الفرق بين العادة والعبادة من منظور الفقه الإسلامي
ورد لدار الافتاء المصرية سؤال حول الفرق بين العادات والعبادات من منظور الفقه الإسلامي، فهل كل واجب لا بد وأن يكون من العبادات، أم يجوز وصف بعض الواجبات بأنها من العادات؟
وأوضحت دار الإفتاء المصرية أن العبادة في اللغة: تعني الطاعة والخضوع والانقياد؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ۞ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: 92-93]؛ قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (18/ 261، ط. مؤسسة الرسالة): [إلا يأتي ربه يوم القيامة عبدًا له، ذليلًا خاضعًا، مقرًّا له بالعبودية] اهـ، وكما في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] أي: نطيع الطاعة التي يخضع معها.
قال ابن الأثير: ومعنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع. وقال بعض أئمة الاشتقاق: أصل العبودية: الذل والخضوع. راجع: "تاج العروس" للعلامة الزبيدي (8/ 330-331، ط. دار الهداية).
فكلمة العبادة في اللغة تدل على عابد يتذلل لمعبوده مُظهِرًا خضوعه له واستسلامه وانقياده التام لما يرضي معبوده، فأصل التعبد: التذلل: يُقَال: بَعِيرٌ مُعَبَّد، أَي مُذَلَّلٌ، وطَرِيقٌ مُعَبَّدٌ، أَي مَسْلُوكٌ مُذَلَّل. راجع: "تاج العروس" (8/ 340).
قال ابن سيده في "المخصص" (4/ 62، ط. دار إحياء التراث العربي): [أصل الْعِبَادَة فِي اللُّغَة التّذليل من قَوْلهم: طَرِيق مُعَبَّد: أَي مُذّلَّل، بِكَثْرَة الْوَطْء عَلَيْهِ، قَالَ طَرَفة: تُباري عِتاقًا ناجِياتٍ وأَتبَعَتْ *** وَظيفًا وظيفًا فَوق مَوْرٍ مُعَبَّد.
المَوْر: الطَّريق وَمِنْه أُخذ العَبْد لذلته لمَوْلَاهُ، وَالْعِبَادَة والخضوع والتّذلل والاستكانة قرائب فِي الْمعَانِي، يُقَال: تَعَبَّد فلَان لفُلَان: إِذا تذلل لَهُ، وكل خضوع لَيْسَ فَوْقه خضوع فَهُوَ عبَادَة، طَاعَة كَانَ للمعبود أَو غيرَ طَاعَة، وكل طَاعَة لله على جِهَة الخضوع والتّذلل فَهِيَ عبَادَة] اهـ.
والعبادة في الاصطلاح قريبة من معناها اللغوي؛ فقيل العبادة: ما تُعبِّد به، بشرط النية ومعرِفة المعبود، وقيل العبادة: فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيمًا لربه. انظر: "الحدود الأنيقة" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ص: 77، ط. دار الفكر المعاصر، بيروت)، و"التعريفات" للجرجاني (ص: 189، ط. دار الكتاب العربي).
وقد فرق بعض العلماء بين ثلاثة معان هي: الطاعة والقربة والعبادة؛ فيذكر العلامة ابن عابدين التفرقة بينها نقلًا عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري مُقِرًّا بأن قواعد المذهب الحنفي لا تتعارض مع هذه التفرقة كما نقل عن الحموي من الحنفية؛ فيقول في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 106، ط. دار الكتب العلمية): [الطاعة: فِعْلُ ما يُثاب عليه، تَوقَّفَ على نيَّةٍ أو لا، عُرِفَ مَن يَفْعَلُه لأجله أو لا، والقُرْبة: فِعْلُ ما يُثاب عليه بعد معرفة مَنْ يُتَقَرَّب إليه به، وإن لم يَتَوقَّف على نيةٍ، والعبادة: ما يُثاب على فِعْلِه، ويَتَوقَّف على نيةٍ. فنحو: الصلوات الخمس، والصوم، والزكاة، والحج - ونحوها مِن كُلِّ ما يتوقَّف على النية-، قُرْبَة وطاعة وعبادة، وقراءة القرآن والوقف والعِتق والصدقة -ونحوها مما لا يتوقَّف على نية- قُرْبَة وطاعة، لا عبادة، والنظر المؤدِّي إلى معرفة الله تعالى طاعة، لا قُرْبَة ولا عبادة. اهـ. وقواعد مذهبنا لا تأباه. حموي. وإنما لم يكن النظر قربة لعدم المعرفة بالمتقرب إليه؛ لأن المعرفة تحصل بعده ولا عبادة لعدم التوقف على النية] اهـ.
فالطاعة أعم من القربة ومن العبادة وهما مندرجان تحت مسماها؛ لأن الطاعة: كل عمل يثاب عليه فاعله، سواء قصد به التقرب إلى الله أم لم يخطر ذلك بباله عند فعله.
أما القربة فهي: فعل ما يثاب عليه بنية التقرب إلى الله تعالى، وإن لم تكن النية شرطًا في الإثابة على هذا الفعل.
أما العبادة فهي: امتثال ما أمر الله تعالى به واشترط في الإثابة عليه استحضار نية التقرب إليه عز وجل.