نرصد أسرار وحكايات مثيرة فى حياة ”سى السيد ” البطل الحقيقى لثلاثية نجيب محفوظ
سى السيد، أسطورة الزوج المصرى صاحب القلب المتحجر، وعنوان القسوة على أسرته، والفرفشة وقلة القيمة في المسارح وأمام جلسات الحظ والفرفشة، وستبقى صورة «أمينة»، راسخة في الذهن للمرأة المصرية البسيطة التى تقدس الحياة الزوجية، وتعشق الروتين الأسرى، وتعين زوجها بمشاعرها الطيبة على استعمال القسوة ضد أبناءه، وعلى عكس المتعارف عليه فكان سى السيد «الحقيقى»، على علاقة وطيدة بصفوة المجتمع والكتاب والمثقفين ومنهم نجيب محفوظ، الذى حوَّل هذه العلاقة إلى بطولة فنية وعرض فيها شمولا لشخصية الزوج القاسى في البيت والفرفوش في جلسات الكيف والفرفشة.
الاسم الكامل لـ«سى السيد»، هو «عبد الجواد محمد سعيد»، وهى الشخصية التى عرضتها الأعمال الفنية «بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية»، وعرضت هذه الأعمال نسبة كبيرة من التناقض في الشخصية فكان الرجل في بيته ملتزما وقاسيا وعنوانه القلب الميت والرجولة، والالتزام الحزم والشدة والتقى والورع، بينما يمارس نفس الشخص ما يحلو له من الفسق في جلسات الأنس والفرفشة، وذلك على غير الحقيقة، حيث أكدت الروايات أن «سى السيد»، كان ملتزما في أمور الحياة.
ولم لا يعلم فإن صاحب الشخصية الحقيقية، عاش في منطقة الحسين، وولد في عام ١٩٠٥، بمنطقة درب الأتراك، خلف الجامع الأزهر، وكان يمتهن التجارة في العطارة، أما والده فكان متزوجا من تسع نساء أنجبت له ثلاث منهن، فكان لـ «سي السيد الأسطورة» شقيق واحد يكبره، وكان إخوته كثيرين في صعيد مصر حيث كان أبوه يسافر باستمرار لشراء البضائع المتنوعة في مجال العطارة، وكان يقيم هناك بالأيام.
بدأ «سي السيد»، حياته مبكرا فى محل عطارة والده منذ أن كان عمره لا يزيد على 12 عاما، واستطاع أن يظهر بمظهر طيب وجسد استحسانا لدى زبائن المحل، وشيئا فشيئا أصبح من أكبر تجار العطارة في الحسين، ولا يزل المحل موجودا في منطقة الحسين، وتعلوه لافتة «البركة»، منذ 160 عاما ويديره ابن «سي السيد الحقيقى»، الحاج محمد عبد الجواد، الذي ورث تجارة العطارة عن والده ويعاونه فيها نجلاه «سامح» و«إيهاب».
وتشير الروايات التى انتشرت بشأن «سى السيد»، أنه أقام مع أسرته في منطقة الباب الأخضر، أمام مسجد الحسين، وكان يتميز بمظهره الذى لم يتخل عنه أبدا فكان لا يخلع الطربوش والجلباب البلدي الذي يتوسطه حزام مصنوع من الحرير والقفطان والكاكولا، فضلا عن أنه كانت تربطه علاقات وطيدة بعدد من كبار الكتاب والفنانين، وتشهد قهوة الفيشاوي ومحل عطارة البركة، على لقاءاته بصفوة المجتمع والثقافة وأهل الفن، ومنهم الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وأنيس منصور، والمخرج الكبير حسن الإمام، ويوسف السباعي.
وتشير الروايات الخاصة بالأسطورة صاحب القلب الغليظ إلى أن الحياة داخل بيت «سى السيد»، كانت كعقارب الساعة فيها انضباط، فكانت «الزوجة»، تستيقظ مبكرا لتحضر له الطربوش، وتساعده في ارتداء ملابسه عند خروجه لأداء صلاة الفجر، وبعدها تبدأ في إعداد طعام الإفطار، ويصطف أبناءه أمامه بينما يجلس «سى السيد»، إلى الطبلية، وبعد انتهائه من تناول الإفطار وحده، تجلس الزوجة وبناتها الكبار لتناول الإفطار، وبعدها كان يتوجه «سى السيد»، إلى المحل، وهنا تهرول الزوجة وفى يدها «المبخرة»، وتتسابق حركات قدميها مع دعواتها التى تنطلق عنها قائلة «ربنا يفتح عليك ويوقف لك ولاد الحلال»، وبعد الظهر يعود إلى البيت لتناول طعام الغداء، ولا تختلف طريقة تناول الإفطار عن الغداء، حيث يجلس وحده بلا منازع، وبعد الانتهاء كان يخلد للنوم، ساعة أو ساعتين ثم يستيقظ للعودة إلى المحل مرة أخرى ومواصلة سهراته مع أصدقائه في بيوت الحظ والفرفشة.
وتكشف الروايات التى تتناثر بشأن «سى السيد الحقيقى»، أنه كان صالحًا ورعًا، وكان يداوم على عقد حلقات الذكر داخل محل العطارة، بحضور كبار العلماء والشيوخ ومشاهير القراء كـ«الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ طه الفشني، والشيخ كامل يوسف البهتيمى، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد»، ولم تكذب الروايات ما أشيع عن الرجل من قسوته داخل البيت مع أبنائه، بالإضافة إلى أنه كان يسمح لأبنائه بقليل من الرفاهية، حيث كان يذهب بهم إلى منطقة روض الفرج ويستقل بصحبتهم مركبًا تتوجه بهم إلى القناطر الخيرية، وكان يذهب بهم إلى السينما لمشاهدة الأفلام مثل فيلم «هذا جناه أبي»، والذي قام ببطولته زكي رستم، وفيلم «خلود» بطولة فاتن حمامة وعز الدين ذو الفقار.
وتوفى «سي السيد»، في ٥ ديسمبر ١٩٥٥ ، أي قبل عام واحد من صدور الثلاثية، وكانت وفاته صدمة كبيرة لأبنائه حيث اختلف عدد أبناءه في الروايات عن الحقيقة ففى الحقيقة كان لديه ولد واحد و٦ بنات، واكتفى ابنه محمد، بمواصلة مشوار الأب في تجارة العطارة.