شقيق زوجة جمال عبدالناصر منهم.. أصدقاء نجيب محفوظ حشاشون وخمورجية وأحدهم كان يجلب العاهرات
حياة أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ مليئة بكثير من التفاصيل المثيرة، والتي ربما لا يصدقها كثيرون، لكن عندما يعلمون أنها صادرة من لسان الأديب الراحل يسلمون بصحتها.
أحد جوانب هذه التفاصيل المثيرة يرتبط بعلاقته بأصدقائه، وهم الذين كان يطلق عليهم لقب «الحرافيش»، وتحدث عنهم باستفاضة في مذكراته التي كتبها الراحل رجاء النقاش، وحملت عنوان «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ».
صهر الزعيم
يقول أديب نوبل، «في العباسية تكونت أول شلة في حياتي، ارتبطنا معاً بعلاقة قوية حميمة، وضمت مصطفى كاظم شقيق تحية كاظم زوجة الرئيس جمال عبد الناصر، وأحمد الحفناوي والمعلم كرشو».
وضمت «الشلة» نجيب الشويخي الذي كنا نعتبره شرير الشلة، وقد اعتدى بالضرب على معظم أعضائها، حاملاً تهديده الدائم لأي عضو يختلف معه بألا يخرج من بيته حتى لا يتعرض للضرب.
ويضيف أديب نوبل، كان «نجيب» من عائلة «الشويخ» المعروفة في العباسية، إلا أنه كان من الفرع الفقير، ولم يكمل تعليمه، ومع ذلك كان بإمكانه الحصول على أي عمل في أفضل الأماكن، لأن لديه الاستعداد التام لفعل أي شيء دون وازع من ضمير. فمثلاً إذا طلب منه رئيسه في العمل أن يجلب له نساء عاهرات فلن يتورع بهذه المهمة غير النظيفة، وأعتقد أنني قدمت مثل هذه الشخصية في رواية «المرايا».
ورغم طابع الشر الغالب على شخصية نجيب الشويخي، فإنه كان لا يخلو من طرافة. وربما كان هذا هو السبب الرئيسي الذي جعلنا نُبقي عليه ضمن «الشلة» بعد أن فشلنا مراراً في طرده منها.
وتابع «محفوظ»: أذكر أن «نجيب» تسلل في إحدى الليالي إلى بيت في العباسية لسرقة «تكعيبة» عنب، فوقع في يد صاحب البيت الذي سلمه للشرطة. وقُدم للمحاكمة وحرصنا على حضور جلسة المحاكمة، وكان معنا حسن عاكف طيار الملك.
ويذكر: كنا على ثقة من أن العدالة الإلهية ستخلصنا من شروره بعد أن فشلنا في التخلص منه، وفوجئنا بالقاضي يطلق سراحه – بعد أن قام بتوبيخه – نظراً لحداثة سنه، فخرجنا من القاعة ونحن في غاية الأسف، نجر أذيال الخيبة والإحباط، أما حسن عاكف فكان مذهولاً يضرب كفاً بكف ومردداً: «هذا ظلم».
مجموعة الحرافيش
وإذا كانت «شلة» العباسية تكونت لأسباب غير أدبية، وإنما بسبب الاتباط بالمكان، فإن الأدب كان السبب الرئيسي في نشأة «الحرافيش»، وضمت عادل كامل وعلى أحمد باكثير ويوسف جوهر ومحمد عفيفي وأنا.
ويذكر: توطدت صداقتنا بعد أن أنشأ عبدالحميد جودة السحار «لجنة النشر للجامعيين» وطلب مني الاتصال بهذه المجموعة لينشروا أعمالهم من خلال هذه اللجنة. ووافقوا جميعاً على العرض باستثناء محمد عفيفي الذي قرر طبع مؤلفاته على نفقته الشخصية، كما رفض يوسف جوهر لأنه وجد عملية النشر عند السحار غير مجزية من الناحية المادية.
وتابع أديب نوبل: تمت عدة لقاءات بيننا من أجل الاتفاق على الأسلوب الذي سنتعامل به مع اللجنة، وفي أحد هذه اللقاءات أخبرني عادل كامل بأنه ومجموعة من أصدقائه يلتقون في سهرة أسبوعية منتظمة، وطلب مني الانضمام إليهم.
وعندما انضممت إليهم وجدت بينهم أحمد مظهر والكابتن عاصم حلمي ولم يكن للقب «الكابتن»الذي أطلقناه عليه أي ارتباط بممارسة الألعاب الرياضية.
طعام وحشيش
كان عاصم يقوم باستضافتنا مرة واحدة كل عام في مزرعة يمتلكها بناحية «أسطنها» بمحافظة المنوفية، وكان والده وهو من أصل تركي موظفاً في الديوان الخديوي.
و«الكابتن» نفسه موظف ويتمتع بخفة ظل لا مثيل لها، وهواياته المفضلة هي الطعام والحشيش وأم كلثوم، في حين يكره الكلام في السياسة. ومن سخرية القدر أنه مات بسبب السياسة.
فبعد نكسة 1967 قرر الرئيس جمال عبد الناصرزيارة الجبهة، وبسبب تأمين رحلة الرئيس تشكلت لجنة أمنية قررت القبض على أعداء الثورة في المناطق التي يمر بها موكب الرئيس خشية تعرضه لأي اعتداء، كما قررت اللجنة اعتقال كل الإقطاعيين ممن صادرت الثورة أراضيهم لصالح الفلاحين.
كان خط سير الرئيس يمر بالمنوفية، فاستغل أحد خصوم عاصم حلمي الفرصة، وأوعز للجنة بأنهم من بين الإقطاعيين الذين يضمرون عداءَ للثورة وزعيمها.
ورغم أن الرجل يكره السياسة ولا يطيق الكلام فيها، كما لم يحمل في يوم من الأيام صفة «إقطاعي» إلا أن اللجنة أمرت بالقبض عليه، وتركته منسياً لمدة شهرين، لقي خلالها معاملة غير كريمة.. وخرج من هذه المحنة فاقداً لذاته وكارهاً للحياة وانعزل عن الناس، وأغلق عليه باب حجرته، وأطلق لحيته إلى أن توفي.
شلة العوامة
والحديث عن الصداقة يجعلني أتوقف أمام ثلاثة نماذج من الأصدقاء.. الأول هو الكاتب محمد عفيفي الذي دعاني للانضمام إلى شلة «العوامة»، وهي مجموعة من الأصدقاء كانوا يستأجرون «عوامة» على النيل لقضاء السهرات التي لم تكن تخلو من البيرة والحشيش، بحسب أديب نوبل في مذكراته.
وأغرب ما في شخصية عفيفي» من طباع حبه للخمور الرديئة وإقباله بشغف على تناولها، بينما يرفض الأنواع الجيدة ولم يذق هذه الأنواع الجيدة طوال حياته.
أما النموذج الثاني فهو صلاح جاهين الذي انضم إلى شلة الحرافيش وواظب على حضور جلساتها إلى أن اقترن بزوجته الثانية «منى قطان»، فشغلته أمور الزواج ومسئولياته، وانقطع عن الحضور، مثلما انقطع الدكتور مصطفى محمود بعد أن دخل في دور «الدروشة».
وعندما مات صلاح جاهين - حيث يقال إنه ابتلع كمية كبيرة من الحبوب المهدئة قضت عليه -، حزنت وتأثرت لوفاته، وقررت أن أكتب كل ما أعرفه عنه في عمل روائي، وكنت أعرف الكثير، واتضح لي أن هذا القرار قد يسبب لي مشاكل كثيرة، خاصة أن الرواية كانت ستتضمن شخصيات معاصرة إضافة إلى وقائع وأحداث ليس لي الحق في سردها.
وتوصلت في النهاية إلى أن أكتب رواية عن شخصية صلاح جاهين، على أن أعدل وأغير قليلاً في ملامحها حتى لا يتعرف عليها القراء, وكتبت رواية «قشتمر» وعبرت فيها عن مأساة هذا الرجل.
والطريف أن ابنه بهاء جاهين تعرف على شخصية والده بسهولة عندما قرأ الرواية على الرغم مما حاولته من إدخال تغييرات في ملامحها.
والنموذج الثالث هو عادل كامل، الذي كانت له بداية أدبية متميزة، ولقيت أعماله خاصة روايتيه «مليم الأكبر» و«ملك من شعاع» استحسان النقاد والقراء، وذهبت التوقعات إلى انتظار مولد موهبة أدبية كبيرة.
كنت أرى أن عادل كامل هو الأديب الوحيد في جيلنا الذي يمكنه التفرغ للأدب، فقد كانت أحواله المالية مستقرة إلى حد كبير، وكنا نعتبره من الأعيان، فعندما تعرفنا عليه كان يمتلك سيارة خاصة، في وقت كان فيه عدد السيارات الخاصة في القاهرة محدوداً، ونعرف أسماء أصحابها بالاسم.
فجأة انقلب عادل كامل على الحياة الأدبية وبدأ يشكك في الأدب وقيمته، وترجم شكه إلى هجرة عن الأدب واعتزال الكتابة، والاتجاه إلى ممارسة مهمنة المحاماة.