حكايات مثيرة عن عمارة وسط البلد التى يحرسها أربع تماثيل .. ولغز غرفة المشنقة المقيدة بالسلاسل
تقف صامدة شامخة، تنظر على الزحام وتبكى من الاهمال، تحاول أن تنفض تراب الزمن الذى طمس ملامحها وكاد أن يقضى على جمالها الذى كانت تتباهى به فهى واحدة ضمن ثلاثة فقط حول العالم، عمارة، "تيرينج " إحدى المعالم المهملة الموجود داخل منطقة العتبة بوسط القاهرة، و هى تحفة معمارية كبيرة، يوجد أعلاها كرة، يحملها 4 تماثيل، و يقال أن هذه العمارة لا يوجد لها نظير سوي ثلاثة فقط حول العالم .
قام بتأسيسها اليهودى النمساوي "أوسكار هورويتز ", 1913، و هو نفس المهندس المعمارى العبقرى الذى شيد عمارة الإيموبيليا الشهيرة.
أراد الخواجة "فيكتور تيرينج"، أن يحقق حلمه فى تشييد مبنى تجارى مماثل لعمارة "سيزار ريتز "، الموجودة فى أوروبا، وعندما وطأت قدماه الساحة الشهيرة لميدان العتبة في عام 1910، قرر أن يشترى قطعة أرض فى هذه المنطقة ليبنى عليها حلمه، إختار هذا المكان حتى يربط بين القاهرة القديمة، و القاهرة الجديدة، فالعمارة يحدها من الشرق حى الموسكى المكتظ بالسكان و الممتلئ بالشوارع و الحوارى بعطوره الشرقية و أصواته الغريبة، ومن الغرب توجد أفخم الحدائق الفرنسية فى القاهرة "حديقة الأزبكية " ، و المبانى المزينة الأوروبية الفخمة التى أنشأها الخديوى إسماعيل مع ميادينها الجميلة و الفنادق الفخمة، وأوبرا القاهرة، و الكثير من المشاهد للقاهرة البرجوازية المتنامية ، ولكن مبنى "تيرينج"، غلب على هذا المشهد بأكمله بواسطة الكرة الأرضية المتواجدة أعلى قبته، والتى كانت تظهر لامعة براقة أثناء الليل، والتماثيل التى ترفعها وكأنها تقوم بحراستها.
تم الانتهاء من بناء مبنى التيرينج عام 1913 ، وكان يعد من أكبر متاجر البيع، بطوابقه المتعددة التى تحتوى على العديد من السلع المختلفة، وكان فيكتور تيرينج وأشقاؤه من أكبر التجار في فيينا، وكانت منتجات شركة فيكتور تيرينج و إخوانه لخياطة الملابس منتشرة فى جميع أنحاء فيينا، واستهدفوا فتح فروع آخرى خارج البلاد، ولكن وقفت الحرب العالمية الأولى فى وجه أحلامهم ورغبتهم فى الانتشار والتوسع .
وفي عام 1915 كانت " تيرينج القاهرة"، تحت إدارة "كارلو ميناسس" ، و أدرجت مؤقتا تحت مسمى ممتلكات العدو، و كان الجيش البريطاني في ذلك الوقت قام بفرض الأحكام العرفية على جميع الممتلكات التى تؤول ملكيتها للأجانب من بلاد العدو و عزلها، و في نهاية المطاف تم منح مبنى " التيرينج" ترخيصا مشروطا للتجارة في مصر مع الإمبراطورية البريطانية و مع الحلفاء من بريطانيا العظمى، و لكن عزل الامبراطورية النمساوية فى هذه الفترة وصعوبة توصيل البضائع منها إلى مصر أجبر أصحاب المبنى على تصفية نشاطهم التجارى عام 1920.
وانتقلت ملكية المكان بعد ذلك لعدد من الأشخاص، وظل محتفظا بعملائه القدامى، و بالرغم من تاريخ المبنى العريق، و الاهتمام الذى حظى به منذ لحظة التفكير فى تأسيسه، إلا أن مجموعة من الأشخاص استولوا عليه وحولوه إلى ورش صغيرة و محال تجارية، ومخازن للبضائع لمجموعات كبيرة من المحال التجارية بمنطقة العتبة و الموسكى، ومنذ تلك اللحظة تحول المبنى الرائع إلى مبنى يشبه بيوت الاشباح، والغريب فى هذا المبنى تلك الغرفة المتواجدة أسفل الكرة التى تعلوه ويطلقون عليها غرفة " المشنقة" ، لوجود مشنقة بداخلها، بالإضافة إلى أن دائما أبوابها مغلقة بالسلاسل والاقفال، ولا يجرؤ أحد الاقتراب منها أو محاولة فتحها، ويبدو أن غرفة المشنقة هذه تحوى بداخلها العديد من الأسرار التى يمكن أن تكشف عنها الأيام أو حتى السنوات المقبلة .