خلف أبو قرعة.. قصة ولي يحيي مريدوه مولده بشرب الخمر
حكايات كثيرة وغريبة يرددها العامة عن الأولياء، ورغم أنها قد تكون أسطورية، لكن المريدون يصدقونها عن اقتناع، بل ويتشبهون بالولي في كل طقوس حياته.
أحد هؤلاء هو ولي له مقام في مدينة الفيوم، ويدعى خلف أبو قرعة، والذي يصر مريدوه على إحياء مولده بشرب الخمر، لا لسبب إلا انه كان يسرف في تناولها أثناء حياته. فما هي قصة هذا الولي؟
اعتزال النساء
ارتبطت حكاية الولي أبو خلف أبو قرعة بالخصوبة والخلاص، فالمجتمع يعتبره ولي قضاء الحاجة الجسمية والنفسية.
ويُحكى أنه كان شاباً قوي البنيان عاش منعزلاً بمكان مقامه الآن بمنشأة الفيوم معتزلاً النساء، ولم يتزوج طيلة حياته هارباً من كل القيود التي تحد من حركته، فكان يسير مهرولاً في الطرقات منكباً على وجهه لا يدري ولا يبالي بما أعطاه الله من أموال وأطعمة، فينثرها مرة ويحتفظ بها مرة هاذياً بكلام يتوقع حدوثه في المستقبل.
ولُقب أبو قرعة جاء من إسرافه الشديد وعدم مبالاته بما ينفق ويأكل، فالجماعة تصف الإنسان المبذر بأنه "بقرعة" أو "أبو قرعة" أو ربما يرجع لأنه كان يشرب الماء في نصف ثمرة القرع.
من كراماته المتداولة بين مريديه، أنه منع ذات يوم ضرراً وهلاكاً كان يؤدي إلى موت بعض الناس، عندما كسر إناء الفول (القدرة) الذي اعتاد أن يأكل منه كل صباح.
كان صاحب (القدرة) يفرح بمرور "أبو قرعة"، ولكنه هم بغضب شديد وهشّم الإناء، وتعجب المشترون من هذا الفعل فإذا بهم يجدون ما يقطع عليهم دهشتهم، فإذا هي حية تسعى لهلاكهم ماتت بسمها داخل الإناء.
عندئذٍ شكره البائع وشهد له المجتمع بالولاية، وتنتشر هذه الحكاية بين العامة فتعده من الحواشين (أفراد يمكنهم استئناس الثعابين والحيات).
شرب الخمر
شرب الخمر من الطقوس التي تُمارس في مقام سيدي أبو خلف أبو قرعة، حيث يحرص المريدون على أدائه بدءاً من غروب الليلة السابقة ليوم شم النسيم حتى منتصفها وهم يغنون ويمرحون.
وأثناء حلقات الذكر وسماع الإنشاد الديني يكثر المنشد من صفات الولي من مجون كشرب الخمر وقضاء حاجات الناس، وينشد المنشد من مقام السكر الصوفي أبياتاً معينة.
كشف الكرامات
بعض الصوفية عللوا احتساء الولي للخمر حتى يسكر بأنه مجرد فعل يستتر به على الناس حتى لا تكشف كراماته، وذلك لأن "الولي يستحي من كراماته كما تستحي البنت البكر من دم الحيض".
ويشرب المنشدون في حلقة الذكر الخمر ويتعاطون النباتات المخدرة مثل الحشيش والأفيون، وعندما سئل احد المنشدين عن سر ذلك، أجاب بأن أول من اكتشف الحشيش كان متصوفاً ورعاً.
ولعل امتداد هذه الفكرة ترجع إلى ما ذكره المقريزي من أن رجلاً من الهند اكتشف الحشيش وكان اسمه البيروتز، وكان زعيماً لإحدى الطرق الصوفية، واستعملها بعده الصوفيون.
هناك رأي ثان يرجع اكتشاف الحشيشة للشيخ حيدر المتوفي سنة 618 هجرياً في خرسان، والذي أوصى أصحابه أن يزرعوها بعد وفاته، كما جعلها وقفاً على رفاقه.
أثناء أداء طقس شرب الخمر يقوم منشد شعبي بالغناء للزائرين، وكأنهم يعلنون عن قدوم الاخضرار والنماء، وحلول القداسة على الأرض في هذا اليوم الذي تحتفل فيه الجماعة بمولد الولي بأغنياتها التي تذكر الولي خلف أبو قرعة كثيراً، فينعم عليهم بالبركة.
طقس البرسيم
ويرتاد مريدو "أبو قرعة" أثناء ذهابهم لمقامه العربات الكارو التي كان الولي يعتاد ركوبها ويرددون جملة "رايحين جايين جايين رايحين"، ويعلقون أجراس برقاب الحمير ويعتقدون أنها تمنع عنهم الشياطين بصوتتها أو رنينها.. وهم يغنون أغنية معينة.
أثناء ركوبهم عربات الكارو يمسك المريدون بأحزمة البرسيم وتضرب كل جماعة الجماعة المقابلة، وعند نزول السيدات من العربات تزغرد بشدة اعتقاداً أن ذلك يبعد الشياطين.
بعد ذلك يغنى المريدون حكاية الولي الذي ضرب القدرة وأخرج منها الثعبان فمنع البلاء عن مجتمعه المتمثل في سم الثعبان، وبذلك تحققت كرامة من كراماته.