تفاصيل العلاقة الخاصة بين جمال عبدالناصر وإحسان عبد القدوس.. ولهذا السبب كان الكاتب يناديه بـ«جيمي».. وهذه القصة اعترض عليها الزعيم لخلاعتها
كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصرمهتماً إلى حد كبير بأمور الثقافة والفكر، فكان يتابع ما ينشره كبار الكُتاب والمفكرين، ويناقشهم في أفكارهم والرؤى التي يطرحونها، وهذا ما حدث مع كثيرين منهم إحسان عبدالقدوس.
في 28 أغسطس عام 1958، بدأت مجلة «صباح الخير» فى نشر المجموعة القصصية «البنات والصيف» للكاتب إحسان عبد القدوس مسلسلة أسبوعيا، وبعد الانتهاء منها انتقدها عبد الناصر، لما تضمنته من فقرات جريئة، لكنها تحولت إلى فيلم سينمائى بعد ذلك بطولة عبد الحليم حافظ وسعاد حسنى.
وقد أبلغ الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل غضب عبدالناصر إلى إحسان، فرد الأخير بخطاب إلى الرئيس الراحل، لم يكتفى فيه برأيه حول مجموعته القصصية، وإنما شمل موضوعات دينية للدكتور مصطفى محمود تنشرها «روز اليوسف» التى يرأسها «إحسان»، ولم يسترح لها عبدالناصر.
جيمي وإحسان
كان عبد الناصر من قراء إحسان قبل ثورة 23 يوليو 1952، كما أن العلاقة بينهما كانت حميمية لدرجة أن إحسان كان يناديه بـ«جيمى» حتى اعتقله من 28 أبريل إلى 3 يوليو 1954، وبعد الإفراج عنه دعاه عبد الناصر لتناول العشاء معه، وعندما وصل إلى بيته جاء عبدالناصر لاستقباله ثم دعاه للدخول إلى حجرة الصالون قائلا: اتفصل يا إحسان! لكى أتقدمه فى الدخول من الباب باعتبارى ضيفا لكنى تسمرت وقلت له: العفو يا أفندم..اتفضل سيادتك!
يتذكر إحسان: «كانت إجابتى مفاجئة له إذا كنت أناديه من قبل يا «جيمى» فقال لى: جرى إيه يا إحسان أنت اتغيرت خالص.. وكررت: اتفضل سيادتك يا أفندم.. المهم إننا جلسنا نتحدث ثم تعشينا وهو يحدثنى فى كل الموضوعات ولما لاحظ تغيرى دعانى لتناول العشاء معه فى اليوم التالى وقال لى: «مش معقول أنت اتغيرت خالص ..أنا لازم أعالجك نفسيا، وضحك!»
ويقول إحسان "قصد عبد الناصر إذابة الجليد الذى أفرزه السجن حتى يعود إلى طبيعة علاقتنا فاستمر يدعونى للعشاء يوميا لشهر كامل، نتحدث ونتعشى ونتفرج على السينما، لكنى أبدا لم أتغير «تعلمت- وهذا أثر ما حدث- أن أضع حاجزا ما بينى وبين من أعرف وصار حاكما، إن مسؤولية الحكم تفرض نمطا معينا على من يتولى السلطة، وبالتالى على تصرفاته وتصرفات المتعاملين معه».
البنات والصيف
هكذا مضت العلاقة بين عبد الناصر وإحسان بتحولاتها، وشهدت خلالها رأيهما حول«البنات والصيف»، وقضايا أخرى، ويكشفه إحسان فى رسالة شديدة العمق كتبها إلى عبدالناصر، ونشرها كمقدمة لمجموعته القصصية «آسف لم أعد أستطيع»، ويعترف فى تقديمه لها بأنه كتبها لكنه لا يتذكر إن كان أرسلها لعبد الناصر أم لا.. يقول: «عندما أبلغت بهذه الاعتراضات رأيت أن أرد عليها برسالة بدلا من الاعتماد على نقل الكلام عن طريق الأصدقاء، وهى الرسالة التى لا أدرى ولا أذكر أننى أرسلتها إلى عبدالناصر أم احتفظت بها فى درج النسيان».
إلحاد وخزعبلات
وفي الرسالة، فند إحسان رؤيته في «البنات والصيف، ثم انتقل إلى قضية أخرى وهى ردود الفعل على مقالات الدكتور مصطفى محمود المنشورة على صفحات روز اليوسف، واتهمها البعض بأنه تدعو إلى الإلحاد.. يقول إحسان: «يبقى بعد هذا ما حدثنى به الزميل هيكل عن دعوة الإلحاد فى صحف دار روزاليوسف والمقالات التى ينشرها مصطفى محمود، وأوقفت نشر مقالاته الخاصة ببحث فلسفة الدين، ولكنى أحب أن أرفع إلى سيادتكم رأيى فى هذا الموضوع، حتى أكون صارحكتم بكل شىء، إنى مؤمن بالله يا سيدى الرئيس.. لست ملحدا، ولعلك لا تعرف أنى أصلى، ولا أصلى تظاهرا ولا نفاقا.. فإن جميع مظاهر حياتى لا تدل على أنى أصلى، ولكنى أصلى لأنى أشعر بارتياح نفسى عندما أصلى».
وأضاف «رغم ذلك أعتقد أن ديننا طغت عليه كثير من الخزعبلات والأتربة، والتفسيرات السخيفة التى يقصد بها بعض رجال الدين إبقاء الناس فى ظلام عقلى حتى يسهل عليهم- أى على رجال الدين- استغلال الناس والسيطرة عليهم، فى حين أنه لو تطهر الدين من هذه الخزعبلات، ونفضنا عنه هذه الأتربة لصح ديننا، وصحت عقولنا ونفوسنا، وسهل على قيادتكم أن تسير بالشعب فى الطريق الذى رسمته له».
وتابع «من أجل هذا بدأت منذ زمن طويل أنشر فى روز اليوسف مقالات تبحث فى الدين، ولم أكن أنا أشترك بقلمى فى هذه المقالات لأنى لست رجل دين، ولكن دعوت إليها فريقا من رجال الدين المتحررين، ومن الكتاب الذى أعتقد أنهم درسوا وقرأوا إلى الحد الذى يتيح لهم الكتابة فى الدين، وسبق مثلا أن نشر الدكتور محمد أحمد خلف الله مقالا فى روز اليوسف، يؤكد أن القرآن لا يمنع زواج المسلمة من الكتابى أو من المسيحى، وهى دعوة جريئة، ولكن الدكتور خلف الله أستاذ فى الدين ودراسته وعلمه تخول له أن يحمل مسؤولية مثل هذه الدعوة».