تصدت لهم وفضحت علاقتهم بالكبار فانتقموا منها وقتلوها .. قصة الراقصة امتثال فوزي التي كشفت جرائم فتوات القاهرة

امتثال فوزي
امتثال فوزي

لم يكن مقتل الراقصة امتثال فوزي في ثلاثينيات القرن الماضي مجرد حادث قتل لفنانة قد يتكرر كثيرًا، ولأسباب مختلفة، لكنه كشف عن كثير من الخبايا بشأن عالم «الفتوات» في تلك الفترة، وعلاقتهم بالكبار.

القصة كاملة رواها الدكتور عبد الوهاب بكر فى كتابه «مجتمع القاهرة السرى 1900-1951»، حيث قال، إن الراقصة امتثال فوزى، افتتحت صالتها للرقص وأسمتها «كازينو البوسفور» بمنطقة الأزبكية بالقاهرة، يوم 2 مايو 1936، فتصل بها البلطجى فؤاد الشامي عارضًا خدماته والتي تتمثل في «الحماية»، إلا أنها رفضت، وفى أكثر من مناسبة أمرت بطرد البلطجي وأعوانه من الصالة عندما كانت تجدهم يحتسون الخمر بلا مقابل.

وعندما لم تذعن لمطالب عصابة فؤاد الشامى بدفع إتاوة، قامت العصابة بالاعتداء عليها بالضرب ليلة 15 مايو 1936، فلجأت لقسم الأزبكية الذى لا يبعد عن مرقصها بأكثر من ألف خطوة، وأفهمها الضباط المرتشون هناك بأن دورهم ليس حماية الناس من التهديد، وإنما ضبط الوقائع بعد وقوعها.

يضيف بكر: «رغم أن قسم الأزبكية حرر المحضر عن حادث الضرب، إلا أن ضباط القسم أخلوا سبيل أفراد عصابة «الشامى»..

ضباط ومرتشون

وفى ليلة 22 مايو، مثل هذا اليوم، 1936 اتصل أعضاء العصابة بالراقصة وهددوها بالقتل إن لم تستجب لمطالبهم بدفع الإتاوة، ومرة أخرى ذهبت إلى قسم الأزبكية تبلغ بواقعة التهديد، وتستنجد من التهديد بالقتل، لكن الضابط المختص صرفها، وبعد ساعتين من عودتها وأثناء مرورها بصالتها للإشراف على العمل اعتدى أحد أفراد العصابة ويدعى حسين إبراهيم حسن عليها بضربها بزجاجة خمر مكسورة فى رقبتها، فسقطت غارقة فى دمائها.

ونشأت «امتثال» فى قرية «مير»، بمركز ديروط، بمحافظة أسيوط، واسمها الحقيقى «أسما»، وتزوجت وهى فى الرابعة عشرة من ابن أحد المستشارين بمحكمة الاستئناف، بعد أن تعلمت اليونانية، ولكن والدها تورط فى حادثة قتل، فتركت الأسرة على أثرها الصعيد، وذهبت إلى الإسكندرية، وهناك التحقت بعالم الفن، وحققت شهرة فى الإسكندرية ثم جاءت إلى القاهرة.

وبلغت «امتثال» شهرة كبيرة فى المنطقة بفضل مهارتها فى الرقص والغناء، ثم تشاركت مع زميلتها «مارى منصور» فى صالة الأخيرة بشارع عماد الدين، ثم تركت العمل مع الراقصة بديعة مصابنى، وأدارت كازينو البوسفور بمنطقة الأزبكية بالاشتراك مع مارى منصور، وكان الكازينو فى حقيقته صالة للرقص، وبوصفه هذا يدخل فى إطار اهتمامات كبير بلطجية شارع عماد الدين فؤاد الشامى وشقيقه «مختار».

فساد سياسي

ويؤكد صبرى أبوالمجد فى الجزء الثانى من كتابه «سنوات ما قبل الثورة.. 1930-1952»، أن قتلها كان «من ذيول الامتيازات الأجنبية المفروضة على مصر، وكانت تنتقص من استقلالنا القضائى بل واستقلالنا السياسى».

ويذكر: «هالت الجريمة البشعة كل إنسان، فصاحب الدولة مصطفى النحاس باشا، رئيس الوزراء ووزير الداخلية، قرر انتداب اثنين من كبار موظفى الداخلية ليشهدا التحقيق، ثم يتقدمان إلى دولته بتقرير وافٍ يحددان فيه مسؤولية رجال البوليس».

يضيف أبوالمجد، أن الصحافة أجمعت على المطالبة بوضع حد لنهاية «عصر الفتوات» الذين يستهينون بالمسؤولين عن حراسة الجماهير، وفرض سيادة الدولة على كل شىء».

أشهر البلطجية

ويعطى «بكر» صورة وافية عن عالم البلطجة والفتونة فى القاهرة حتى وقوع جريمة «امتثال»: «كان لكل حى فتوة، ومن الأسماء المشهورة فى هذا النشاط أوائل القرن العشرين إبراهيم عطية فتوة الحسينية، وخليفته مصطفى عرابى، وعبده الجباس فتوة عابدين وحارة السقايين، وسيد حداد ومحمود الحكيم، فى منطقة الدرب الواسع والدرب الإبراهيمى، وكان هناك رزق الحشاش، وجرجس بن تهتة وميخائيل العجوز، وفى الثلاثينيات كانت عزيزة الفحلة، والزفتاوية والمغربية والفيشاوى وأحمد البيومى والأسيوطى بحى الظاهر، أشهر الفتوات فى القاهرة، وفى حارة اليهود كان هناك «جداليا» و«بالميطو» و«لولى»، ويبدو من أسمائهم أنهم جنسيات أجنبية.

يضيف بكر: «كانت أهم معاقل هؤلاء البلطجية «عزبة الصفيح» فى العباسية، وعزبة«البراد» فى شبرا، و«عشش الترجمان والغلابة» ببولاق، و«الترعة البولاقية» فى بولاق، و«الخرطة الجديدة» فى الخليفة، و«زين العابدين فى حى السيدة زينب».. وكان للبلطجية نفوذا لدى أقسام الشرطة بدرجة غيبت تنفيذ القانون بدليل ما حدث فى جريمة امتثال.

ويؤكد بكر: «هؤلاء البلطجية وثقوا علاقتهم بصغار ضباط الشرطة، وأصبح قسم شرطة الأزبكية فى الثلاثينيات يدار من الحانات والصالات التى اتخذها أعضاء عصابة البلطجية مقارًا لهم يحتسون فيها الخمور بلا مقابل، ويحصلون على الإتاوات من الراقصات والمومسات وأصحاب الأنشطة المشابهة فيها.. وكانت أشهر عصابة فى المنطقة «عصابة فؤاد الشامى وشقيقه مختار».

يذكر أبو المجد: «أثبتت التحقيقات فى جريمة مصرع امتثال أن هؤلاء الفتوات لم يكونوا فتوات صالات وحسب، ولكنهم فتوات انتخابات أيضًا، كما أن «مهنة الفتونة» لم تكن مقصورة على المصريين، بل كثير من الأجانب يحترفونها، وكانت الامتيازات الأجنبية المفروضة على البلاد وقتئذ تحميهم.

والطريف أن البلطجية كانوا يعملون وفق تسعيرة محددة، فتحطيم المنزل بخمسين قرشا، وإحداث إصابة بجنيه واحد، والعاهة المستديمة بعشرة جنيهات، والتهديد الشفهى أو الكتابى بمائة وخمسين قرشا، هذا عدا مصاريف أتعاب المحامى الذى يوكل للدفاع عن الجانى، وكذلك الإنفاق عليه طوال مدة سجنه».

وقضت المحكمة بسجن فؤاد الشامى ومتهمين آخرين بالأشغال الشاقة المؤقتة، وأفرج عنه عام 1957 بعد أن قضى فترة عقوبته كاملة غير منقوصة.

تم نسخ الرابط