«جمعة»: الإسلام وضع أسس للمساواة بين المسلمين وغيرهم

علي جمعة
علي جمعة

أكد الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق ان الإسلام أكد على قيمة العدل وترسيخ المساواة بين المسلمين وغير المسلمين‏,‏ أن أنزل الله عز وجل قرآنا في واقعة تبين مدى عدالة الإسلام وحسن معاملته للآخر‏, ‏فحين حاول بعض الصحابة في عهد رسول الله ﷺ أن يتستر على سارق مسلم‏,‏ وأن يفوت العقاب عليه‏,‏ وأن يقدم شخصا آخر يهوديا ليعاقب مكانه‏,‏ أنزل الله ثماني آيات في سورة النساء تدافع عن حق اليهودي‏,‏ وتحث على إظهار العدالة‏,‏ فقال تعالى‏: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) إلى قوله تعالى‏: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [النساء:105- 112]
وأوضح ان في سبب نزول هذه الآيات يقول قتادة بن النعمان‏:‏ كان بنو أبيرق رهطا من بني ظفر‏, ‏وكانوا أهل فقر وحاجة في الجاهلية والإسلام‏,‏ وكان عمي رفاعة بن زيد رجلا موسرا أدركه الإسلام‏,‏ فابتاع رفاعة حملين من شعير فجعلهما في علية له‏, ‏وكان في عليته درعان له وما يصلحهما من آلتهما‏, ‏فطرقه بشير -أحد بني أبيرق- من الليل فخرق العلية من ظهرها فأخذ الطعام، ثم أخذ السلاح‏,‏ فلما أصبح عمي بعث إلي فأتيته‏,‏ فقال‏:‏ أغير علينا هذه الليلة فذهب بطعامنا وسلاحنا‏,‏ فقال بشير وإخوته‏:‏ والله ما صاحب متاعكم إلا لبيد بن سهل -لرجل منا كان ذا حسب وصلاح- فلما بلغه‏, ‏قال‏:‏ أصلت السيف -أي أشهره- ثم قال‏: ‏أي بني الأبيرق أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن من صاحب هذه السرقة‏,‏ فقالوا‏:‏ انصرف عنا فوالله إنك لبريء من هذه السرقة‏,‏ فقال‏:‏ كلا وقد زعمتم‏.‏ ثم سألنا في الدار وتحسسنا حتى قيل لنا‏:‏ والله لقد استوقد بنو أبيرق الليلة وما نراه إلا على طعامكم‏, ‏فما زلنا حتى كدنا نستيقن أنهم أصحابه‏,‏ فجئت رسول الله ﷺ فكلمته فيهم‏,‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء وسفه غدوا على عمي فخرقوا علية له من ظهرها فعدوا على طعام وسلاح‏,‏ فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه وأما السلاح فليرده علينا‏, ‏فقال رسول الله ﷺ‏: «‏سأنظر في ذلك», ‏وكان لهم ابن عم يقال له أسير بن عروة‏,‏ فجمع رجال قومه ثم أتى رسول الله ﷺ‏ فقال‏:‏ إن رفاعة بن زيد وابن أخيه قتادة بن النعمان قد عمدا إلى أهل بيت منا أهل حسب وشرف وصلاح يأبنونهم -أي يتهمونهم- بالقبيح ويأبنونهم بالسرقة بغير بينة ولا شهادة‏,‏ فوضع عند رسول الله ﷺ بلسانه ما شاء ثم انصرف‏,‏ وجئت رسول الله ﷺ وكلمته فجبهني جبها شديدا وقال‏: «‏بئس ما صنعت وبئس ما مشيت فيه‏, ‏عمدت إلى أهل بيت منكم أهل حسب وصلاح ترميهم بالسرقة وتأبنهم فيها بغير بينة ولا تثبت»‏ فسمعت من رسول الله ﷺ ما أكره‏,‏ فانصرفت عنه ولوددت أني خرجت من مالي ولم أكلمه‏, ‏فلما أن رجعت إلى الدار أرسل إلي عمي‏:‏ يا ابن أخي ما صنعت؟ فقلت‏: ‏والله لوددت أني خرجت من مالي ولم أكلم رسول الله ﷺ فيه‏,‏ وأيم الله لا أعود إليه أبدا‏. ‏فقال‏:‏ الله المستعان‏,‏ فنزل القرآن‏: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) أي بني أبيرق‏, ‏فقرأ حتى بلغ‏: (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا) أي لبيد بن سهل‏...‏ وتلا تلك القصة قوله سبحانه‏: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) [النساء:113] ‏ يعني أسير بن عروة وأصحابه‏. (‏سنن الترمذي).‏
أشار الي أن هذه الواقعة -بثبوتها في القرآن وبيانها في السيرة والسنة النبوية- مثال صريح وتطبيق قاطع لقيمتي العدل والمساواة في الإسلام‏,‏ وهي مما يساعد في نشر وتعميق روح المواطنة بين أبناء الوطن الواحد‏;‏ إذ الإنسان دائما يسعى إلى الإنصاف والعدالة والمساواة‏,‏ ويرغب في أن يحيا في ظل دولة تحقق تلك القيم النبيلة بين فئات المجتمع وطوائفه‏.

تم نسخ الرابط