ياسر بركات يكتب عن: أردوغان... ”خازوق أوروبا“
لا حديث في العالم حاليا إلا عن الصدام الكبير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و زعماء الدول العظمي بسبب رغبته الجامحة في السيطرة علي مناطق النفوذ والتحالف مع الجماعات الإرهابية.
والحقيقة أننا في الموجز أول من كشف صفقات أردوغان القذرة و استطاع الكاتب الصحفي ياسر بركات رئيس التحرير عبر مئات المقالات أن يفضح الدور المشبوه لثنائي الشر تركيا وقطر في دعم الجماعات الإرهابية.
في السطور التالية نعرض واحد من المقالات التي كتبها رئيس التحرير في 2016 عن تحالف أردوغان مع داعش و انقلاب أوروبا وأمريكا ضده وكأنه صورة طبق الأصل مما يحدث الآن.
وإلي نص المقال ..
جزء كبير من الثمن سيدفعه الخونة..
الثمن الذى نتحدث عنه هو ثمن غسيل الإدارة الأمريكية ليديها من الممارسات الإجرامية التى يقوم بها النظام التركى، الذى سيتحمل الجانب الأكبر منه أردوغان ونظامه، أما أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابى وأتباعهم فسينالهم جانب أو سيتحملون جزءاً وقد لا يجدون مأوى لهم إلا السجون أو القبور.
ساعة الحساب اقتربت، ودليل اقترابها هو تلك الشروط التى وضعها النظام التركى أمام أعضاء التنظيم الإرهابى كى تسمح لهم بالبقاء على أرضها، التى تمثلت فى إخطاره بأى لقاءات يعقدونها مع أية عناصر تابعة لأجهزة مخابرات أجنبية وتقديم تقارير كاملة عن أدق التفاصيل التى تتم مناقشتها خلال تلك اللقاءات، مع التشديد على أن عدم الامتثال لتلك الشروط يعنى الطرد من تركيا أو مواجهة عقوبات رادعة.
وزيادة فى التنكيل بهم، وكرد فعل على تعنت الإدارة الأمريكية مع نظام أردوغان، قامت المخابرات التركية بتسريب ما ألزمت به أيمن نور إلى وسائل الإعلام، واستغلت ظهور عناصر تابعة للمخابرات الأمريكية على شاشة قناة الشرق التى يرأس «نور» مجلس إدارتها، ليبدو الأمر كما لو كان تحذيراً للإدارة الأمريكية وليس فقط لعملائها المقيمين فى تركيا، سواء كانوا تابعين للتنظيم الإرهابى أو داعمين للتنظيم بتعليمات من المخابرات الأمريكية.
هل لفت نظرك، ما ذكرته عن أن الثمن مقابل «غسيل الإدارة الأمريكية ليديها من الممارسات الإجرامية التى يقوم بها النظام التركى»؟!
لو كنت متابعا جيداً لتطورات العلاقات الأمريكية التركية، ستدرك أن الإدارة الأمريكية بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة محاولة التنصل من دعم نظام أردوغان لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، رغم معرفة القاصى والدانى أن تركيا، وهى لا تدعم تلك التنظيمات من نفسها أو تحقيقاً لمصالحها فقط، بل تنفيذاً لأوامر أمريكية. كما أن الثابت أو ما بات فى حكم المؤكد هو أن الولايات المتحدة على رأس قائمة المتورطين فى صناعة «داعش»، وهناك وثائق عديدة تناولنا بعضها فى أعداد سابقة، ووثائق أخرى تتكشف كل فترة بأسماء دول، وشركات كبرى (لها وكلاء فى الداخل) تجعلنا أمام «مؤامرة كبرى» على المنطقة، وليس مجرد صناعة تنظيم إرهابى أو تنظيمات إرهابية.
أما الجديد الآن، أو الحادث الآن، فهو أن أردوغان يمرّ بمرحلة مفصلية من تاريخه السياسى، وتاريخ بلده، بدأها بالسيطرة على الجيش وأجهزة الأمن والقضاء والإعلام، بالتزامن مع شن حملات اعتقال لم تتوقف منذ أكثر من سنتين! وهى السياسات التى يمكن وصفها بالخوف والارتياب الزائدين.
خوف وارتياب زائدان، وقد يدفعانه بعد مرحلة الجنون التى وصل إليها أن يهدم المعبد على من فيه.. ما يعنى أن يربط نهايته بنهاية تركيا نفسها!
وبسبب ذلك الخوف وهذا الارتياب، قرر أن يغامر بورقة أعضاء التنظيم الإرهابى المقيمين فى تركيا، وأن يعلن صراحة عدم رضاه عن تعاملهم وتعامل داعميهم أو أتباعهم مع المخابرات الأمريكية دون الرجوع إليه! وربما نقرأ قريباً عن إلقاء السلطات التركية القبض على قيادات إخوانية أو أيمن نور أو غيره بتهمة التخابر مع الـCIA ووقتها سنعرف أن التهديد أو التحذير الذى تم توجيهه لم يحقق الهدف المطلوب أو لم يكن ورقة ضغط كافية على الإدارة الأمريكية، التى تكررت لدغاتها لتركيا أو محاولة تحميلها ومعها دويلة قطر جريمة صناعة ودعم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية!
وغير الهجوم المعلن الذى شنته الإدارة الأمريكية على سجل حقوق الإنسان فى أنقرة، وانتقادها تورط أردوغان وشخصيات مقربة منه فى عمليات فساد واسعة وممنهجة، يجرى من حين لآخر تسريب وثائق تؤكد ضلوع وتورط تركيا أو نظام أردوغان فى دعم التنظيمات الإرهابية، بل وتصدير عناصر تلك التنظيمات إلى دول أوربا، الأمر الذى جعل ملف توطين اللاجئين فى تركيا من أبرز الملفات التى يجرى بشأنها التفاوض بين دول الاتحاد الأوربى وأنقرة!
هذه، مثلاً، وثيقة منسوبة للمخابرات الأمريكية (CIA) تكشف عن مكالمة تليفونية جرت بين ضابط فى جهاز المخابرات التركية اسمه «روز بهجت»، وأحد أتباعه الميدانيين، يبلغه فيها بأنه أرسل 4000 جندى أجنبى لمساندة ما وصفه بـ«تنظيم الدولة» منهم 400 شخص يحملون الجنسية البريطانية، وتلقوا تدريباً فى معسكرات الـ«mi6» وهذا هو الاسم المختصر لـ«المخابرات البريطانية».
وفى المكالمة، يكشف أنه يتواصل مع عناصر أخرى للانضمام إلى المعسكرات، وأن هناك تعليمات تأتيه من السفارتين الأمريكية والبريطانية حول المناطق التى ينبغى استهدافها، ويحذره من تراجع بعض القبائل عن دعم ما يصفه بـ«تنظيم الدولة» (داعش يعنى) لشعورهم بأنهم قد تورطوا فى مشكلة كبيرة، وأنهم فى حاجة إلى مزيد من الأموال، لتجاوز تلك المشكلة!
وغير تلك الوثيقة، فهناك تقرير دورى لـ«وكالة الأمن القومى الأمريكية» يتناول القدرات المالية لداعش عن سنة 2014، حدد فيه ميزانيته بما يقترب من الـ2 مليار دولار، نصفها تقريباً من عائدات عمليات بيع النفط من الآبار التى سيطر عليها التنظيم فى العراق وسوريا وليبيا!
تقرير وكالة الأمن القومى كشف أن «خزانة التنظيم» يدخلها شهرياً 50 مليون دولار تقريباً، من الحكومة القطرية، من خلال 4 بنوك تقوم بتحويل الأموال عبر فروعها إلى المراكز المالية للتنظيم. غير ما يزيد على 2 مليون دولار يرسلها من داخل قطر أفراد من جنسيات مختلفة على شكل تبرعات لما توصف بـ«جبهة النصرة»، و25 حساباً بنكياً تم تخصيصها للتبرع للاجئين السوريين فى قطر وتركيا، وكل هذه الحسابات تنتهى إلى حسابات التنظيم!
وتأكيداً للدور القذر الذى تلعبه قطر، تم تسريب وثيقة منسوبة للسفير القطرى فى ليبيا يتحدث فيها عن إرسال أعداد من المقاتلين المرتزقة، تم تدريبهم فى معسكرات الــscg فى لبيبا تحت رعاية قطر.
ومن نص الوثيقة التى كانت عبارة عن خطاب رسمى من السفير لوزير خارجيته ننقل ما يلى: هناك 1800 مقاتل أنهوا تدريباتهم فى معسكرات الزنتان وبنى غازى والزاوية ومصراتة.. أقترح أن يتم إرسالهم على ثلاث دفعات إلى تركيا ومنها إلى العراق عبر كردستان.
على أن أهم ما تضمنته الوثائق المسربة، هو ما يكشف منها دور المخابرات التركية فى تسويق النفط من المناطق التى يسيطر عليها داعش!!.. بينها مثلاً، ما يؤكد أن «حقان فيدان» مدير المخابرات التركية، تم رصده أكثر من مرة داخل مناطق يسيطر عليها داعش فى الأراضى السورية.. بما يعنى احتمالية قيامه بالوساطة بين بعض قيادات «جبهة النصرة» وأطراف دولية حول شراء النفط الذى يستخرجه التنظيم من الآبار السورية والعراقية.
وهناك معلومات شبه مؤكدة بأن المخابرات التركية توصلت إلى اتفاق مع داعش يتم بموجبه نقل 100 إلى 150 ألف برميل يومياً بتكلفة من 30 دولاراً إلى 50 دولاراً للبرميل، وجرى الاتفاق على نقل النفط المسروق من المنشآت النفطية إلى الحدود التركية ومن ثم تقوم شركة النفط الوطنية التركية باستلام الشحنات فى مدينة الإسكندرونة الحدودية، ومنها إلى السوق السوداء الأكبر للبترول فى نيجيريا ليتم البيع دون حاجة لإخفاء المصدر.
كشف خيوط اللعبة بهذه الطريقة يوحى بأن الولايات المتحدة تحاول أن تغسل يديها من التنظيمات الإرهابية، وتلبيس الجريمة لـ«الصبيان» أو للوكلاء، ونقصد تركيا وقطر!.
وأمامى الآن مقال يقترب من الدراسة لـ«ديفيد جريبر»، يطرح فيه عدداً من الأسئلة حول مدى جدية الغرب فى تصفية تنظيم داعش، ويشكك فى تلك الجدية ودليله فى ذلك هو ما يراه من تقارب مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى يصفه «جريبر»، بأنه السبب الأول والداعم الأول فى تواجد واستمرار تنظيم داعش!
«جريبر» أوضح أن متابعة الأحداث الجارية بمنطقة الشرق الأوسط، خلال السنوات التى شهدت ظهور وصعود «داعش»، تكشف أن تركيا قدمت للتنظيم ما يبقيه متواجداً، وما يجعله يمتلك القدرة على نقل عملياته إلى أوروبا والتى كان أحدثها مذبحة باريس التى أودت بحياة 129 مواطناً فرنسياً.
وبشكل أوضح، ذكر «جريبر» أن تحركات تركيا عند إعلانها الحرب على داعش، لم تتسبب فى أى ضرر للتنظيم، بل كانت تضرب الأكراد، وتمنعهم من تلقى الإمدادات عبر الحدود، وكانت غارات الطائرات التركية تستهدفت المواقع الكردية فقط، دون توجيه ضربات حقيقية لتنظيم داعش.
وفى المقال الأقرب للدراسة، يستعرض «جريبر» عدداً من الأدلة جمعها معهد دراسات حقوق الإنسان بجامعة «كولمبيا» بالولايات المتحدة، تثبت مساعدة تركيا لـ«داعش» و«جبهة النصرة»، ليخلص إلى أن أردوغان هو السبب الرئيسى فى ازدهار داعش.
ويمكنك الرجوع، أيضاً، إلى تحقيق نشرته «واشنطن بوست» فى 14 أغسطس الماضى انتهى إلى أن الحكومة التركية فرشت السجاد الأحمر أمام تنظيم «داعش» وأن مدينة الريحانية التركية تحولت إلى مركز تجارى لعناصره!.
يمكنك أيضاً الرجوع إلى جريدة «وورلد تريبيون» التى ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أجرت تحقيقاً يثبت أن تركيا ضالعة فى تسليح المتطرفين منذ انفجار حركتهم وأن تنظيم «داعش» بدأ منذ مطلع 2013 يحصل على أسلحة ومعدات عسكرية عبر البوابة التركية ومن خلال تجار أتراك وأن كميات كبيرة وصلت إليه من رومانيا وبلغاريا وكرواتيا!.
وما من شك فى أن السنوات الثلاث الماضية، شهدت انتقال الإرهابيين الأجانب وتدفقهم عبر الحدود التركية السورية، ومنها إلى العراق وأن تركيا سلّحت وموّلت وسهّلت تنقل «الإرهابيين» عبر مناطقها الجنوبية إلى الشمال السورى. حتى بات من نافلة القول إنه لولا تلك الرعاية لما كان «داعش» يتمتّع بالقوة التى مكّنته من الاستيلاء على تلك المساحة الشاسعة بين سوريا والعراق.
فى هذا السياق، يمكننا قراءة تقرير نشره موقع «ميدل إيست مونيتور» يتوقع بل ويرجح أن يفشل الاتفاق الأخير الذى وقعته تركيا أخيراً مع الاتحاد الأوروبى لحل أزمة اللاجئين.
التقرير الذى انطلق من أن الأوروبيين يعتقدون أنهم باتفاقهم مع تركيا حلوا مشكلة اللاجئين التى اتسعت وسبّبت انقسامات فى أوروبا، بينما يعتقد الأتراك أنهم فتحوا باباً أوسع للعضوية فى الاتحاد الأوروبى. أكد أن الأوروبيين ليس لديهم أى نية لضم تركيا فى وقت قريب، لأن هذا سيزيد بشكل كبير من شعبية الأحزاب اليمينية، كما أن الأتراك ليسوا مهتمين حقًّا بحل مشكلة اللاجئين الأوروبية، لأن المشكلة نفسها هى سلاح الأتراك للحصول على مزيد من التنازلات من الاتحاد الأوروبى.
وأوضح التقرير أن المشكلة الأساسية للصفقة نفسها تكمن فى أن أوروبا لن تدفع أية أموال حتى توقف تركيا تدفق اللاجئين وتقبل اللاجئين من أوروبا، بينما تركيا لن تتصرف إلا بعد أن تتلقى الأموال المتفق عليها.
وأضاف التقرير أنه يتعين على دول الاتحاد الأوروبى نفسها أن تتفق فيما بينها حول كيفية دفع الأموال المطلوبة لتنفيذ الاتفاق. كما أن الأتراك سبق أن قالوا إنهم لا يملكون وسيلةً لوقف تدفق اللاجئين.
اللاجئون فى تركيا وأوروبا هم أنفسهم لاعبون رئيسيون، على الرغم من أن كلًّا من تركيا والاتحاد الأوروبى يتصرفان كما لو أن هؤلاء المنفيين سيفعلون ببساطة ما يقال لهم.
ولكن ماذا سيحدث إذا رفض اللاجئون امتطاء السفن والطائرات؟ هل ستبدأ سفن حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى نقلهم إلى تركيا بدلًا من أن ترسو بهم فى أوروبا؟ وهل سيبدأ المهربون واللاجئون فى توجيه أنظارهم إلى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا؟
هذا مع الوضع فى الاعتبار أن الدبلوماسية التركية تشعر بكونها جزءاً من أوروبا ورؤيتها لنفسها بأن لها وضعًا خاصاً إقليميًّا على أساس إمبراطوريتها السابقة.
طبقاً لما جاء فى التقرير، فإن الأتراك غارقون أيضًا فى الاقتناع بالقومية، ويعتبرون أنفسهم يتغلبون على الصعاب الكبيرة للحصول على الاستقلال، ومقاومة الآخرين الذين يتوقون للسيطرة على تركيا. الحل الوسط تعتبره العقلية التركية ضعفًا، بالتالى هو ليس خيارًا لأنقرة.
ويضيف التقرير أن هذه العقلية ستؤثر على نهج تركيا فى مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبى بشأن أزمة اللاجئين، ثم يستعرض عدة مسارات من المتوقع أن يتبناها النهج التركى. أولها أن تركيا هى الضحية وأنها تحملت عبء تدفق اللاجئين لمدة خمس سنوات ولا تستطيع السيطرة على الأزمة من دون مساعدة واسعة النطاق. وكانت الجهود المبذولة حتى الآن غير كافية على الإطلاق.
وثانيها أنه لا يمكن لتركيا أن تحل المشكلة، وأن أنقرة ستقول إنها لم تسبب المشكلة وأن الاتحاد الأوروبى هو أغنى وأقوى من تركيا، وبالتالى يتحمل مسئولية الحل الرئيسية. وبينما تستمر المفاوضات، ستواصل أنقرة التلويح بأن الاتحاد الأوروبى ما يزال فاشلًا فى القيام بما يجب القيام به، سواء فى المدفوعات إلى تركيا أو قبول اللاجئين فى أوروبا.
وهناك مسار ثالث، قد تطلب فيه تركيا تنازلات كبيرة مقدمًا. بما أن الاتحاد الأوروبى لديه مسئولية كبرى لحل الأزمة، ينبغى أن يقدم لتركيا تنازلات مهمة فى مفاوضات العضوية كدليل على جدية التعامل مع تركيا كشريك محترم. ومن المرجح أن تصر تركيا أن الاتحاد الأوروبى لم يفِ بالتزاماته لتنفيذ الشروط المتفق عليها.
والخلاصة هى أن تركيا تمثل الحل شبه الوحيد للاتحاد الأوروبى فى الأزمة الحالية. وفى حالة فشل المفاوضات أو عدم تنفيذها بأمانة، سوف تنتشر أزمة اللاجئين فى أوروبا مع اللاجئين القادمين إلى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا بأعداد متزايدة.
ولهذا السبب، تستخدم أوروبا كارت انتقادها للديمقراطية وحقوق الإنسان فى تركيا، وتتوالى الانتقادات الموجهة إلى تركيا بسبب السياسة الفاشلة للرئيس الحالى رجب طيب أردوغان، الذى يسعى إلى توطيد نظام حكمه فى البلاد والحصول على صلاحيات كبيرة، باتباع الممارسات القمعية وتشديد القوانين ضد الخصوم والمعارضين، الأمر الذى سيمكنه من تنفيذ أهدافه وخططه التى تهدف إلى تأسيس حكم شمولى.
وبهذا الشكل، أصبح الوضع فى تركيا معقداً ووصل إلى طريق مسدود بسبب طغيان واستبداد الرئيس التركى، الذى قام بتقييد الحريات العامة وتحجيم دور الإعلام الذى بات يسيطر على حوالى 90% منه بشكل مباشر أو غير مباشر، جاعلاً منها ماكينة ضخمة لتلميع صورته داخلياً وخارجياً، على الرغم من كثرة الانتقادات التى طالت سياساته فى الآونة الأخيرة. ويكفى أن تعرف أنه خلال العام الماضى تحولت عدة صحف معارضة إلى مؤيدة لأردوغان، بعد التحفظ عليها، وتغيير إداراتها، فى إطار حملة صارمة على وسائل الإعلام التابعة للمعارضة!
هذه الأوضاع استغلتها الإدارة الأمريكية، فى لعبة غسل الأيدى، فخرج المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربى ليعلن أن أمريكا ترى أن تركيا الآن على أعتاب دولة بوليسية كاملة الأركان بتكميمها للإعلام فى البلاد. وأضاف كيربى أن السلطات التركية يجب أن تنهى هذا وأن تلتزم بضبط النفس، وأن تعمل بما ينص عليه دستورها المعلن، والذى ينص على الديمقراطية وحرية الإعلام والصحافة فى البلاد.
فى المقابل ومع التحذيرات التى وجهتها أنقرة لقيادات تنظيم الإخوان الإرهابى والداعمين لهم، حذر الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أيضاً «دبلوماسياً أجنبياً» بسبب صورة سيلفى التقطها قنصل بريطانيا العام مع صحفى أثناء محاكمته مع زميل له بتهمة التجسس. ووجه إردوغان انتقادات حادة للدبلوماسيين الغربيين بعد أن عبر كثير منهم عن دعم «جان دوندار» رئيس تحرير صحيفة جمهوريت وزميله إردم جول فى أول يوم من محاكمتهما بإسطنبول، بتهمة نشر فيديو يفضح مشاركة المخابرات التركية فى نقل أسلحة إلى سوريا عبر شاحنات فى 2014. ويواجه الاثنان عقوبة السجن مدى الحياة.
أردوغان لم يذكر الدبلوماسى الذى وجه له التحذير بالاسم، لكن «لى تيرنر»، قنصل بريطانيا العام نشر صورة لنفسه مع «جان دوندار» على تويتر قبل بدء الجلسة التى حضرها أيضا عدد كبير من السفراء وقناصل العموم والدبلوماسيين الآخرين.
وكتب تيرنر فى تغريدة «الشىء الأساسى ليس بالمقارنات ولا بالتاريخ لكن تركيا تحتاج لتحديد نوع الوضع الذى تريده.» وفى تعليق على ما قاله أردوغان قال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية فى لندن إن الدبلوماسيين عادة ما يتابعون المحاكمات فى مختلف أنحاء العالم مع الالتزام بالمعاهدات الدولية. وقال المتحدث «هذه قضية مهمة بالنسبة لحرية التعبير فى تركيا ونحن إلى جانب شركائنا فى الاتحاد الأوروبى سنواصل مراقبة سيرها.»
وقال أردوغان فيما نقلته وكالة الأناضول للأنباء إن سبب وجود الدبلوماسى فى تركيا هو ضيافة الحكومة التركية. ونقل عنه القول «إذا استمر هذا الشخص فى العمل هنا فهذا بفضل كرمنا وضيافتنا. إذا كان فى بلد آخر لما سمحوا لدبلوماسى يمارس مثل هذا السلوك بالبقاء ليوم إضافى»، وقال مسئول إن وزارة الخارجية التركية تنقل لبعض الحكومات الأجنبية سخطها من تدوينات بخصوص المحاكمة على مواقع التواصل الاجتماعى مضيفا أن نشر هذه التدوينات لا يتفق مع مبدأ الحياد وقد يتعارض مع مبدأ استقلال القضاء. وتعهد أردوغان الذى يعتبر تغطية صحيفة جمهوريت جزءاً من محاولة لتقويض موقف تركيا فى العالم بأن دوندار «سيدفع ثمناً باهظاً».
إلى جانب ذلك، تم استدعاء السفير الألمانى مارتن أردمان لإبلاغه «استياء» السلطات التركية من بث شبكة تليفزيون ألمانية لأغنية اعتبرتها إهانة للرئيس التركى. ولم يصدر عن وزارة الخارجية الألمانية أى رد فعل رسمى. لكن قناة «إن دى آر» التليفزيونية الألمانية التى عرضت الأغنية احتجت على القرار التركى.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن رئيس تحرير القناة أندرياس شيشوفتز قوله إن «النشاط الواضح للحكومة التركية دبلوماسياً بسبب برنامج ’إكسترا3‘ لا يتوافق مع مفهومنا لحرية الصحافة والرأى». وتتطرق الأغنية التى بثت خلال برنامج «إكسترا 3» على قناة «إن دى آر» فى 17 مارس إلى القيود التى تفرضها الحكومة التركية على حرية الإعلام، كما تنتقد المبالغ الطائلة التى أنفقت لبناء قصر فخم بالقرب من العاصمة أنقرة.
وتتضمن الأغنية كلمات «يعيش فى ترف، هذا المتكبر من البوسفور، وإذا كتب صحافى ما لا يروق لأردوغان صار فى السجن فى اليوم الثانى». وكان أردوغان رئيساًً للوزراء منذ العام 2002 قبل أن يتولى الرئاسة فى العام 2014، ويتهمه معارضوه بأن لديه نزعة سلطوية. من جهة أخرى، تلقت الحكومة الألمانية انتقادات من وسائل الإعلام الألمانية بسبب الاتفاق المثير للجدل بين الاتحاد الأوروبى وتركيا بدعم قوى من ميركل. واتهمت وسائل الإعلام برلين بتقديم تنازلات كبيرة لأنقرة.
وفى سياق متصل، واستمراراً للعبة عض الأصابع، بدأت نيابة بولونيا، شمال إيطاليا، تحقيقاً ضد بلال أكبر أبناء أردوغان إثر بلاغ تقدم بها رجل الأعمال التركى مراد هكان أوزان يتهمه فيه بتهريب مبالغ كبيرة من المال إلى إيطاليا بمساعدة فريق من الحراس الشخصيين المسلحين الذين لم يسمح لهم بدخول إيطاليا لكنهم عادوا لاحقاً بجوازات سفر دبلوماسية.
وبلال الذى وصل خلال الصيف الماضى إلى بولونيا هو أحد المشتبه بهم الرئيسيين فى فضيحة فساد كبيرة تم الكشف عنها فى ديسمبر 2013. كما ذكر حساب باسم «فؤاد عونى، صوت تركيا» على تويتر أن بلال أردوغان سافر إلى إيطاليا فى 27 سبتمبر ومعه مبالغ كبيرة لإدارة أموال العائلة من هناك.
ونشير هنا إلى أنه فى شتاء 2013-2014 شهدت حكومة أردوغان (عندما كان رئيساً للوزراء) فضيحة فساد كبرى اتهم فيها وزراء ونجله بلال بتلقى رشوة وإساءة استخدام النفوذ.
والوضع كذلك، تكون التحذيرات التى تلقاها قيادات تنظيم الإخوان الإرهابى وداعموهم، وتم تسريب ما تم توجيهه منها إلى أيمن نور، تُضاف إلى سلسلة تحذيرات وجهها نظام أردوغان لسفراء ودبلوماسيين والهدف كما هو واضح توجيه رسائل لدولهم، وللدول التى تستخدم عملاء على أراضيها.
فهل سيكتفى بتلك التحذيرات أم نفاجأ خلال أيام أو أسابيع أو شهور، بأخبار عن إلقاء السلطات التركية القبض على قيادات فى تنظيم الإخوان أو داعمين لهم بتهمة التخابر أو التآمر أو أى اتهامات أخرى يستحقونها؟!