أصيبت بالغرور بعد وفاة «الست» ودخلت في مشاكل مع زميلاتها.. ما لا تعرفه عن فايزة أحمد
لكل فنان وجه آخر لا يعرفه الجمهور، يمتلأ بكثير من التفاصيل التي ربما تصدم محبيه، لأنهم أحبوا فنه ممزوجاً بالشخصية التي يظهر بها.
والمطربة الراحلة فايزة أحمد إحدى هؤلاء الفنانات اللواتي امتلكن صوتاً جميلًا، استطاعت من خلاله أن تنافس عمالقة الطرب في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، لكنها حُرمت من اعتلاء القمة لأسباب كامنة في شخصيتها.
ولدت فايزة أحمد بأحد أحياء دمشق الشعبية في أسرة طيبة متوسطة الحال كثيرة الأولاد والبنات، ومالت إلى الموسيقى والغناء منذ نعومة أظفارها، ولكنها لم تتعلم شيئاً منها، سوى ما كانت تتلقفه وتحفظه للمطربين والمطربات من الأسطوانات والإذاعات المختلفة.
طلاق من أجل الغناء
ويبدو أن روحها المتعطشة للحياة والمتفتحة للحب جعلتها تقدم على الانفصال من زواجها الأول الذي حال بينها وبين طموحها، نظراً لوقوف أسرة زوجها الكبيرة حائلاً بينها وبين الفن، فعجلّت بالانفصال، والتحقت بكورس الإذاعة.
جذب صوتها الدافئ الفتيّ انتباه الموسيقيين والملحنين إليها، لتغدو خلال فترة قصيرة المطربة الأوفر حظاً بين المطربات في الإذاعة السورية، لكن
ثقافتها المحدودة وأخلاقها الصعبة رغم طيبتها المتناهية، وردود فعلها الآنية التي كثيراً ما قادتها إلى الشجار، حالت بينها وبين أكثر الملحنين الذين رغبوا بالتعاون معها.
كان أول لحن غنته هو قصيدة «يا جارتي ليلى»، الذي لحنه الفنان محمد عبد الكريم في أوائل الأربعينيات للمطربة ماري عكاوي، لتعيد غناءه بنجاح كبير في الخمسينيات، ثم موشح ديني «يا ربي صلي على النبي» من ألحان محمد محسن.
هنا القاهرة
قبل نزوحها إلى مصر شاركت فايزة في العديد من الحفلات الموسيقية، وعملت بعض الوقت في عدد من الملاهي الدمشقية، حتى إذا جمعت من المال ما يساعدها على شراء بيت كانت تفكر باقتنائه للاستقلال بحياتها والعيش مع أولادها، نازعتها فكرة الرحيل إلى القاهرة التي أقضت مضجعها.
كان طموحها يحثها على السفر، وكانت تدرك أنها لا تملك سوى صوتها والثروة الضئيلة التي جمعتها بعرقها، وتعرف أن الوسط الفني يحفل بالجمال الذي لا تملك منه سوى القليل قبل فن الغناء الذي تتقنه.
ورغم إدراكها ومعرفتها لأجواء الوسط الفني، قررت أن تجازف وأن تكرس ما تملك من مال وفن من أجل ذلك، فعزمت على السفر وكلها أمل بالنجاح الذي تتوق إليه.
وكان أصدقاؤها المخلصون والمعجبون بصوتها يشجعونها على ذلك ويهمسون في أذنها تارة، ويصيحون تارة أخرى، بأن أم كلثوم لم تكن في يوم من الأيام جميلة إلا بصوتها وفنها، فأيقنت أن الأمر حق، وأن العديد من المطربات المتفوقات لا يملكن مثلها من الجمال شيئاً.
وهكذا قررت أن تجرب حظها، فحزمت حقائبها، ورحلت إلى القاهرة، معتمدة على فنها وعلى الصداقات القليلة التي ترتبط بها.
سجن الزوج
تمكنت فايزة أحمد خلال فترة قصيرة من استقطاب الملحنين حولها، فصوتها الدافئ المعبر الجميل، وسخاؤها على الملحنين ضمن لها دخول الإذاعة المصرية بقوة من وراء لحن محمد الموجي لأغنية «يا امه القمر على الباب»، والوصول إلى قلوب الناس، والاستحواذ بعدد من الأغاني التي لحنها الموجي وبليغ حمدي على قطاع عريض من الجمهور.
ولم تكتف بما قدمه لها الموجي وحمدي، فقد كان من أحلامها الوصول إلى قمتي التلحين الخارقتين رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب، اللذين لم يبخلا عليها عندما اتصلت بهما، فأعطياها من الأغاني ما جعلها تصبح بين ليلة وضحاها منافسة قوية لمطربات شهيرات آنذاك مثل نجاة الصغيرة، وشهر زاد، ووردة، وصباح، وغيرهن.
أحبت الملحن المبتدئ آنذاك محمد سلطان فتزوجت منه، وكرست صوتها لألحانه. يقول النقاد عن فايزة بعد تمرسها وبلوغها قمة تحسد عليها، إن عيبها كمن في ناحيتين.. الأولى فنية ظهرت باستمرار في إصرارها على غناء ألحان زوجها دون غيره من الملحنين الذين يفوقونه قوة وتمرساً ويفهمون في صوتها وأبعاده أكثر منه كالسنباطي والموجي وكمال الطويل.
أما الناحية الثانية فهي تجارية، تمثلت في احتكار كل شيء لنفسها ولاسيما بعد وفاة أم كلثوم، إذ اعتقدت بأنها المطربة الأولى بعد رحيل كوكب الشرق، وأن على جميع المطربات أن يُصنفن بعدها، ونتيجة لهذه الفكرة التي أدلت بها أم كلثوم ذات يوم بطريقة غير مباشرة، عملت على ضرب أجور المطربات عن طريق تخفيض أجرها، فأثارتهن عليها، ودخلت بسبب ذلك معارك كانت في غنى عنها.
وعلى المستوى الإنساني كانت فايزة طيبة كريمة، يستطيع المرء بالكلمة الحلوة أن يجردها من كل شيء حتى من الثوب الذي ترتديه، لكنها أيضاً سريعة الغضب، وردود فعلها الآنية سريعة وعنيفة وملتهبة، ومن هنا فإن أحداً لا يستطيع أن ينقدها نقداً منزهاً عن أي غرض دون أن يتعرض لعقر لسانها.
نصحوها بألا تقصر أغانيها على ألحان زوجها، فلم تقبل هذا النصح إلا متأخراً، فسجلت وهي على فراش المرض رائعة السنباطي «لا يا روح قلبي»، وربما كان ذلك سبباً في قضاء نحبها قبل أن تكتشف الطريق إلى القمة، التي وصلت إليها بعد وفاتها عام 1981.