رؤساء المخابرات يكشفون المستور في شخصية صدام حسين.. يحب الويسكي ومولع بالجميلات ويعشق السيجار الكوبي
طوال فترة حكمه للعراق، كان الرئيس صدام حسين مثار جدل دائم لارتباط اسمه بمنعطفات تاريخية في تاريخ بلاده والمنطقة العربية، بل والعالم كله، لذا كان من المنطقي أن يأتي ذكره في مذكرات زعماء ومديري أجهزة مخابرات العالم، والذين تناولوا جوانب شخصيته بشكل من التفصيل.. فماذا قالوا؟.
الفاتنات والسيجار الكوبي
عندما قررت المخابرات الأمريكية رفع السرية عن جزء بسيط ويسير من كنز المعلومات التي تراكمت من التحقيق مع صدام خلال فترة ثمانية أشهر كاملة، تمكن ضابط المخابرات الفيدرالية الأمريكية «إف. بي. آي» جورج بيرو وكان رئيساً لقسم التحقيق، من الحصول على موافقة بسرد جزء من مذكراته أثناء إجراء التحقيق مع صدام.
روى بيرو مذكراته في كتاب منحه عنوان «مراقبة الإرهابي». كيف أدار فرقة استجواب صدام بعدما قبضت عليه القوات الأمريكية في ديسمبر 2003.
يصف بيرو صدام حسين بأنه مهووس بالنظافة، مشيراً إلى أنه حاز ثقته بعدما مده بكميات كبيرة من فوط الأطفال الرطبة لتنظيف يديه، وكذلك بعض المأكولات مثل التفاح.
ومع أن صدام كان يصلي خمس مرات في اليوم خلال اعتقاله، فإنه كان يحب النبيذ والويسكي من نوع «جوني ووكر بلو ليبل» والسيجار الكوبي، وكانت تلفت انتباهه النساء الجميلات.
وبحسب الكتاب، عندما أتت ممرضة أمريكية لأخذ عينة من دمه، طلب صدام من بيرو أن يقول لها بالإنجليزية إنها فاتنة، لكن رئيس المحققين رفض.
ودحض بيرو الاعتقاد السائد أن صدام حسين كان غالباً ما يلجأ إلى شبيه له في ظهوره العلني، «قال لي صدام إن أحداً لا يمكنه أن يقلده».
قصائد الحب
وأكد صدام لبيرو أنه ادعى أنه يمتلك أسلحة دمار شامل فقط لإبقاء إيران خصمته اللدودة في موقف حرج، وكان يعتبر أنه قادر على استئناف البرنامج النووي عنما تُرفع عقوبات الأمم المتحدة عن بلاده.
وخارج غرفة الاستجواب الرسمية، ذكر بيرو أنه وصدام كانا يتناقشان في التاريخ والسياسة والفنون والرياضة، مشيراً إلى أن الرئيس السابق كان يكتب قصائد حب على دفتر أعطاه إياه موظف الـ«إف بي آي».
وسأل بيرو صدام عن حملة الأنفال ضد الأكراد التي قضى فيها على الآلاف خلال قصف مدينة حلبجة بأسلحة كيمائية عام 1988، فرد عليه صدام بأنه اتخذ هذا القرار ولا يريد الخوض في هذه المناقشة.
كان حذرا من ابنه قصي.
وعلى صعيد عائلته، قال صدام إنه كان حذراً من ابنه قصي، والذي قتل مع شقيقه الأكبر عُدي في عملية أمريكية بالموصل في يوليو 2003.
ورغم كرهه للرئيسين الأمريكيين اللذين شنا حرباً عليه وهما جورج بوش الأب والابن، كان صدام يحب الأمريكيين معرباً عن إعجابه بالرئيسين رونالد ريجان وبيل كلينتون.
وحسبما يذكر بيرو، كان في حوزة صدام مسدس عندما قبض الأمريكيون عليه في تكريت، وكان بإمكانه أن يطلق النار على نفسه لكنه لم يفعل، رغم أنه كان يعرف أنه يواجه احتمال الحكم بالإعدام، ما أرجعه رئيس المحققين إلى أن «الإعدام يخدم هدفه – أي صدام - أكثر وهو المحافظة على إرثه ومكانته في التاريخ».
ولم يندم صدام حسين على أي شيء حتى اللحظة الأخيرة قبل إعدامه شنقاً في نهاية عام 2006. يقول بيرو، «رغم ذلك كان لطيفاً ومهذباً ويتمتع بالكاريزما وحس الفكاهة. نعم، كان جديراً بأن يُحب».
عناد وقسوة
يحتل صدام أيضاً جزءً غير قليل من مذكرات يفيجيني بريماكوف من واقع خبرته كمراسل لصحيفة «برافدا» أثناء الاتحاد السوفيتي السابق، ثم كرئيس للمخابرات الروسية «إف إس بي»، فوزير خارجية، ثم رئيساً لوزراء روسيا في عهد الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين.
في مذكراته التي عنونّها بـ«في قلب السلطة»، ذكر أنه كان حاضراً أثناء عمله كمراسل في بغداد عندما استولت مجموعة صدام البعثية على السلطة في العراق في أواخر الستينيات، وأنه كان يعرف منذ البداية أن القوة الحقيقية خلف واجهة النظام الجديد هو صدام حسين التكريتي.
وعلى الرغم من أنه كان ما زال صحفياً، إلا أنه كان يباشر مهمة سلام بين بغداد والأكراد الذين كان يقودهم الملا مصطفى البرزاني، وأفلح في عقد هدنة غير أن صدام حاول بعد أيام اغتيال البارزاني عبر جهاز تسجيل أرسله له وكان يحتوي على قنبلة موقوتة. ويعلق بريماكوف قائلاً، «من الواضح أن هذا هو العمل الذي يجيده صدام».
ويصف بريماكوف شخصية صدام بأنها كانت وحشية، وغالباً ما تميل إلى القسوة، وتتسم بقوة الإرادة الاستثنائية، والعناد في التصرف بطريقته الخاصة، والتصميم على تحقيق هدفه بأي ثمن، وعدم القدرة على التنبؤ بأفعاله.
ومع ذلك، فإن بريماكوف يقول إن صدام كان «يظهر بين حين وآخر حساً بالواقعية، خصوصاً عندما يشعر بأن قبضته على السلطة قد تكون في خطر. وبكلمات أخرى، فإنه مستعد لفعل أي شيء من أجل البقاء في السلطة».
ويعيد بريماكوف ذلك إلى إثارة شكوك صدام التي تقترب من جنون الارتياب بكل شيء وبكل شخص، كما أن بطانته نفسها مسؤولة عن أوهام صدام ومنعه من تقدير واقعية الموقف.
الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في الكتاب هو روايته للمهمة التي فشلت في منع وقوع حرب تحرير الكويت عام 1991، فبريماكوف يدافع عن قضية قوية مفادها أن صدام كان يتصرف على ذلك النحو لأنه كان مقتنعاً بأن الأمريكيين لن يستخدموا القوة ضده، ويزعم رئيس الوزراء الروسي الأسبق أيضاً أن صداماً كان سينسحب من الكويت لو أنه أعطى فرصة للقيام بذلك.
ويؤكد أيضاً، أن صدام كان قد بدأ يلين في يناير 1991، ولكنه لم يستطع منع الهجوم الأمريكي، لأن واشنطن كانت قد قررت تدمير ماكينة الجيش العراقي على كل حال.
بطل قومي.. الخوف من التحول
أما وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر فقد أشار في مذكراته التي منحها عنوان «سياسة الدبلوماسية» إلى أن القوات الأمريكية أثناء حرب تحرير الكويت كانت على مرمى حجر من قصر صدام إلا أنها لم تقدم على الإطاحة به خوفاً من خسائر استراتيجية قدرّتها ها إدارة جورج بوش الأب.
أولى هذه الخسائر تتمثل في الخوف من تحول صدام لبطل قومي، وثانيها إقدام الجنود المدنيين العراقيين على مقاومة استيلاء العدو على بلدهم بضراوة لم تحدث في ميدان المعركة في الكويت، وثالثها أن القوات الامريكية ستواجه شبح الاحتلال العسكري لأجل غير معلوم لتهدئة البلد ودعم الحكومة الجديدة التي تتولى السلطة، ويقيناً ستؤدي حرب المدن إلى سقوط خسائر بشرية بين الجنود الأمريكيين ما سيثير عاصفة سياسية في الداخل الأمريكي وانتقادات كثيرة من الحلفاء ثم تفكك التحالف.
أما رابع الخسائر فتمثلت في أن ضعف العراق سيفيد قيادات إيران الذين سيتحالفون مع شيعة العراق، وسرعان ما يتحولون إلى قوة هيمنة إقليمية، وهو هاجس أمني تحسب له إدارة بوش الأب وحلفاءها ألف حساب.
وهذه الخسائر الاستراتيجية التي عددها جيمس بيكر في مذكراته في حال الإطاحة بنظام صدام، وقعت كلها على رأس بوش الابن وزمرته وتحققت فيما بعد عندما غزا العراق في 2003.