”ضحكات الناس عزائى وقوتى” أحزان شيخ المبدعين بديع خيري..ناضل ضد الاستعمار واكتشف الريحاني وسيد درويش

الموجز

تحل اليوم الذكرى الـ127 لميلاد أحد أشهر كتاب المسرح بديع خيري وأحد رواد الفن الأوائل ممن ساهموا سينمائيا ومسرحيا في رسم الخطوط العريضة لبدايات فنية ناجحة، ويعد خيري أحد المساهمين في النهضة المسرحية المصرية في بداية القرن الـ20 مع صديقه الفنان نجيب الريحاني، وظلت أعماله مصدرا لكثير من الفنانين لإعادة إنتاجها سواء على المسرح أو شاشة السينما مثل فريد شوقي وفؤاد المهندس.

ولد بديع عمر خيري في حي المغربلين، في 17 أغسطس 1893، وبدأ حياته مع التعليم في "الكتاب"، حيث حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، مما ساعد على صقل موهبته اللغوية.

بدأ "شيخ المبدعين" كتابة الزجل في مرحلة مبكرة من حياته، قبل أن ينهي دراسته، وعندما أنهى دراسته تم تعيينه مدرسًا، إلا أن "خيري" كانت له انشغالات فنية أخرى، فبدأ في كتابة المونولوج، ثم أخذه عشق المسرح ، فقرر البدء في كتابة المسرحيات، وقدم أولى مسرحياته تحت عنوان "أما حتة ورطة".

كان عام 1918، وقبل شهور من قيام ثورة 1919، هو العام الفارق في حياة بديع خيري، وربما في تاريخ المسرح المصري ككل، وذلك عندما التقى لأول مرة مع صديقه نجيب الريحاني الذي اكتشفه مواهبه هو وسيد درويش، وكانت أول تجربة فنية جمعتهما في رواية "على كيفك"، وكان خيري بكل تأكيد هو السبب الرئيسي لسطوع نجم نجيب الريحاني .

وقبل انشغاله بتجربته مع الريحاني، قام بتأسيس المسرح الأدبي، بالإضافة لتأليف بعض المسرحيات لفرقة عكاشة، ثم بدأ في الكتابة للسينما المصرية، فكان "بديع خيري" أول من كتب لها، سواء في عهد السينما الصامتة أو الناطقة، من خلال تأليفه للحوار والقصة والأغاني، وكان أول أفلامه الصامتة "المندوبان"، بينما كانت أبرز بداياته في السينما الناطقة في أفلام "العزيمة" و"انتصار الشباب"، فضلا عن المسرحيات التى كتبها للفنان على الكسار، وما تتمتع به كل أعماله من روح كوميدية وخفة ظل حتى الأغانى التى كتبها لفنان الشعب سيد درويش ومنها "دنجى دنجى، مخسوبوكوا انداس، البحر بيضحك ليه، الحلوة دى قامت تعجن"، وتنوعت إبداعات بديع خيرى فكتب أجمل أغانى محمد فوزى "شحات الغرام، وليا عشم وياك يا جميل"، ولأسمهان "عليك صلاة الله وسلامه".

ورغم الصداقة الطويلة بين بديع خيري ونجيب الريحاني ، فإن هناك واقعة تاريخية طريفة جمعت بينهما، حيث ظل نجيب الريحاني لسنوات يعتقد أن صديقه بديع خيري مسيحي الديانة، حتى توفيت والدة بديع خيري، وذهب نجيب الريحاني للعزاء، فوجد القرآن الكريم يتلى في سرادق العزاء، فسأل نجيب الريحاني بديع خيري مستفسرًا "هل أنت مسلم؟"، فرد عليه بديع خيري "نعم مسلم"، فقال الريحاني "كنت أظنك مسيحيًا.. لماذا لم تخبرني من قبل؟!، فأجاب بديع خيري "لأنك لم تسألني من قبل".

وفضلا عن كل هذه المواهب كان بديع خيرى يعيش بروح المناضل المقاوم للاستعمار، وأصدر عددا من الصحف والمجلات التى كانت تحرض ضد الانجليز، ومنها مجلة ألف صنف عام 1925، وكتب فيها الكثير من المقالات والأزجال السياسية ومعه الكثير من الكتاب والأدباء، ومنهم بيرم التونسى الذى كان يكتب من المنفى، وتم إغلاق المجلة بسبب مواقفها السياسية المعارضة، وبعدها أسس مجلة "الغول"، وكتب فى الترويسة (هذه المجلة لترهيب الاستعمار) فتم إغلاقها، ثم افتتح مجلة "النهاردة"، وكتب فى الترويسة (المجلة للدفاع عن الدستور) فأغلقت أيضًا، ثم أسس مجلة "مصر الحرة".

وعن الجانب الشخصى فى حياة بديع خيرى نجد أنه تزوج من ابنة خالته، وكان يحبها بشدة وأنجب منها 4 أبناء أكبرهم مبدع الذى درس المحاماة، وعمل بالسكة الحديد، يليه الفنان عادل خيرى والتحق بكلية الحقوق قبل أن يعمل بالفن ثم ابنه وحيدة، وأصغرهم نبيل خيرى الذى سافر ألمانيا لدراسة الصيدلة لكنه عاد ليلتحق بمعهد السينما وعمل بالإخراج.

وعلى الرغم من الروح الكوميدية وخفة الظل التى ميزت أعمال بديع خيرى، إلا أن بيته كان حزينا وشهد أحداثا مأساوية كثيرة، ومنها إصابة ابنته الوحيدة بالحمى الشوكية فى طفولتها ما تسبب فى إعاقتها ومعاناتها الصحية طوال حياتها، كما فقدت زوجته البصر فى نهاية حياتها بسبب مرض السكر.

أما الحدث الأكبر الذى أدمى قلب بديع خيرى فهو مرض ابنه الفنان عادل خيرى الذى أصيب بمرض السكر فى صباه ووفاته شابا قبل أن يكمل سن 33 عاما بعد 7 سنوات فقط من عمله بالفن تاركا زوجته وثلاث بنات أكبرهن فى سن السادسة وأصغرهن لم تتجاوز العامين.

وفى لقاء نادر مع بديع خيرى بعد وفاة زوجته وابنه عادل خيرى وبعد أن جاوز 72 عاما، وأصبح غير قادر على المشى بسبب مضاعفات مرض السكر، ورغم ذلك كان لايزال يعمل ويكتب قائلا "أمامى رسالة يجب أن أؤديها وحبى للمسرح يجعلنى أتغلب على ألامى وأحزانى، وانشغالى به يبعد عن ذهنى الأحزان والذكريات".

وأضاف: "من المدهشات أن أقوم بإضحاك الناس وقلبى مفعم بالحزن وهذا من فضل الله فضحكات الناس عزائى وقوتى".

رحل الفنان بديع خيري عن دنيانا في فبراير عام 1966م، بعد أن ترك بصمة مع الرواد "الريحاني" و"على الكسار"، ساهمت في إعلاء اسم مصر في الساحة الثقافية والفنية العربية، على مدار عقود طويلة.

تم نسخ الرابط