رقم خيالي ..تعرف على تكلفة إعادة تعمير مرفأ ببيروت
بصرف النظر عن فرضيتي العمل المدبّر الذي استبعدته السلطة الحاكمة أو التقصير الداخلي الذي دفعت بإتجاه تبنّيه، مما لا شكّ فيه أنّ زلزال مرفأ بيروت أصاب رئة لبنان الإقتصادية إصابات بالغة لا بل مدمّرة. فمرفأ بيروت يؤمّن أكثر من 70% من مداخيل لبنان الجمركية، وأكثر من 80% من إجمالي الواردات، وإعادة إعماره في ظل الأزمة المالية عمليّة معقّدة، تتطلب أموالًا ووقتًا.
المرفأ المنكوب تضرر بشكل كبير، 80 % منه لم يعد موجودًا، والـ 20% المتبقّية لحقت بها اضرار. فهل الدولة قادرة على إعادة إعماره؟ وكيف السبيل لذلك؟
إعادة إعمار المرفأ أمر استراتيجي حيوي لا بدّ منه، وفق مقاربة الخبير الإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة في حديث لـ "لبنان 24"، "لا سيّما وأنّ تداعيات إنفجاره تنتج بُعدين، بُعد وطني غذائي سينعكس على معيشة المواطنين نقصًا في المواد الغذائية واتساع رقعة الفقر، وبُعد استراتيجي يتمحور حول الدور المرتقب للمرفأ في عملية إعادة إعمار سوريا. علمًا أنّ حجم البضائع المستوردة إلى مرفأ بيروت كانت تغذّي ليس فقط لبنان إنّما سوريا أيضًا".
بشأن تكلفة إعادة المرفأ هناك أرقام خيالية يطرحها البعض، تقّدر بمليارات الدولارات، وبنظر عجاقة هذه التقديرات لا تمت للواقع بصلة، معتبرًا أنّ رمي الأرقام يفقدنا المصداقية، وبتقديرات أولية رأى عجاقة أنّ التقديرات بعدما تكشّفت الأضرار بشكل أوضح، لا تتجاوز نسبة الـ 300 مليون دولار، ومن الممكن أن يرتفع الرقم إلى حدود بسيطة على ضوء الكشف عن قاعدة المرفأ، وما إذا كانت لا تزال صالحة أم لا، وبأسوأ الأحوال لا تتخطى الكلفة الـ 500 مليون دولار.
في الشق التمويلي يمكن للحكومة أن تعيد إعمار المرفأ عن طريق الـ bot، من خلال إجراء مناقصة عالمية. ولكن بنظر عجاقة "إعادة إعمار المرفأ لا تقتصر فقط على الشقّ المالي، هناك أبعاد سياسية تتصل بالمجتمع الدولي، وإعادة بنائه قرار سياسي دولي، لاسيّما وأنّ الوضع الحالي يشكّل وسيلة ضغط على لبنان عبر تركه رهينة رضى المجتمع الدولي".
رغم ذلك يمكن للبنان أن يتجاوز التعقيدات السياسية لإعادة بناء المرفأ، وفي هذا السياق يقترح عجاقة الطلب من البنك الدولي أن يحوّل جزءًا من الإعتمادت المخصّصة لسدّ بسري لصالح إعادة بناء مرفأ بيروت. خصوصًا أنّ المرفأ عنصر أساسي من الناحية الإستراتيجية ، كما أن البنك نفسه كان قد إقترح على الحكومة اللبنانية في نيسان الماضي "تحويل الأموال غير المنفقة ضمن مشروع سد بسري، بشكل أكثر فعالية للإستجابة لاحتياجات الشعب اللبناني الملحّة والناشئة حديثاً" في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمعيشية.
ليس هناك تقديرات رسمية بشأن كلفة إعادة الإعمار، إلّا أنّ وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار أكّد أنّ الأضرار في المرفأ جسيمة، وهناك صعوبة في إعادة تشغيله في المدى القريب. وفيما يترقب لبنان نتائج مؤتمر باريس الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدعم لبنان، برز إستعداد بعض الدول لإعادة إعمار المرفأ والمنازل المتضررة، منها بريطانيا وتركيا. والسؤال الذي يطرح نفسه:
الدول التي تخشى أن تقع المساعدات العاجلة التي تقدّمها في أيدي من تسمّيهم بالفاسدين، هل ستمنح ملايين الدولارات لإعادة إعمار المرفأ إلى هؤلاء الفاسدين أنفسهم الذين يتحكّمون بمفاصل السلطة؟ أم ستشترط الإصلاح والشفافية والحوكمة؟ وهل الحكومة توافق على اقتراح تحويل أموال سدّ بسري لصالح إعادة بناء المرفأ، أو أقلّه ترميم البيوت المتضررة؟ أمّ أنّ الأولوية لا زالت لسدّ بسري؟