«العفريت».. لماذا كان منير مراد يصوم يوم 17 أكتوبر كل عام.. وكيف تأثرت وفاته باغتيال السادات؟
كان الفنان منير مراد جامعة فنية متنقلة، حيث كان ملحناً ومغنياً وممثلاً، ورغم ذلك لم ينل حقه من التكريم والاحتفاء بعد وفاته في 17 أكتوبر عام 1981.
ولد منير مراد في 13 يناير عام 1922 في أسرة فنية، فالأب هو زكى مراد الموسيقى والمطرب فى سنوات العشرينيات من القرن الماضى، وأخته ليلى مراد، الاستثنائية فى تاريخ الفن العربى، ويروي الكاتب الروائى صالح مرسى فى كتابه «ليلى مراد»، كان زكى مراد يستقبل كل ليلة مجموعة من شباب الفن مثل رياض السنباطى، ومحمد القصبجى، وسيد شطا، وداود حسنى، وزكريا أحمد، وفى بعض الأحيان كان يأتى عبد الوهاب.
نشأة فنية
وفى هذه الأجواء تربت أسماع ومشاعر أبنائه وبناته، فنشأ منير وكان يسمعهم وهم يعزفون، ويغنون التواشيح والأدوار القديمة والمواويل، وما كان منه إلا أن حفظ هذه الأعمال عن ظهر قلب، كما كان يدخل إلى غرفة «المسافرين» أو «الصالون» بعد أن يذهب ضيوف أبيه من الفنانين ليمسك بالآلات التى كانت موجودة، ويبدأ العزف، حسبما يذكر الكاتب الشاعر والباحث، وسام الدويك فى كتابه «التياترجى – منير مراد».
هكذا كانت بدايات التكوين الفنى لمنير مراد، تخلله فى تجارب الحياة عمله فى مجال التجارة إلى أن تعرف على المخرج توجو مزراحى الذى ألحقه بالعمل معه فى الماكياج والتصوير والإخراج، ثم اقتحم السينما فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى، بتقديمه كل فنون الاستعراض والمحاكاة فى أفلامه فى تلك الفترة التى قدمت خلالها أعمال تتسم فى أغلبها بالشجن من مطربين كبار أمثال عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش.
تقليد الفنانين
من بين صنوف إبداعه يبقى دوره فى فن المحاكاة أوالتقليد مدهشا، كما يبقى دوره فى الموسيقى العربية هو الأكثر نضارة وإبداعا فائق الجودة.
ويذكر «دويك» أنه لم يقم بمحاكاة نبرة الصوت أو حتى حركات الفنان فقط، بل إنه يجعل المتلقى يعيش فى «جو كامل» خاص بمن يقوم بتقليده، فعلى سبيل المثال فى الاستعراض الشهير «هنا القاهرة» من فيلم «أنا وحبيبى» كان يقدم لكل مطرب بمقدمة لحنها هو بأسلوب ألحان هذا المطرب، خاصة أهم كانوا جميعا ملحنين عدا ليلى مراد، هذا إلى جانب محاكاته للحركات وأسلوب المشى وملامح الوجه.
أما فى الموسيقى فألحانه كانت تسبق عصرها، والشاهد على ذلك أعماله لشادية أبرزها «يا دبلة الخطوبة، ومقدرش أحب اتنين، خمسة فى ستة، واحد اتنين، على عش الحب، يا دنيا زوقوكى، إن راح منك يا عين، القلب معاك، ألو ألو، دور عليه، سونة يا سسنسن، سوق على مهلك، على عش الحب، سيد الحبايب، شبك حبيبى، يا سارق من عينى النوم».
وقدم لعبد الحليم حافظ «أول مرة تحب يا قلبى، استعراض الطلبة، وبكرة وبعده، بحلم بيك، حاجة غريبة، دقوا الشماسى، ضحك ولعب، مشغول وحياتك مشغول، وحياة قلبى وأفراحه، وقدم لوردة الجزائرية أغنية «من يوميها»، ولفايزة أحمد «شغلونى عيونك، وبغير عليه، ولشريفة فاضل، فلاح كان ماشى بيغنى، والشيخ مسعود، أنا قلبى بابه حنين، حارة السقايين، الليل، وقدم لمحمد قنديل «زعلوا الأحباب، ولمحرم فؤاد»شفت الحب»، ومحمد رشدى «كعب الغزال، وقدم لأخته ليلى مراد طبيب القلب، وراح الهوى، ياما وياما، وأنا زى ما أنا وأنت بتتغير.
وفى الديالوج قدم «الدنيا حلوة لشادية وكمال الشناوى، وسوق على مهلك سوق، لشادية وكمال الشناوى، و«أنا وحبيبى، لشادية وبمشاركته وآلو آلو لشادية وفاتن حمامة، و«تعال أقول لك لشادية وعبد الحليم حافظ، وقلبى ياغاوى، لفؤاد المهندس وشويكار». قدم منير مراد هذه الألحان بفهم عميق للموسيقى الغربية وتذوق عن حب وعلم للموسيقى العربية، فاستطاع أن يقدم أفضل مزيج من لقاء موسيقى الغرب بالشرق، حسب رأى الناقد والمؤرخ الموسيقى كمال النجمى.
نهاية المشوار
في 17 أكتوبر عام 1981 تناول الفنان منير مراد سحوره استعدادا للصوم، وبعد الفجر توفى وعمره 59 عاما، وكان صومه فى هذا اليوم عادة ندر نفسه عليها وفاء لشقيقه الأكبر «إبراهيم» الذى توفى يوم 17 أكتوبر 1971.
ورغم قيمة «مراد» الرفيعة فى تاريخ الفن المصرى، إلا أن خبر موته كان بضع سطور فى صحيفة الأهرام يوم 18 أكتوبر 1981، حيث كانت مصر تعيش ظرفا استثنائيا وقتئذ بسبب اغتيال الإرهابيين للرئيس السادات يوم 6 أكتوبر.
وجاءت وفاة «منير» بعد 11 يوما فقط من حادث الاغتيال أثناء العرض العسكرى احتفالا بانتصارات أكتوبر، ولم يكن من المنطقى أن يبقى الأمر كذلك لفنان شامل وصفوه بـ«العفريت»، لأنه جمع بين العديد من عناصر الفن.