نرجسي ومتغطرس.. كتاب يرصد عٌقد الطفولة التي عاني منها «مبارك»

مبارك
مبارك

طريقة إدارة أي حاكم لبلده لا تنفصل بأي حال عن تفاصيل شخصيته، وربما هذا ما قد يفسر بعد المنعطفات الفجائية التي تتعرض لها كثير من الدول بسبب زلات وأخطاء حكامها، بعيداً عن أسباب أخرى قد تكون سياسية أو اقتصادية.

وفي كتابها «مهووسون في السلطة.. تحليل نفسي لزعماء استهدفتهم ثورات 2011»، قدمت الباحثة الأمريكية من أصل أرميني موريال موراك - فايسباخ تحليلاً لشخصية عدد من الحكام الذين ثارت عليهم شعوبهم، وكان منهم الرئيس الراحل حسني مبارك.. فماذا قالت عنه؟.

معاناة في الصغر

عانى حسني مبارك في طفولته من عقد نقص حادة، نظراً لأن عائلته عاشت في حالة من الفقر المدقع، وهذا ما ظهر في خجله من والده فلم يتحدث قط عن عمل أبيه الذي كان يعمل حاجباً في محكمة بنها ليكسب أقل من خمسة جنيهات في الشهر.

وبحسب موريال صب مبارك الأب جام غضبه على ابنه وعامله بقساوة شديدة، وأخذ يضربه بسبب ومن دون سبب، كما أجبره على العمل في الحقول منذ كان في السادسة ليضع في جيبه كل ما يجنيه حسني من مال.

وبدا أن خجل الرئيس ببداياته المتواضعة بلغ حداً قطع معه أي علاقة بعائلته الكبرى في مسقط رأسه كفر المصيلحة بالمنوفية، فهو على عكس التقليد القائم لم يزر أياً من أعضاء عائلته الكبرى، ولم يعد إلى مسقط رأسه إلا مرة واحدة في 2005 قبل انتخابات رئاسة الجمهورية من أجل مزيد من التمديد لحكمه.

وشرع أفراد من عائلته الكبرى منذ إطاحته في التعبير عن شكاواهم من هذا التجاهل بصراحة فاضحة عبر التلفزيون المصري، فحسني لم يعد إلى الديار للمشاركة في المناسبات العائلية المهمة مثل الأفراح أو الأتراح، بل إنه لم يزر قبر والده وهذا واقع يثير التساؤلات عن طريقة تعامله نفسياً مع وفاة أبيه.

الأمن الشخصي

بعد توليه مسئولية رئاسة مصر ورث مبارك مؤسسات ديكتاتورية، وبدلاً من تفكيكها أدامها على صورته وطوّعها لشخصيته، وشكلت تلك عملية تدريجية عزّز عبرها عبادة الشخصية التي تليق به.

تميز أسلوب زعامته بـ«الرزانة» و«العملية» أقله في خلال سنوات ولايته العشر الأولى، تحاشى خلالها الجلبة الإعلامية التي استمتع بها السادات وزوجته، بل إنه أمر الصحافة حتى بعدم تغطية أية أخبار عن زوجته أو ابنيه أو نشر صورهم.

تغيّر هذا كله بصورة جذرية بعد 1990 كحد أقصى، عند هذا الحد أصبح مبارك منهمكاً كلياً بذاته ومتصلباً في إحلال حكم الرجل الواحد والحزب الواحد، وشرع في وضع أمنه الشخصي فوق كل اعتبار آخر، محدداً ذلك بوصفه المسئولية الرئيسية الملقاة على أجهزة الدولة.

في سياق هذا، بات مثلاً على المواطنين العاديين إعادة تنظيم خطط تنقلهم في المدينة طبقاً لخط سير الرئيس، فإذا اقتضى الأمر أن ينتقل مبارك من مقر إقامته الذي يقع على الطريق المؤدي إلى المطار إلى مكان ما في وسط المدينة، فسيتم وقف كل حركة السير في القاهرة على مسافة تبلغ عشرين كيلو متراً للسماح بالمرور الحر لموكبه الذي يبدو أنه لا ينتهي، وتبقى كل طرق السيارات مقفلة لما يصل إلى ساعتين أو ثلاث تسبق مرور موكبه إلى المطار.

الغطرسة المطلقة

تميّز أسلوب مبارك الجديد في الزعامة بالغطرسة المطلقة، وخصوصاً فيما يتربط بعلاقته بشعبه، أي بالمواطنين العاديين وهو الذي يُفترض به أن يمثلهم ويحميهم، وبدا ذلك من استخدامه لغة فظّة أن لم تكن سوقية أثناء بعض أحاديثه ما سبب صدمة لمن يستمعون إليه.

وفي أحد خطابات عيد العمال على سبيل المثال خرج عن النص الجاهز، وانطلق في خطبة مسهبة عنيفة حمّل فيها على مواطنيه واتهمهم بأنهم جشعون ويفرطون في الاستهلاك.

في هذه الخطبة حرص الرئيس الأسبق على تحميل الشعب مشكلات مصر قائلاً إن سبب تدهور مستويات المعيشة يعود إلى النمو السكاني الذي لا ضوابط له. ومفاد الرسالة أن على المصريين إنجاب عدد أقل من الأولاد، ويدل هذا على فقدان التعاطف وعلى احتقار للناس الذين يعتبرهم من الدونيين.

غير عميق

شهد من يعرفون الرئيس الأسبق شخصياً بأنه ليس بالمفكر العميق، ووصفوه بأنه سطحي ولطالما واجه مشاكل في القراءة، بمعنى أن في وسعه القراءة والكتابة، لكنه يواجه صعوبات في قراءة نص والتقاط مغزاه وفهم الأفكار، وهو ما يتضح في عدم استعداده للخوض في نقاشات طويلة ويبدو ذلك عندما يخبره أحد مساعديه بمشكلة طارئة متوقعاً منه الرد بالطريقة المناسبة إلا أنه يُفاجئ بعكس ذلك.

في نقاشاته مع الوزراء ومستشاريه يتجه إلى الحديث بمقتضى السلطة، موجهاً بالأوامر والأحكام كما لو أنها نازلة من «سلطة عليا» وتشكل بالتالي تجسيداً للحقيقة.

وروى أحد من جمعهم عدة لقاءات بالرئيس الأسبق أن مبارك كان يبدأ المحادثة وسبّابته مرفوعة وموجهة على نحو تهديدي على محاوره ليطلب إليه فعل هذا الأمر أو ذاك، وفي ذلك افتقد إلى كاريزما عبدالناصر واعتمد  بالتالي على السلطة التي يستمدها من موقعه كرئيس للجمهورية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تم نسخ الرابط