصل واحد وهي من تمثيل فؤاد المهندس وشويكار وتأليف سمير خفاجي وإخراج عبدالمنعم مدبولي.
وكان شهر رمضان سبباً في إنقاذ الفنان الراحل فؤاد المهندس من شبح الإفلاس والتسول، حيث بدأت القصة عقب توقيع معاهدة السلام وغضب بعض الدول العربية من توقيع السادات للصلح مع إسرائيل وأيد الفنان الراحل السادات في موقفه وسخر من بعض زعماء الدول التي عارضته.
واتخذ رؤساء هذه الدول قرارا بمنع عرض أي أفلام أو أعمال للفنان الراحل الذي وجد نفسه محاصرا فنيا، لكن فؤاد المهندس عارض اتفاقية كامب ديفيد في بعض بنودها وصرح بذلك علانية، لكنه لم يكن كغيره من الفنانين الذين أعلنوا معارضتهم للرئيس السادات خارج مصر.
ورأى فؤاد المهندس أن السادات هو رئيس مصر، ومعارضته يجب أن تتم داخل مصر لا في خارجها، وبات السادات الذي اختلف معه فؤاد المهندس سابقاً هو الرمز الذي يجب الدفاع عنه إزاء حملات النقد ضده.
الخطأ القاتل الذي وقع فيه فؤاد المهندس كان الحماس، فهو كوميدي بطبعه وبالتالي فحماسه إزاء الدفاع عن مصر كانت هجومية وكوميدية على رؤساء تلك الدول بل وعلى المصريين الذين يعارضون من خارج وطنهم لذا كان الرد سريعا من جانبهم، وهو حظر توزيع وتسويق أي فيلم يشارك فيه فؤاد المهندس، مما تسبب له في حصار فني شديد تمكن من كسره فيما بعد بعمل لم يرض عنه لكنه كان سببا في إنقاذه من الإفلاس والتسول.
ووقف السادات مع المهندس وكرمه واضطر المهندس لقبول فوازير عمو فؤاد رايح يصطاد التي أذيعت في شهر رمضان في الثمانينيات رغم رفضه للمشاركة في مثل هذه الأعمال حيث رأى الفوازير عملاً يتسول به الرزق على حساب كرامته، وللمفارقة فقد نجحت الفوازير وعوضت الفنان الراحل ماديا كثيرا عما فقده.
وتحدث الماكير محمد عشوب عن الفترة الأخيرة من حياة فؤاد المهندس، حيث قال :"أصيب فؤاد بالاكتئاب بعد سجن ابنه محمد الذي كان قرة عينه، وكانت مجرد مشكلة بنكية وعندها رفض المهندس العمل وابتعد عن كل شئ، عرض عليه فيلم "البيه البواب"، وقبله بعد إلحاح شديد مني حتى يخرج من الظروف النفسية السيئة التي كان يمر بها، وطلب مني وقتها أن أتوسط لابنه محمد عند الرئيس مبارك، وبالفعل وصلت رسالته للرئيس، وصرح لمحمد بزيارة والده مرات عديدة نظرا لظروفه الصحية إلى أن توفي المهندس وصرح له الخروج لدفن والده".
وبعد مشوار طويل وحافل بالأعمال الفنية رحل فؤاد المهندس في 16 سبتمبر 2006 عن عمر يناهز 82 عامًا، بعد رحيل رفيق عمره عبدالمنعم مدبولي بشهر واحد فقط.